جاءت زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى الصين (15 ــ 18 آذار/ مارس الحالي) بهدف إحداث دفعة قوية للعلاقات الصينية ــ السعودية، والتي شهدت خلال الفترة الماضية الكثير من القفزات النوعية.
إلا أن زيارة الملك سلمان إلى الصين رافقتها نقطة سوداء كبيرة، تمثّلت بالرفض السعودي «الوقح» للعرض الصيني الضمني (ولكن اللافت) إلى القيام بوساطة بين السعودية وإيران (القوتين البارزتين والمهمتين بالنسبة إلى الصين) من أجل رأب الصدع بينهما، والمساعدة على حل الخلافات بين الدولتين، والتي تؤثر سلباً في «التناغم» الذي يحكم علاقة الصين مع الدول الأخرى.
فتصريح السفير السعودي في الصين تركي بن محمد الماضي، غداة إبداء وزير الخارجية الصيني وانغ يي استعداد بكين للوساطة بين البلدين، كان صادماً ويفتقد إلى الحد الأدنى من الدبلوماسية، ولا سيما أنه جاء خلال مقابلة مع وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا).
بالرغم من ذلك، فإن العلاقات الصينية ــ السعودية جيدة جداً، وهي تتجه إلى المزيد من التطور، فالسعودية دولة مهمة جداً في المنطقة، والصين تسعى لتعزيز علاقاتها معها، لأن بكين حريصة على إقامة علاقات متوازنة مع مختلف القوى الوازنة في منطقتنا، ومن بين هذه القوى السعودية. وقد عبّرت زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى المنطقة مطلع العام الماضي عن هذه الرغبة، حيث زار كلاً من مصر والسعودية وإيران، في التفاتة واضحة إلى القوى التي تملك دوراً كبيراً في الشرق الأوسط.
وعلى الصعيد الاقتصادي تعتبر العلاقة الصينية ــ السعودية مهمة جداً، حيث تتربع السعودية على عرش الدول التي تصدّر النفط إلى الصين بشكل شبه دائم. كما أن السعودية سوق ضخمة جداً وتشكل فرصة كبيرة للشركات الصينية، سواء على مستوى المشاريع الكبرى، أو على الصعيد الاستهلاكي.
فوق ذلك، فالأماكن المقدسة عند المسلمين موجودة في السعودية، والصين تعتبر أن تعزيز علاقاتها مع السعودية يساهم بتعزيز علاقاتها مع المسلمين في أنحاء العالم.
كل هذا صحيح، ولكن ما هو صحيح أيضاً أن الصين لديها مصالح استراتيجية على مستوى العالم، وفي منطقتنا أيضاً، وفي بعض المفاصل تتحول هذه المصالح إلى مصالح حيوية، ولذلك فإن بكين غير مستعدة للتضحية بهذه المصالح مقابل أي بدل مادي أو معنوي.
ومن هذه المصالح ما يجري في سوريا، إذ إن الصين لديها مقاربة مبدئية لهذا الوضع تنبع من المبادئ التي تقود السياسة الخارجية الصينية والتي تركّز على عدم جواز التدخل في شؤون الدول الأخرى، والحفاظ على سيادة هذه الدول، والعمل على حل الأزمات بالطرق السلمية وعبر الحوار، ولذلك ترى الصين في مشاريع قرارات مجلس الأمن في شأن سوريا تدخلاً سافراً في شؤون هذه الدولة، وعقبة في طريق السعي لحل الأزمة فيها سلمياً.

تتربع السعودية
على عرش الدول التي
تصدّر النفط إلى الصين بشكل شبه دائم

هذا على المستوى المبدئي، أما على المستوى العملي فإن الصين ترى في وقوفها إلى جانب روسيا مصلحة كبرى لا تستطيع تجاوزها، كما ترى في مشاريع القرارات محاولات أميركية لرسم مسارات الأمور في منطقتنا بما يلبي رغبة واشنطن، وبما يضرّ بمصالح الدول الأخرى بما فيها الصين نفسها.
ويدخل في هذا الإطار موضوع مكافحة الإرهاب، والذي يشكّل همّاً حقيقياً للصين، فالمجموعات الإرهابية المكوّنة من أشخاص يحملون جنسية صينية موجودة في سوريا. من هنا فمن الطبيعي أن تقف الحكومة الصينية إلى جانب الحكومة السورية في هذا الصراع، فضلاً عن أن انتصار هذه المجموعات على الحكومة السورية سيعطيها القدرة على مدّ ذراعها الإرهابية إلى داخل الصين نفسها.
وليس خافياً على أحد أن هذه المجموعات تتلقى ـ بشكل أو بآخر ـ دعماً من السلطات السعودية، ما يجعل هذه القضية الشائكة نقطة محورية على جدول أعمال الحوار الصيني ــ السعودي.
أما الوضع في الأراضي الصينية نفسها فليس بعيداً عن جدول الأعمال هذا، فمن المعروف أن النزعة الانفصالية التي كانت موجودة ـ ولكن بشكل ضعيف ـ في منطقة سينكيانغ شمال غرب الصين تلقت دفعة معنوية هائلة مع زيارة الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز إلى الصين عام 2006، حيث أتيحت له الفرصة لبذر المراكز الإسلامية في مختلف أنحاء الإقليم، وقد شجعت بكين ذلك على أساس إبداء حسن النيّة للأقلية المسلمة في المنطقة، وللدول العربية من خلال السعودية. وإذ بهذه المراكز تتحول إلى بؤر لتخريج المتطرفين الذين تحوّل الكثير منهم إلى إرهابيين أثاروا الاضطرابات في المنطقة المسلمة، وفي الصين بكاملها.
ومن هذه النواة المتفجرة، مع ما كان موجوداً لدى بعض أبناء سينكيانغ من رفض للحضور الصيني في تلك المنطقة، نشأ الحزب الإسلامي التركستاني الذي يدعو إلى انفصال «تركستان الشرقية» (أي سينكيانغ) عن الصين، وانتشر عناصره في آسيا الوسطى، وصولاً إلى تركيا التي تقدم الدعم المعنوي والمادي للحزب، ومن ثم إلى سوريا حيث بات عناصر هذا الحزب، وغيرهم ممّن التحقوا بـ«داعش»، من أشد المحاربين للدولة السورية.
الآن، بات همّ الإرهاب الدولي ـ وفي موقع بارز منه إرهاب الجماعات الإسلامية ـ همّاً مشتركاً لكل من الصين والسعودية، بعد أن اكتَوت المملكة السعودية نفسها بنيران الإرهاب القاعدي والداعشي، ولذلك فإن عنوان مكافحة الإرهاب بات عنواناً بارزاً في ملف العلاقات الصينية ــ السعودية، بالإضافة طبعاً إلى مجالات التعاون الأخرى، وعلى رأسها الاقتصاد بالطبع.
ولا بدّ في الختام من لفت النظر إلى هدف سعودي مهم من تعزيز العلاقات مع بكين، وهو «اللعب على مشاعر» واشنطن، التي تشعر الرياض أنها باتت تقلّل من قيمة «تحالفها» مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، دون أن يعني ذلك أن العائلة الحاكمة في الرياض راغبة في ـ أو قادرة على ـ نقل تحالفاتها من سلّة واشنطن إلى سلّة بكين بشكل كامل.
ويبقى السؤال: هل «ستنجو» العلاقات بين الصين والسعودية من المطبات التي تفرضها الأوضاع المتفجرة في منطقتنا العربية الإسلامية، أم أن هذه الاضطرابات ستفرض نفسها كمعوّق أساسي لتطور الروابط بين البلدين؟
* صحافي لبناني