تحت عنوان «أهي القبلة القاتلة» كنّا قد كتبنا في منتصف شهر أيار الماضي في أن الغرب قرّر التخلص من الرئيس رجب طيب إردوغان (ومن آل سعود أيضاً)، وجاءت محاولة الانقلاب في تركيا في شهر تموز الماضي لتؤكد صحة تحليلنا. لقد اكتشف الرئيس ضلوع الغرب ووكالة الاستخبارات المركزية في محاولة الانقلاب، ما جعل الأوضاع في المنطقة ككل أكثر خطورة مما كانت عليه.قبل الانتقال إلى رأينا في التطورات المقبلة، وجب تأكيد حقيقة تتجاهلها وسائل التضليل، هي أن الانقلاب فشل لسببين مترابطان. الانقلابيون، المؤتمرون بوكالة الاستخبارات المركزية، أخفقوا لأنهم لم يقتلوا الرئيس التركي، ولأن أتباعه نزلوا إلى الشارع وحاصروا الانقلابيين بناءً على ندائه لهم. لذا فإننا لا نفهم إطلاقاً حماسة البعض لمحاولة الانقلاب الفاشلة، التي جرت ضد رئيس منتخب شرعياً، أعجبتنا سياساته أو لم تعجبنا.
كذلك لا نفهم تحليلات أقرب منها إلى التمني من أن محاولة تالية ستنجح ــ علماً بأن البديل هو فتح الله غولن ــ الذي أضاف اللاصقة الإلزامية (محمد) إلى اسمه كما يرد في موقعه في الإنترنت. فتح الله غولن اختلف مع الرئيس إردوغان بداية على مواقف الأخير السابقة تجاه كيان العدو. بالمناسبة، هل قرأ أحد نقاط برنامج حزب الشعوب الديمقراطية الكردي/التركي، من القضية الفلسطينية ومن القدس كي يتحمس له.
ثمة آلية تفكير تعمل عكس عقارب الساعة!
الآن إلى التطورات اللاحقة. إن الرئيس التركي صار يحظى بشعبية أكبر من قطاعات معادية للغرب، ولواشنطن تحديداً، وهذا ما أظهرته تظاهرات أتباعه في أوروبا، وفي ألمانيا تحديداً حيث أظهر استمزاج رأي أجرته مؤسسات ألمانية أن 90% من الأتراك هناك يؤيدونه. المهاجرون الأتراك في ألمانيا أضحوا يشكلون قطاعاً واسعاً من الناخبين، على المستويين المحلي والقومي في ألمانيا، وقرار الرئيس التركي تشكيل حزب عدالة وتنمية للأتراك/الألمان، هناك سيزيد من تعقيد الوضع هناك.
كذلك إن إعادة الرئيس التركي فتح حدود بلاده أمام طالبي اللجوء ستؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار أسس الاتحاد الأوروبي، حيث نرى ميل الحكومات اليمينية في بولونيا والمجر وتشيكيا وسلوفاكيا، ومن بعدهم النمسا، إلى التراجع عن قرارات سابقة اتخذتها مسبقاً في هذا الخصوص.
ويملك الرئيس التركي أوراق ضغط إضافية، منها قاعدة إنجرليك، بل وحتى عضوية حلف الناتو. الرئيس التركي صار أكثر قوة حالياً داخلياً وخارجياً مما كان عليه قبل الانقلاب الفاشل بما يمنحه أوراق ضغوط على حلفائه في حلف الناتو، وها هي قواته تهاجم القوات الكردية في شمالي سورية، ولا تجرؤ واشنطن حتى على الاحتجاج. الكرد، الذين قبلوا في الماضي أن يكونوا أدوات بيد واشنطن، رغم أنها باعتهم حتى لصدام حسين، عليهم مواجهة الحقيقة المرة الآن.
هذه التطورات، جميعها سيزيد، في ظننا، من تصميم الغرب على التخلص منه حتى لو كان ذلك اغتيالاً. الأدوات المحلية لارتكاب جريمة نكراء كهذه متوافرة، من المتطرفين بمختلف انتماءاتهم الوطنية والقومية، إلى زملائهم الأتراك إلى إلى إلى...
المعركة في سورية والعراق وليبيا واليمن وعليهما، دولية الطابع والجوهر. هي حروب الجغرافية السياسية، والهدف محاصرة روسيا وتقطيع أوصالها وتشجيع الحركات الانفصالية فيها، والهيمنة المباشرة على أوراسيا بما يسمح بمحاصرة الصين براً، وهي المحاصرة بحراً عبر مضيق ملقا.
المسألة ليست مستقبل هذا أو ذاك من الحكام، بل الإتيان بحكام ينفذون أوامر واشنطن ويشاركون تابعين من دون شروط.
هذا يعني بالضرورة أن المنطقة مقبلة على فوضى عسكرية أدواتها محلية، وقد تنخرط فيها قوات أميركية وناتوية، بالحجة المعروفة، أي إعادة الهدوء والقضاء على الإرهاب، متجاهلين حقيقة أن الإرهاب والفوضى الحالية هي نتاج حروب واشنطن ومغامرات النيوليبراليين من المحافظين الجدد.