أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 29 أيار الماضي مرسوماً يُعيد بموجبه دبابة إسرائيلية (من طراز «م 60»، أميركية الصنع) إلى تل أبيب، غنمتها سوريا أثناء اجتياح لبنان عام 1982 في بلدة السلطان يعقوب في البقاع الغربي، وأرسلتها إلى روسيا بطلب منها للتحقق من أنظمتها وإمكاناتها. في الأراضي المحتلة تشكّل هذه الدبابة الذكرى الوحيدة لعائلات 3 جنود إسرائيليين قُتلوا أثناء المعركة، بينما تأتي هذه الخطوة في سياق التحضيرات الروسية ــ الإسرائيلية للاحتفال بالذكرى الـ25 لإعادة العلاقات الديبلوماسية بين الطرفين في تشرين أول المقبل.
بالعودة إلى سياق الحرب السورية الدائرة منذ سنوات خمس، كانت العلاقات بين الطرفين مجال بحث للمراقبين حيث حافظا، رغم اختلافهما على الموقف من الدولة السورية، على إطار يحفظ مصالح الطرفين الأمنية والسياسية. فمن جهة، أبقت موسكو على دعمها للنظام السوري سياسياً وعسكرياً، ما مكّنه من الحفاظ على وجوده كدولة ومؤسسات شرعية، رغم فقدانه العديد من المناطق الجغرافية، فيما أبقت إسرائيل على الخطوط الحمراء التي وضعتها بأن لا يصل السلاح النوعي إلى حزب الله في لبنان، وأن لا تتحوّل منطقة الجولان المحتل إلى ساحة تستغلها المقاومة لإنشاء بنية تحتية عسكرية لمواجهتها. ولهذا الهدف، نفذت تل أبيب منذ بداية الأحداث السورية أكثر من 13 عملية عسكرية معلنة، كان آخرها اغتيال المناضل سمير القنطار، وذلك أثناء الوجود العسكري الروسي المباشر في سوريا. كذلك، جرت زيارات ديبلوماسية إسرائيلية عدة لموسكو مع بداية التدخل الروسي المباشر، ثمّ مع إعلان سحب الجزء الأكبر من القوات الروسية.
تشكّل هذه
الدبابة الذكرى الوحيدة
لعائلات 3 جنود إسرائيليين

تأتي هذه الوقائع لتشير إلى أنّ روسيا ـ بوتين في سياق إعادة حضورها السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط لا تريد - كما يرغب جزء من جمهور المقاومة - أن تكون في موقع مناهض للسياسة الإسرائيلية، بل ترغب في أن تثبّت موقعها كلاعب دولي لديه علاقات مع مختلف الأطراف المتصارعة، ما يمكّنها في المستقبل من أن تكون شريكاً للولايات المتحدة في إدارة العملية السياسية في المنطقة. وعلى جمهور المقاومة أن لا يُفاجأ بأن تبادر موسكو في اتجاه تفعيل عملية السلام في المستقبل بين مختلف الأطراف، وفي مقدمتها سوريا بنظامها السياسي الجديد المرتقب، مهما كان شكل هذا النظام والتوازنات الموجودة في داخله.
لا تغيب الولايات المتحدة عن مشهد العلاقات الروسية ـ الإسرائيلية، بل تقع في صلبها. فإسرائيل بالنسبة إلى روسيا - مع ضمان مصالحها الأمنية - تشكّل جسراً للتفاهم مع واشنطن، خصوصاً في مرحلة الإدارة الأميركية المنتظرة بداية العام المقبل.
في جانب آخر، تشكّل العلاقات الروسية ــ الإسرائيلية تهديداً لإيران وحلفائها، ولعلّ المستقبل في مسار العلاقات بين روسيا وإيران سيشهد تبايناً أكبر في الساحة السورية تحديداً، حيث يسعى كل طرف من خلال إمكاناته إلى أن يكون له الكلمة الفيصل على التوجه السياسي لسوريا الجديدة.
بالعودة إلى المرسوم الروسي الصادر عن الرئيس بوتين، يبقى أن نشير إلى الجمهور السوري أنّ دماء جنود جيشه ليست أغلى من تسيفي فيلدمان ويهودا كاتس وزكريا باومان (الجنود الثلاثة المفقودين في معركة السلطان يعقوب) بالنسبة إلى روسيا، بل إن ما يحكم روسيا في علاقاتها الدولية هو مصالحها السياسية والأمنية فقط... وتبقى السياسة الدولية صراعاً من أجل القوة والنفوذ وليست أبداً في تحقيق العدالة للشعوب.
* باحث لبناني