هي ذكرى نكبتنا الثانية في فلسطين حيث أضاعت أنظمة الهزيمة والاستسلام لا بقية أراضي فلسطين الانتداب فقط وإنما حقوقنا التاريخية فيها. فنكبة حزيران عام 1967، قادت زعامات عربية إلى الاعتراف بقصورها عن تحصيل الحد الأدنى من حقوقنا في وطننا، والأنكى من ذلك أنها حاولت، كالعادة، إخفاء استسلامها غير المشروط لواقع ساهمت هي نفسها في خلقه وإدامته وراء شعارات رنانة تضليلية. فكلنا يعلم أن ما يسمى لاءات الخرطوم الثلاثة (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض) لم تكن سوى محاولة خداع أنظمة الهزيمة لشعوب أمتنا، وأن القرار المخفي كان «نعم للاعتراف بشرعية كيان العدو وشرعية اغتصابه فلسطين، ونعم لدفن الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية القومية». هذا تحديداً ما دفع رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الراحل أحمد الشقيري للانسحاب من قمة الخرطوم وإعلانه على الملأ أن عرب الهزيمة وأعرابها قرروا دفن فلسطين قضية وشعباً، حفاظاً على أنظمتهم المهلهلة أو استجداءً لأوامر واشنطن وشروطها. زعامة منظمة التحرير "الجديدة" نفذت مهمتها الرئيسة باستسلام أوسلو، ثم تُركَت كي تعفن في أوحال استسلامها، وهاهي تواصل النهج ذاته عبر التنسيق الأمني مع كيان العدو الذي يعني ممارسة دور خادم الاحتلال والاستعمار.قرارات الاستسلام الرسمي العرب السرية لم تتوقف فقط عند الاعتراف بقرار مجلس الأمن رقم 242 الذي يمنح كيان العدو المغتصب، العنصري والمصطنَع، شرعية دولية، بل قبلت أن قضية شعب فلسطين الذي طردته أنظمة سايكس بيكو من وطنه، قضية لاجئين متسولي العطف والفتات. هذه هي القرارات السرية الحقيقية.
لكن، ومع "عصيان" أطراف فلسطينية للقبول باستسلام عرب جامعة الدول العربية وأعرابها، لشروط كيان العدو، قرر النظام الرسمي القضاء على أي صوت فلسطيني مستقل ومعاقبته، وتمثل ذلك أولاً في إجبار الراحل أحمد الشقيري على الاستقالة من منصبه ليفسح المجال أمام زعامة مطيعة مرتبطة بأنظمة سايكس بيكو والبترودولار، جاهزة لتنفيذ الأجندة العربية الرسمية التي هي في الأساس أجندة واشنطن الاستعمارية، وهو ما قادنا إلى ما نحن فيه من ضياع.
إن استسلام زعامات فلسطينية لشروط واشنطن الصهيونية، تحت مختلف الذرائع هو ما أفسح في المجال أمام أنظمة عربية كاريكاتورية لإقامة علاقات سرية وعلنية مع كيان العدو ومساعدته على ابتلاع ما احتل من وطننا في فلسطين.
وإن ما كشفته صحيفة "الأخبار" عن التعاون التآمري الوثيق بين أفراد فلسطينيين وجماعة أوسلو في رام الله ودولة الإمارات لبيع عقارات في القدس المحتلة لكيان العدو وتسهيل سيطرته الكاملة عليها يفضح، للمرة المليون، تكاتف أنظمة سايكس بيكو التابعة للندن وواشنطن. فدولة الإمارات، كما بقية مشيخات الأعراب [من المحيط إلى الخليج!]، ليست سوى إحدى دوائر الاستخبارات البريطانية التي بينت وثائقها المفرج عنها أن انقلاب زايد على شقيقه شخبوط جرى بأمر منها وبمساعدتها.
الدور، غير المشرف، الذي تؤديه تلك الدولة الكاريكاتورية، في فلسطين وفي غير فلسطين، يلخص مواقف النظام العربي الرسمي المتحالف حتى النخاع مع واشنطن وتل أبيب.
المخفي أعظم، وشكراً سنودن وجوليان آسانج ورفاقهما.
لكن علينا في الوقت نفسه الحديث مجدداً عن دور الإعلام المقاوِم وإعلام محور الممانعة. واجب هذا الإعلام المساعدة على التصدي بالكلمة الصادقة لما يجري، وفضح تواطؤ السلطة المهلهلة وميليشياتها في فلسطين المحتلة، ولفت الأنظار إلى مختلف أشكال النضال الذي تخوضه القوى الوطنية الفلسطينية والظروف الصعبة التي يعيشها كل فلسطيني يقاوم العدو الصهيوني ورموزه أيًا كانوا. وإذا كنا ندرك [عذر!] أن الإعلام المقاوم وإعلام الممانعة ليس بمقدوره قول كل شيء لأن ذلك سيؤدي الى محاصرته، فواجبنا لفت الانتباه إلى أن التجربة أوضحت عقم ممارسة الرقابة الذاتية. فأنظمة القمع لن تقبل غير الخضوع الكامل لها... «لن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم».
أخيراً، النخب الفلسطينية والعربية، بمعنى العلماء في كافة المجالات، مطلوب منها عمل مسح شامل لأوضاعنا وقدراتنا وتلك العائدة للعدو وداعميه في البيت العربي وفي خارجه، بهدف وضع استراتيجية علمية تفسح في المجال أمام نهوض وطني شامل يحرر الشعب الفلسطيني وحركاته الوطنية من هيمنة قوى الخيانة والاستسلام وقيادته نحو تحرير فلسطين.