المدام والسريلانكية!

  • 0
  • ض
  • ض

(بينا فرنندز ومارينا دو رِغت – تحرير)، العمالة المنزلية المهاجرة في الشرق الأوسط – البيت والفضاء الخارجي.
Bina Fernandez & Marina de Regt (eds.)٬
the Domestic Workers in the Middle East: Home and the World. Plagrave
Macmillan٬ New York 2014. 208 p.

هذا المؤلف، الأول في مجاله، والمرتكز إلى البحث الإثنوغرلفي الحقلي، أي المباشر، يتناول بالبحث والتحليل والعرض حيوات العمالة المنزلية المهاجرة في عدد من بلدان الشرق الأوسط، ضمن الحيز الخاص والحيز العام. يتجاوز هذا المؤلف ما سبقه من أعمال من حيث إنه لا يركز على الإخلال بحقوق الإنسان الخاصة بالعمالة المنزلية المهاجرة، وهو ما تناولته مؤلفات مختلفة يشار إليها، وإنما يتناول بالعرض والتحليل مقاومة العمالة المنزلية المهاجرة أيضاً لمختلف أشكال الاضطهاد الذي يتعرضن له.
المشاركات والمشارك في هذا العمل عملوا على المؤلف فترة طويلة والتقوا أعداداً كبيرة من العاملات، ضمن ما تسمح به الظروف والمشار إليهن ضمن صفحات البحوث. وهم: مَرينا دو رِغت من جامعة أمستردام، ندا إلياس من جامعة طيبة في المدينة المنورة وجامعة هَل البريطانية، وبينا فرنندز من جامعة ملبورن الأسترالية، وناومي هُسُد من جامعة كاغاوا في اليابان، ومارك جسنت من جامعة هَل، وكلاوديا ليبلت من جامعة بايرويت الألمانية، وفرديس مهداوي من بامونا كولدج بالولايات المتحدة، وأمريتا باندِ من جامعة كيب تاون في جنوب إفريقية وأكيكو وَتَنْبِ من جامعة بنكيو باليابافي. أما مجال التخصص الأكاديمي للمشاركات والمشارك في المؤلف فهو الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا والدراسات الدولية ودراسات التطور. هذا كله يخاطب التوق والتطلعات والمخاوف وخيبة الأمل لدى العملة المنزلية المهاجرة، والذي يعمل كاستعارة لإطلاق علاقات حميمية بين الذات والآخر.
المؤلف يضم ثمانية فصول كل منها مخصص للبحث في حيوات العمالة المنزلية في دولة أو أكثر. الفصل الأول «التآلف مع الحيز الخاص في العالم: العمالة المنزلية المهاجرة في الشرق الأوسط» يتناول وضع العمالة المنزلية في المنطقة على نحو عام. الفصل الثاني «تكوين علاقات حميمية وعلاقات عمل: العمالة المنزلية المهاجرة في لبنان تقاوِم». الفصل الثالث «درجات [انعدام] الحرية: ممارسة العمالة المنزلية المهاجرة الحبشية الوكالة في الكويت ولبنان». الفصل الرابع «هجرة معطلة عن الحركة: مواطَنَة جامدة وممارسات مرنة بين المهاجرين في الخليج». الفصل الخامس يتناول وضع العاملات الفيليبينيات في كيان العدو الصهيوني. الفصل السادس «خلق «بيت جديد» بعيداً عن الوطن: التحول الديني في دبي والدوحة». الفصل السابع «الاعتناء من أجل المستقبل في المملكة العربية السعودية: النساء السعوديات والفلبينيات يؤسسن أوطاناً في عالم الحركة»، أما الفصل الثامن والأخير فيتناول وضع العمالة الحبشية المهاجرة في اليمن ضمن ظروف الحرب القائمة هناك.
اخترنا من هذه المقالات مواد تركز على حيوات العمالة المنزلية المهاجرة في لبنان بسبب امتيازه بحرية البحث الأكاديمي ووجود منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة، إضافة إلى توافر صحافة نقدية وتنظيمات نقدية وهو ما لا نعثر عليه في أي من دول المنطقة. الكاتبة أمريتا بندِ تشرح منهجية البحث الحقلي التي اتبعتها وتؤكد أن مهمتها كانت أسهل بسبب لون بشرتها الأسمر ومعرفتها عدة لغات لمخاطبة العاملات اللواتي منحنها ثقتهن لكنهن لم يوافقن على وضع أسمائهن الحقيقية خوفاً من الملاحقة. إضافة إلى لقاء العاملات، استشارت الباحثة مرجعيات ذات صلة منها القانونيون والمحامون والناشطات في مجال المجتمع المدني والنقابات العمالية والأكاديميون وممثلو بعض السفارات التي أقامت مآوي للفارات من منازل المستخدِمات.

أوطان العمالة المنزلية المهاجرة وأعدادها

العمالة المنزلية المهاجرة في المنطقة يصل عدد أفرادها إلى 7,5 مليون عاملة من دول آسيوية وأفريقية منها الفيليبين والهند وبنغلادش ونيبال وإندونيسيا وسريلانكا. أما العمالة المنزلية المهاجرة من أفريقية فتأتي من الحبشة وإريتريا ونيجيريا والكاميرون ومدغشقر وبنين وكينيا وغيرها.
العمالة المنزلية المهاجرة في لبنان بلغ عدد أفرادها أكثر من 400000 عاملة، وذلك وفق آخر إحصاء يعود إلى عام 2009. أكثرية العاملات أتين من الحبشة (أثيوبيا) وتليها الفيليبين ثم بنغلاديش، وآخرها سريلانكا، رغم النعت الجامع (السريلانكية).

تمييز طبقي، لكن عنصرية جامعة

بينا فرنندز ومرينا دو رغت تؤكدان وجود مفاضلة طبقية بين العمالة المنزلية المهاجرة. فبينما تمثل العائلات المنتمية للطبقات العليا [!] على استخدام عاملات من الفيليبين وإندونيسيا، فإن الطبقات الدنيا [!] تستخدم عاملات إفريقيات من الحبشة وإريتريا حيث يكون معاشهن أقل من الذي تقدمه الطبقة العليا!
كما تتمايز العمالة المنزلية المهاجرة من بعضها في الواجبات المفروضة عليهن. فعمل العمالة الآسيوية المهاجرة غالباً ما يكون مخصصاً لرعاية الأطفال والمسنين، وتتركز واجبات العمالة الأفريقية المهاجرة على التنظيف والطهي.
لكن رغم هذا التمايز الطبقي المفروض، الكاتبات يلاحظن أن العمالة المنزلية المهاجرة، جميعها، تتعرض للاضطهاد العنصري [اللفظي؟!] حيث يطلق الوكيل أو الكفيل عليهن صفة واحدة هي السريلانكية التي أصبحت تساوي الخادمة، أيّاً كان وطنها، علماً بأن عدد أفراد العمالة السريلانكية يأتي في آخر قائمة أعداد العمالة المنزلية في لبنان. هذا يعني أنه في سريلانكا ليس ثمة من طبيبة أو معلمة أو عالمة أو مربية، علماً بأن بندرنايكا كانت أول سيدة تتبوأ مركز رئاسة الوزارة كان فيها. التمييز بحق العاملات يتجاوز الحيز العام ليغطي حتى الممارسة الدينية. ففي حالات عديدة خصص موقع كنسي خاص بالعاملات المهاجرات عادة ما يكون قبو أو بناء هامشي مهلهل. فمن غير المسموح لهن الاختلاط بالمصلين المحليين!

العمالة المهاجرة بين الحيّزَين العام الخاص

عندما ينتقل المرء إلى مسألة الحيزين الخاص والعام، يبدو تناقض الأحوال متجلياً. فالحيز العام للعاملة المنزلية المهاجرة هو مكان عملها، الذي هو في الوقت ذاته حيز ربة العمل الخاص. الدراسات والأبحاث التي أجرتها الباحثات في هذا المجال تظهر مدى معاناة العاملة المنزلية المهاجرة، وفي الوقت نفسه أساليب مقاومتها لفرض حيز ربة العمل، أو لنكن أكثر دقة، المستخدِمة، مجالها الخاص وهو البيت، وفي الوقت ذاته «موقع الاستهلاك» على المستخدَمَة في موقع عملها «موقع الإنتاج». المسشرقون الذين درسوا الحيز العام والخاص في الشرق الأوسط لاحظوا غياب الحيز الخاص، كما سنرى لاحقاً.


العمالة المنزلية
المهاجرة في المنطقة يصل عدد أفرادها إلى 7,5 مليون عاملة


الأساليب التي توظفها المستخدِمة، دوماً وفق الكاتبات، تراوح بين «العقاب» النفسي والعقاب الجسدي، وأكثرها همجية ضرب المستخدَمَة المستخدِمَة بالعصي أو بالحذاء. هذه التصرفات الوحشية اللاإنسانية تدفع بالعديد من العاملات المهاجرات إلى الانتحار حيث يصل معدل من يقتلن أنفسهن فراراً من وحشية ربة المنزل في لبنان إلى عاملة أسبوعياً، دوماً وفق إحصائيات منظمات المجتمع المدني التي ترد في المؤلف. أما الأساليب الأخرى فهي حجز المستخدِمَة جواز سفر العاملة المهاجرة، وعدم دفع الراتب ومنعها من مغادرة المنزل من دون إذن، ومنعها من دخول غرف محددة في المنزل مثل غرفة الصالون وعدم السماح لهن بمشاهدة التلفزيون أو استخدام الهاتف، وعدم توافر غرفة منام حيث كثير منهن يضطررن للنوم في غرف الأطفال أو في ممرات البيت أو على شرفة البيت. بل إن إحدى العاملات قالت: إن المستخدِمَة رسمت في رأسها خريطة تحركات داخل المنزل.
مختصر القول: على المستخدَمَة أن تكون جاهزة لتنفيذ أوامر المَدام 24/7.
لكن تقييد حركة العمالة المنزلية المهاجرة في لبنان، وغيره من دول المنطقة موضوع الدراسات، يتجاوز حيز المستخدَمة الخاص، وهو العام حيث يحظر عليهن دخول أمكنة محددة مثل المقاهي والنوادي والمسابح وغيرها من الأمكنة التي بدورها تضع لافتات تمنع دخول العمالة المنزلية المهاجرة. أي أن حركة العاملة تخضع لرقابة شبه كاملة. وفي حال عدم التزامهن فإنهن يتعرضن للعقاب النفسي والجسدي. يضاف إلى ذلك التحرش الجنسي في الشارع والتعليقات العنصرية.

الكفيل: نظام عبودية شرعي؟!

من المشاكل الأخرى التي تواجه العمالة المنزلية مسألة الإقامة، وعليها تتحدد ظروف العمل ويجب التمييز بين العاملة المقيمة في البيت والعاملة التي تعمل لساعات محددة ومكان إقامتها خارج المنزل، وما إلى ذلك. لكن جميعهن يتشاركن في ضرورة توفر كفيل والذي يجب أن يكون مواطناً لبنانياً.
هذه الأمور كافة معروفة لدى السلطات اللبنانية وغيرها التي تستثني العمالة المنزلية المهاجرة من ضمانات قانون حقوق العمال العائد لعام 1946، ولا تتدخل بذريعة عدم جواز دخول الحيز الخاص للمواطنين. ربما هذا الأمر صحيح في لبنان، لكن في بقية الدول حيث تمارس السلطة رقابة على الفرد وعلى فكره وحتى على أنفاسه... إلخ، فإن العذر غير مقبول إطلاقاً. هدف السلطات التنصل من المسؤولية تجاه العمالة الأجنبية المهاجرة وحقوقهم. هذا ما جعل الدول العربية تتصدر القائمة العالمية لأسوأ أمكنة العمالة المنزلية المهاجرة.
بالعودة إلى مسألة الحيزين العام والخاص، تلجأ العاملات إلى البحث عن حيزها الخاص في الفضاء العام حيث تسعى للقاء رفيقات عند إفراغ أكياس القمامة أو عبر الحديث من الشرفات، أو عند مصاحبة الكلب في نزهته اليومية الإجبارية، أو استخدام عذر الذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد حيث أضحت الأخيرة فضاء خاص للعاملات يتعرفن على بعضهن ويتبادلن الهموم، وربما يبحثن عن شريك حياة.
لكن المؤلف يعرض أيضاً مختلف أساليب مقاومة العمالة المنزلية المهاجرة، فردياً وجماعياً، والتي حققت بعض النجاحات الثانوية هنا وهناك على طريق استعادتها حريتها وكرامتها المهدورة وإجبار المستخدِمَة على معاملتهن كبشر لهن حقوق مبدئية.
إذا كانت ظروف عمل العمالة المنزلية المهاجرة في لبنان بهذا السوء، فلا شك في أن معاناتهن في بقية دول المنطقة أضعافاً مضاعفة، وهو ما تلمح إليه الكاتبات، لكن انعدام أي حريات مدنية في دولة الشرق الأوسط، وفي دول الخليج الفارسي موضوعة البحث، لا تسمح بتقديم صورة متكاملة عن الأمور هناك.

  • يطلق الوكيل أو الكفيل على العاملة صفة واحدة هي السريلانكية

    يطلق الوكيل أو الكفيل على العاملة صفة واحدة هي السريلانكية (مروان طحطح)

0 تعليق

التعليقات