لم يكشف العرض العسكري الأخير في موسكو، في عيد الانتصار على النازية، الا عن جزءٍ من معدات الجيل الجديد التي ستجهز الجيش الروسي خلال السنوات المقبلة، وتخطو به نحو عقيدة عسكرية محدثة لمرحلة ما بعد الحرب الباردة.نظام "فيتياز" للدفاع الجوي (رمزه اس 350) هو أحد هذه العناصر التي قلما يغطيها الاعلام، ولكنها ستدخل في الترسانة الروسية، وتشكل حلقة رئيسية منها، خلال أقل من عام. "فيتياز"، باختصار، هو نظامٌ هدفه تغطية كل حاجات الدفاع الجوي للمدى المتوسّط، الذي يقع بين نطاق عمل نظام الـ "اس 500"، الذي صمّم لضرب أهداف على مسافة 300 و400 كيلومتر والتصدي للصواريخ البالستية، ونطاق عمل الأنظمة القصيرة المدى (10 كيلومتر وأقل).

يجب أن نتذكّر أن الأجيال المتعاقبة من الأنظمة الروسية الرئيسية (اس 300\اس 400\اس 500) ليست أسلحةً مختلفةً بالكامل، بل تطويرات متلاحقة لنظام اس 300 الشهير ضمن المبدأ العام نفسه: وحدة قتال تستبدل السام 5، قادرة على رصد واصابة الطائرات الحديثة من مدىً يفوق مدى ذخائرها؛ وهي في الوقت ذاته متحركة بالكامل، تقدر، بكل أجزائها، على التموضع واطلاق الصواريخ، ثم المسير مجدداً خلال دقائق.
الا أنّ تطوّر الرادارات ومدى الصواريخ في الأجيال المتقدمة طرح مشكلة، اذ انه من غير المناسب أن تستخدم صاروخاً ضخماً مداه 400 كيلومتر (كالذي سيجهّز اس 500) لاصطياد طائرة من دون طيار. مع الاس 400، تم تجريب فكرة المزج، أي أن تحتوي البطارية، في الآن نفسه، على صواريخ ثقيلة بعيدة المدى، وأخرى لا يتجاوز مداها الـ 120 كيلومتراً؛ الا أن الاتجاه مع اس 500 ينحو باتجاه التخصّص، أي أن يصيرالنظام، مع راداراته القوية، اليد الطولى للدفاع الجوي، وينحصر دوره في الدفاع ضد الصواريخ الهابطة من الفضاء والأهداف البعيدة جداً.
هنا يجيء دور "فيتياز"، وعربات الاطلاق فيه أشبه براجمات صواريخ منها الى منظومة دفاع جوي، فهو سيحمل عدداً كبيراً من الصواريخ الرشيقة بمدى 120 كيلومتراً؛ ويأخذ مهام اس 300 الأصلي، اضافة الى "بوك" وكامل تنويعة الأنظمة المتوسطة المدى في روسيا. كل عربة في نظام "فيتياز" تحمل 12 صاروخاً (أي بين 36 و48 صاروخاً للبطارية)، وهذا يعكس متطلبات الحرب المستقبلية.
في عالم اليوم، لا تتوقع طواقم الدفاع الجوي أن تواجه، ببساطة، سرباً عدواً يظهر على الرادار، أو صاروخ "هارم" أو "توماهوك" مفرد. فالحرب مع دولة متقدمة تعني أن يتمّ "اغراقك" بعددٍ هائل من الأهداف، بعضها وهمي يصنعه الرادار، وبعضها طائرات مسيّرة ترسل لاستنزاف صواريخ الخصم، اضافة الى كمية كبيرة من الذخائر والصواريخ (وقد تم تصغير حجم الذخائر الذكية في السنوات الأخيرة حتى تحملها الطائرات المغيرة بأعداد كبيرة).
"فيتياز"، القادر على مواجهة 16 هدفاً في آن، هو الاجابة على هذه التحديات. أصل النظام يعود الى مشروع تعاونٍ بين كوريا الجنوبية وروسيا، التي تثبت، مع صناعتها العسكرية الناهضة، أن المجال الذي تملك فيه امتيازاً تنافسياً على مستوى العالم هو السلاح وتقنياته. هذا ما يفهمه أيضاً حلفاء روسيا وزبائنها، من الصين الى الهند وايران، وهم يربطون علاقاتهم مع موسكو باتفاقات عسكرية وتكنولوجية. فهنا الكوة الوحيدة التي تخرق الاحتكار الغربي للسلاح.