الشيخ محمد شقير *
يبدو واضحاً من جميع المعطيات الماثلة أمامنا ان إيران حسمت خيارها في الاستمرار في مشروعها النووي على رغم الضغوط المختلفة التي تمارس عليها والتي تحاول ثنيها للعدول عنه.
وقد يكون أمراً مبرراً لإيران أن يكون لها خياراتها النووية في منطقة تعيش حالة من التوتر وعدم الاستقرار ومع وجود النظام الإسرائيلي الذي يملك ترسانة نووية لا يضمن عدم استخدامها أو في الحد الأدنى عدم توظيفها لإرهاب المنطقة وإخضاعها.
وإن المشكلة الأمنية لا تقتصر فقط على الخطر النووي الإسرائيلي بل تتعداه إلى السياسة الأميركية في المنطقة وامتلاك أميركا لترسانة ضخمة من السلاح النووي وغير النووي، إن كل ذلك يشعر العديد من دول المنطقة بخطر فعلي وحقيقي يتهددها، وخصوصاً أن الولايات المتحدة الأميركية سبق ان استخدمت هذا السلاح، وهددت مرات عديدة باستخدام هذا السلاح فضلاً عن تجربة تاريخية طويلة مع الاستعمار القديم والجديد تثبت أن هذه الدول لا تتورع عن فعل الكثير إذا ما كان يخدم مصالحها وأهدافها.
وبالتالي، ما نقوله انه في وضع كهذا سيكون مبرراً لإيران امتلاك السلاح النووي لممارسة فعل ردعي تجاه كل من أميركا وإسرائيل لمنعهما من استخدام القوة العسكرية في المواجهة القائمة حالياً، أي إن وجود هذا السلاح بيد إيران سوف يمنع هاتين القوتين، أميركا وإسرائيل، من القيام بأية مغامرة تؤدي الى تفجير المنطقة بأسرها، ولذا وجود السلاح النووي بيد مختلف الأطراف قد يسهم بشكل أو آخر في منع نقل المنطقة الى درجة الانفجار لأن حسابات المواجهة النووية لا بد من ان تكون حاضرة عندها في معطيات أي قرار يمكن أن يعتمده هذا الطرف أو ذاك، لكن كل ما تقدم لن يمنع الولايات المتحدة الأميركية من استخدام المعطى النووي الإيراني في سياسة الفوضى البناءة، فكيف يمكن أن يعمل الأميركيون في هذا المجال.
إن ما تريده أميركا هو تشتيت مواقع القوة على المستويين العربي والإسلامي حتى لا يبقى من قدرة على مواجهة الهيمنة الأميركية ولتبقى إسرائيل في منأى عن جميع خيارات المواجهة التي يعتمدها العديد من الحركات الوطنية والاسلامية، وقلة قليلة جداً من دول المنطقة.
واذا كانت مبادئ الوحدة الوطنية الاسلامية وقيمها تعمل على تعزيز موقف المواجهة وتصليب الساحة أمام المشروع الأميركي ــ الإسرائيلي، فسوف يكون من البديهي أن تعمل أميركا على تأجيج المشاعر والعصبيات الطائفية والمذهبية والعرقية لتضع المسلم أمام المسيحي والسني أمام الشيعي والعرب أمام الأكراد وهكذا، مما يسهم في ايجاد نزاعات مذهبية وعرقية في العديد من الدول العربية والاسلامية، وهذا يريح إسرائيل ويفتح الباب واسعاً أمام النفوذ الأميركي.
ولذا سوف يكون من البديهي أن تعمد أميركا إلى جعل الموقف العربي والخليجي تحديداً في مواجهة الخيار النووي الإيراني، وسوف تعمل على جعل المقاومة في لبنان في مواجهة أوضاع مذهبية غير مريحة تسهم في محصلتها في إضعاف قوى المواجهة والممانعة في المنطقة.
وهنا، هل من الصحيح أن يكون الموقف العربي في مواجهة المشروع النووي الإيراني أو سوف يكون من الأهيمة بمكان أن يستفيد الموقف العربي من الخيار النووي الإيراني على أكثر من مستوى وخصوصاً في ظل أوضاع عاصفة تمر بها المنطقة، ولذا سوف يكون من المنطقي أن يُسأل عما يمكن أن يترتب على الخيار النووي الإيراني في ما يرتبط بأزمة المنطقة وقضية الصراع مع إسرائيل.
أولاً: إن الخيار النووي الإيراني قد لا يردع إسرائيل عن الدخول في أية مغامرة عسكرية مع إيران فحسب وإنما أيضاً مع أية دولة عربية سواء كانت من دول المواجهة أو غيرها، إذا ما عمد إلى حسن الاستفادة من القدرات النووية الإيرانية.
ثانياً: إنه يضعف التفوق الاستراتيجي الإسرائيلي على المستوى العسكري، واذا كانت إسرائيل تعتمد على هذا التفوق الاستراتيجي لتأكيد دورها وهيمنتها... فإن هذا الضعف على المستوى العسكري لا بد من أنه سيمس عصب القوة الإسرائيلي وسوف يؤدي الى تراجع النفوذ الإسرائيلي على مستوى المنطقة.
ثالثاً: إن هذا الخيار النووي سوف يقوي ويدعم الموقف الفلسطيني والعربي أمام إسرائيل مما يسهم في استرجاع الحقوق العربية وتوفير فرصة أكبر لحل العديد من المشاكل المستعصية والحصول على جميع الحقوق باعتبار أن الحق هنا لم يعد يفتقد إلى سند استراتيجي عسكري يستطيع ان يحميه.
إن إيران نووية هي أفضل للعرب في مواجهة إسرائيل من إيران غير نووية وإذا كانت قضية الصراع مع إسرائيل تعني العديد من الدول العربية ذات العلاقة فإن وجود دولة إسلامية نووية الى جانبها تعلن العداء لإسرائيل وتدعم بقوة القضية الفلسطينية، لا شك في أنه سوف يكون في مصلحة القضية الفلسطينية ولمصلحة الموقف العربي والاسلامي في معادلات الصراع مع إسرائيل.لن يكون من الصحيح أن تكون بعض الدول العربية في مواجهة إيران النووية بل الصحيح أن تكون هذه الدول الى جنب إيران في مواجهة إسرائيل النووية ولن يكون كافياً المناداة بخلو منطقة الشرق الأوسط فقط من أسلحة الدمار الشامل لأن في الأمر إغفال للترسانات النووية الموجودة لدى العديد من الدول الغربية وعلى رأسها أميركا وطبيعة توظيفاتها الاقليمية في ممارسة الهيمنة على المنطقة وتأكيد نفوذها وفرض مصالحها، وإن قضية الخيارات النووية في المنطقة ترتبط بشكل كبير بالقضية الفلسطينية والصراع العربي ــ الإسرائيلي، وبالتالي فإن الموضوع يتجاوز مقايضة سلاح بسلاح.
* أستاذ جامعي