العدوان السعودي الأميركي على اليمن فشل في تحقيق أهدافه، وحكام آل سعود دخلوا في مأزق عدوانهم، وهم يكابرون ويوغلون في حربهم الإجرامية ضد اليمنيين، وينتقمون منهم، ويدمرون البنى التحتية، في محاولة يائسة لإخضاع الشعب العربي اليمني، ودفعه إلى التخلي عن دعم ثورته الوطنية التحررية.هذه النتيجة التي يمكن استخلاصها بعد دخول العدوان شهره الثاني، وبعد المناورة المكشوفة والمفضوحة لحكام السعودية بإعلان وقف «عاصفة الحزم» بالشكل ومواصلتها بالفعل تحت اسم جديد هو «عملية إعادة الأمل». ومن خلال قراءة متأنية للنتائج الأولية المتمخضة عن العدوان، مقارنة بالأهداف التي أعلنتها الرياض، يمكن تسجيل سلسلة من عناوين الفشل التي تؤكد انقلاب السحر على الساحر، وتحول العدوان إلى مأزق وكابوس جعل حكام آل سعود يستشرسون في حربهم الوحشية ضد اليمنيين من دون أفق.

العنوان الأول: الإخفاق في القضاء على أنصار الله والجيش اليمني، فضلاً عن الفشل في إيقاف تقدمهم المتواصل في المحافظات الجنوبية، في المقابل نجح العدوان في ارتكاب المجازر ضد المدنيين، وفي تدمير البنى التحتية المدنية من جسور، ومطارات، وموانئ، ومستشفيات، ومدارس، ومصانع...
العنوان الثاني: الفشل في دفع الشعب العربي اليمني للوقوف إلى جانب القوى الموالية للسعودية وعزل قوى الثورة بقيادة أنصار الله، وتجسد هذا الفشل في ازدياد التأييد الشعبي للثورة والعداء للنظام السعودي، والذي تم التعبير عنه في التظاهرات الشعبية الحاشدة في المحافظات اليمنية تنديداً بالعدوان وتأييداً للثورة وإصراراً على التحرر من التبعية، والهيمنة الأميركية السعودية التي رزح اليمن تحت وطأتها لعقود طويلة، ما أدى إلى إفقار شعبه وسلبه حريته واستقلاله.
إخفاق في دفع أنصار
الله وحلفائهم إلى التراجع عن رفضهم الشروط السعودية للحوار

العنوان الثالث: الفشل في إعادة الرئيس المستقيل من منفاه في الرياض، والتابع للنظام السعودي، عبد ربه منصور هادي، إلى عدن، لعدم القدرة على تأمين ملاذ آمن له يستطيع الإقامة فيه وتولي قيادة الثورة المضادة من داخل اليمن، بدعم سعودي، بواسطة القصف الجوي والبحري والبري، وعبر تزويد مناصريه بالسلاح والمال.
العنوان الرابع: تفكك حلف العدوان بعد إعلان باكستان رفض المشاركة في الحرب وتفضيل تركيا خيار الحل السياسي، وتردد مصر في إرسال قوات للمشاركة في الحرب البرية، بعد أن استنفذ القصف الجوي بنك أهدافه، ولم يتمكن من تحقيق أي من الأهداف العسكرية والسياسية المذكورة آنفاً.
وقد أدى هذا التفكك إلى إرباك حكام السعودية ودخولهم في مأزق فعلي لا يعرفون كيف سيخرجون منه.
العنوان الخامس: الإخفاق في دفع أنصار الله وحلفائهم للتراجع عن رفضهم الشروط السعودية للحوار، وتمسكهم بالعودة للحوار من حيث انتهى إليه في صعناء، ما يعني أن العدوان لم يتمكن من اخضاع قوى الثورة للاملاءات السعودية.
العنوان السادس: في مقابل تماسك قوى الثورة والتفاف غالبية اليمنيين حولها، سادت حالة الارتباك والإحباط في الداخل السعودي، وظهرت التناقضات داخل الأسرة الحاكمة على خلفية الفشل وتوريط السعودية في حرب تحولت إلى مأزق قد تقضي على مستقبل الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع وابن الملك السعودي، في الحكم.
وهو ما جعله موضع انتقاد باعتباره شاباً عديم الخبرة والأهلية، وقد عبر سايمون هندرسون الباحث في «معهد واشنطن» عن هذا الواقع في داخل السعودية، مشيراً إلى أنه في معظم البلدان الأخرى «فإن القائد العسكري، أو وزير الدفاع الذي لا يحقق نتيجة واضحة يصبح ضحية سياسية، وإذا لم يحدث ذلك في المملكة العربية السعودية فقد يجد الملك سلمان نفسه تحت ضغط من كبار الأمراء نحو إحداث تغيير أكثر جوهرية». ويبدو أن التغييرات التي أحدثها الملك سلمان في السلطة، والتي أطاحت بولي العهد مقرن قد جاءت على خلفية الموقف من الحرب، وفي محاولة لإحكام قبضته على الحكم وحسم مسألة ولاية العهد لابنه محمد وابن أخيه محمد بن نايف رجل أميركا.
انطلاقاً مما تقدم، ونتيجة تزايد الضغط الدولي وخصوصاً من حلفاء السعودية، لوقف الحرب والتجاوب مع المبادرات التي تطرح لدعم الحوار بين الأطراف اليمنية في عُمان، اضطرت الرياض مرغمة إلى إعلان وقف الحرب بالشكل الذي تمت صياغته، وحاولت فيه التذاكي، وهي من جهة لا تريد وقف الحرب لأنها لم تحقق أيّ هدف من أهدافها، وإذا تم وقفها ستكون بمثابة هزيمة مدوية لها، ومن جهة ثانية لا تستطيع تجاهل الضغط الدولي وعدم توافر شروط الدخول في عملية برية بعد تفكك حلف العدوان، وهي بحاجة إلى تنفيس الاحتقان والغضب اليمني، ودفع أنصار الله إلى تمديد إنذارهم والالتفاف على الانتقادات الدولية، ولهذا كان القرار السعودي إعلاناً شكلياً بوقف عاصفة الحزم، والاستمرار بها بالفعل لكن تحت اسم جديد.
لكن ما هي آفاق عملية «إعادة الأمل»؟ هل تنجح في ما فشلت فيه «عاصفة الحزم»، أم ستلاقي المصير نفسه من الفشل، لكن المضاعف؟
الواضح أن ليس أمام حكام السعودية سوى واحد من خيارين:
الخيار الأول: أن يستمروا في غيهم وعدوانهم وإصرارهم على مواصلة الحرب الوحشية وحصار اليمن ما سيدفع قوى الثورة إلى الرد على العدوان، وبالتالي احتمال توسع الحرب ودخول السعودية حرباً برية بعدما عقدت اتفاقاً مع السنغال حصلت بموجبه على موافقة الأخيرة على إرسال قوات سنغالية للمشاركة في الحرب البرية، لكن مثل هذا السيناريو ستكون له مضاعفات سلبية كبيرة على السعودية، لأنه سيقود إلى غرق أكثر في رمال اليمن، فمن ناحية فاتورة الحرب سوف تكبر إن كان على مستوى الكلفة المادية، أو على مستوى الخسائر البشرية، لان القوات الغازية لليمن ستواجه مقاومة يمنية قوية قادرة على استنزاف هذه القوات، ومن ناحية ثانية سوف تكون المنشآت والقواعد العسكرية داخل السعودية عرضة للقصف الصاروخي من قبل أنصار الله.
ومثل هذه المضاعفات والتداعيات المحتملة للتورط في حرب برية، سوف تفاقم مأزق النظام السعودي، وتسعّر التناقضات داخل الأسرة الحاكمة وتثير ردود فعل شعبية مستنكرة للحرب، لا سيما أن القبائل اليمنية لها فروع في السعودية خصوصاً في محافظات نجران وجيزان وعسير القريبة من الحدود، وهي بالأصل مناطق يمنية تم سلخها وضمها للسعودية أيام الحكم الملكي في اليمن.
الخيار الثاني: أن تتردد السعودية في دخول حرب برية، خوفاً من مضاعفاتها وتداعياتها المذكورة آنفاً، وأن تضطر إلى وقف عملية «إعادة الأمل» للاسباب نفسها التي دفعتها إلى القبول مكرهة بوقف «عاصفة الحزم»، وبالتالي الاستجابة للمبادرات التي تجرى صياغتها من قبل روسيا وإيران، وتحظى بتأييد أميركا والكثير من الدول المعنية بما يجري، ولا سيما باكستان، ومصر، وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي. وكان لافتاً في هذا السياق تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي تحدث فيه عن «أن مستقبل اليمن يجب ان يقرره اليمنيون وليس الأطراف الخارجية». وقال: «نحث الجميع على القيام بدورهم في محاولة للحد من العنف والسماح للمفاوضات أن تبدأ في اليمن». فمثل هذا الكلام لرئيس الدبلوماسية الأميركية ليس صحوة ضمير أو الاقلاع عن سياسات التدخل في شؤون الدول، وإنما يؤشر إلى أمرين مهمين:
الأول: أن أميركا قلقة من استمرار الحرب واتساع رقعتها، وبالتالي خطر تأثيرها في الملاحة الدولية في باب المندب الذي تعبر منه 40% من حاجات العالم من النفط.
الثاني: الاتعاظ من خطأ وقوف أميركا ضد الثورة الإسلامية الإيرانية التي أسقطت الشاه، وبالتالي الحذر من اتخاذ موقف علني معادي لثورة الشعب العربي اليمني، مع حرصها على تقديم المساعدة الاستخبارية والمعلوماتية لحليفها السعودي، حتى لا تخسره وتكون لها القدرة على احتوائه ودفعه لوقف الحرب التي لن يخرج منها رابحاً، ولتفادي خطر توسع الحرب وتداعياتها على الاتفاق الأميركي مع إيران الذي بوشر بصياغته ليكون جاهزاً في 30 حزيران، والبدء بتنفيذه، والذي ستكون له تداعيات على المستويين الدولي والإقليمي.
* كاتب لبناني