منير شفيق*
لنسأل، في البدء، ما هي السياسات الأميركية إزاء الدول العربية المشرقية وإيران في المرحلة الراهنة، وعلى التحديد، بعد ومع الفشل العسكري والسياسي للعدوان الإسرائيلي (الأميركي) على لبنان: طبعاً كانت الإجابة ستختلف لو نجح، لا سمح الله، العدوان عسكرياً، لا من حيث الأهداف، وإنما من جهة الأداء ولغة الخطاب، إذ ما كان وجه كوندوليزا رايس بهذا الاحتقان، ولكانت قبضتها تضرب على الطاولة.
أما القصد من السؤال فهو تحديد هدف زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس لكل من السعودية ومصر وفلسطين، وما استهدفته من لقائها الشكلي أو المعنوي، بوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ووزيري خارجية مصر والأردن.
قبل أن تبدأ زيارتها صدرت عدة تصريحات رسمية أميركية تضغط على الأوروبيين للتعجيل في بتّ المفاوضات مع إيران. فإدارة بوش على عجل لاستصدار قرار عقوبات في حق إيران، ولتأكيد إلزامها بوقف التخصيب النووي، ولو للأغراض السلمية، تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة النووية ومراقبتها المشدّدة. فامتلاك القدرة على التخصيب حتى في حدود 5% ممنوع على إيران منعاً باتاً.
أما الاستعجال في العقوبات من خلال مجلس الأمن فليس مقصوداً لذاته، وإنما هو الخطوة الضرورية لشن حرب العدوان وتغطيتها، كما حدث بالنسبة إلى العراق في 2003.
من هنا يمكن القول ان الهدف الرقم 1 من زيارة كوندوليزا رايس هو التحشيد العربي ضد إيران تمهيداً للحرب. وهذا التحشيد هو ما أُريد أن يوحيه اللقاء بوزراء الخارجية الثمانية في القاهرة في 3/10/2006. وقد يُستخدم للضغط على الأوروبيين بإشعارهم ان الموقف العربي إلى جانبها. ولهذا لم يكن عجيباً ألا يتعدّى مجرد «تبادل» وجهات النظر حول موضوعات تتعلق بلبنان وفلسطين والعراق والسودان وإيران. وبالتأكيد إن الكلام الجدي الذي حملته رايس لا يُقال في اجتماعات واسعة «محضورة»، أو قابلة للتسرّب، وإنما مكانه المحادثات الثنائية، وعلى أعلى مستوى. ويقيناً، أيضاً، لم تكن زيارة كوندوليزا رايس لتبادل وجهات النظر. فإدارة بوش تحضّر للحرب على إيران ما لم تتوقف عن التخصيب، وتحت كل الشروط المفروضة للتأكد من ذلك. ومن ثم تلحق سلسلة المطالب الأميركية الإضافية من إيران. فليس هناك تراجع واحد أمام الضغط الأميركي يقف عند حدوده، تماماً كما هي الحال مع التراجعات لإسرائيل.
في زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أكد الأخير له ان حكومة وحدة وطنية فلسطينية لن تكون مقبولة، أو ترفع الحصار المالي، ما لم تعترف بإسرائيل، وبنبذ العنف، وبخريطة الطريق (شروط الرباعية). وصرّح محمود عباس لاحقاً ان من البدهي لأية حكومة فلسطينية أن تعترف بإسرائيل. ومن ثمّ لن يكون في جعبة كوندوليزا رايس في محادثاتها العربية الثنائية غير الطلب أن يُضغط في هذا الاتجاه. ثم دعك من التفاصيل مثل كيف تُطاح حكومة حماس، أو ما يمكن أن يحدث في الشارع، كما شهدنا يوم «الأحد الأسود» في 1/10/2006، فكوندوليزا رايس تعتبرها من «الفوضى الخلاقة»، أو «مخاض ولادة» إن حملت تدميراً ودماءً.
أما في موضوع لبنان، فالمطلوب تغيير بوصلة «قوات اليونيفيل» وإدخال لبنان في الفوضى الخلاقة كذلك. فإدارة بوش لا تستطيع أن تبتلع ما حدث من هزيمة للجيش الإسرائيلي، ولا أن تصبح أوروبا (فرنسا) اللاعب الأول في اليونيفيل، وأن يترك الأمر لتفاهم لبناني ـ لبناني حول معادلة ما بعد حرب العدوان. ومن ثم لا تحمل رايس في جعبتها غير المطالبة بممارسة ضغط عربي في هذا الاتجاه. وكذلك يدخل ضمن هذا الإطار حصار سوريا وعزلها ودعم الموقف الأميركي في العراق.
أما كيف ستستجيب الأطراف العربية فمسألة تحتاج إلى مراقبة مدقّقة خلال الأيام والأسابيع المقبلة. وهنا سوف تسهم، في إلقاء الضوء عليها، سياسات الأطراف المحسوبة على هذه الدولة، أو تلك، في ميادين الصراع المحلي. والمؤشرات الأولية غير سارة ابتداء من قطاع غزة والضفة الغربية، كما التأزيم السياسي إلى حد القطيعة.
وبالمناسبة، في كل لقاء مصري أو سعودي بأميركا تخرج الحكومتان بأثقال لا تقويان على حملها. وذلك ما دامت تلبية الأجندة الإسرائيلية هي محور السياسات الأميركية، من دارفور إلى النووي الإيراني مروراً، أساساً، بفلسطين ولبنان.
بيد ان هذه القفزة في الهواء من قبل إدارة بوش هروباً من ابتلاع فشل الجيش الإسرائيلي أمام المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، وهو فشل أميركي بامتياز، لن توقف مسلسل الإخفاقات للسياسات الأميركية المتراكمة من أفغانستان إلى العراق إلى لبنان وفلسطين وسوريا، وأخيراً الفشل في دارفور. فأميركا الآن في أضعف حالاتها وأشدّها إرباكاً إلاّ في أعين بعض الدول العربية وبعض النخب ممن يتعلّقون بحبال الهواء. وقد زادت طينتها بِلّة مع إعلان كوريا الشمالية إجراء تجربة نووية، ومع اندلاع الأزمة الروسية ـ الجورجية، ومع التخريب على أوروبا في معالجتها للموضوع النووي الإيراني، أو موضوع اليونيفيل في لبنان. ثم مع أزمة الداخل الأميركي المتعدّدة الأوجه وقد تصاعدت مع فضائح أخلاقية وتواتر معلومات جديدة عن الحرب في العراق والوضع الراهن فيه.
وهكذا لم يبق أمام إدارة بوش للسقوط غير تجربة الحرب على إيران وستكون بالقطع خاسرة فيها حتى لو استخدمت أسلوب التدمير النووي أو ما يشبهه. فهذا الأسلوب نجح في اليابان بعدما كانت قد خسرت الحرب وراحت تستعد للاستسلام. ولكنه لن يجدي نفعاً في إيران مع الصمود والعناد والغضب العالمي. طبعاً لا أحد يحب أن يحدث ذلك.
*كاتب فلسطيني