ان ثبتت رواية الصحافي الأميركي المخضرم سيمور هيرش (الذي كشف، في شبابه، الستار عن مجزرة «مي لاي» في فييتنام، وكان من بين الصحافيين الذين أثاروا فضيحة "ووتر غايت" التي أسقطت نيكسون) عن مقتل اسامة بن لادن، وأنّ «الغارة» على مقرّه عام 2011 لم تكن الّا عملية اغتيال بالتنسيق مع المخابرات الباكستانية ــــ التي كان بن لادن سجيناً لديها منذ عام 2006 ــــ فإن التأثير الوحيد لهذا الكشف قد ينحصر في العلاقة بين «طالبان» والمخابرات الباكستانية، التي بذلت، بحسب هيرش، جهوداً كبيرة لكي تخفي عن التنظيم واقعة أنّها قد سلّمت بن لادن للأميركيين حتى يقتلوه.
عدا عن ذلك، فإنّ الحقيقة لم تعد تهمّ الّا المؤرخين: اوباما استثمر اغتيال بن لادن للفوز بولاية رئاسية ثانية وانقضى الأمر، الجمهور الأميركي حصل، مع قتل بن لادن، على ما يبتغيه ولا تهمّه الكيفية، وهو قد قبل بالرواية السينمائية عن «المطاردة» و«الغارة الشجاعة»، ولن يستثيره حس الفضيحة على أي حال ان اكتشف أن الرئيس الذي تقترب ولايته من الانتهاء كان قد كذب عليه منذ سنوات (شعار السياسة الأميركية أصبح أنّه يكفيك بالفعل، لأغراض النظام الانتخابي، أن تخدع كل الناس لبعض الوقت).
كان هيرش قد أعلن، منذ عام 2013، أن رواية البيت الأبيض عن غارة "آبوت آباد" ما هي الا كذبة كبيرة، وأنّه سيروي القصة الحقيقية لاغتيال بن لادن في كتابٍ قادمٍ له عن السياسة الخارجية لأميركا. الا أن الكاتب الأميركي قرّر نشر تحقيقاته ــــ ربما تحضيراً لاطلاق الكتاب ــــ في العدد الأخير من مجلة «لندن ريفيو اوف بوكس».
انطلق تشكيك هيرش بالرواية الرسمية من عناصر كان يجب أن تلفت انتباه كلّ من دقّق في الاغتيال: لماذا يقرر بن لادن أن "يختبىء" في بلدة اصطياف تقع على بعد ساعة بالسيارة من اسلام آباد، ومحاطة بقطع الجيش الباكستاني؟ كيف لا يُقتل مع زعيم القاعدة الا ثلاثة رجال، واين حراسته ومساعدوه؟ لماذا أصدر البيت الأبيض، بالتتابع، روايات مختلفة عن العملية، وتناقضت روايات الجنود الذين شاركوا فيها الى حد تكذيب بعضهم البعض؟
رواية هيرش تقول إن بن لادن وزوجاته وأولاده كانوا تحت الاقامة الجبرية في مقرّ آبوت آباد، في عهدة المخابرات الباكستانية، منذ اعتقالهم عام 2006 في جبال الـ "هندوكوش" حيث كانوا يختبئون. وقد تمّ الاتفاق على اغتيال زعيم "القاعدة" حين اكتشفت المخابرات الأميركية أمره، وقبلت الباكستان بأن لا تعترض دفاعاتها الجوية المروحيات الأميركية، وأن تسحب الحراس من المقر قبل الغارة بساعات، على شرط أن يقتل الأميركيون طريدتهم، ولا يعتقلوه أو يأسروه. بن لادن، بحسب المصادر، كان في حالة متقدمة من المرض، وكان رجلاً مقعداً حين دخل عليه جنود وحدة النخبة في البحرية الأميركية وأمطروه بالرصاص.
هذه النهاية قد تكون منطقية لزعيم منظمة تأسست في أروقة أجهزة المخابرات ذاتها التي شاركت، بعد عقودٍ، في قتله. ولكن كشف الرواية عن مقتل بن لادن لن يؤثّر في الأحداث، قبل كلّ شيء، لأنّ "قاعدة بن لادن" قد اندثرت فعلياً منذ سنوات، مع صعود "قاعدة الزرقاوي" التي تخفي أسراراً أعمق وأكثر كلحةً، لن نعرف أكثرها قبل سنوات، حين لا يعود للحقيقة من تأثير.