منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، حين ابتدأت الأنظمة الملكية العربية الموالية للغرب بالاهتزاز والسقوط لصالح جمهوريات وأنظمة ثورية، دخلت المملكة السعودية بقوّة وشراسة في ميدان الصراع الاقليمي.اعتقد الكثير من المحللين يومها أنّ النظام السعودي لن يلبث وينضمّ الى ركب الأنظمة المحافظة التي تهاوت، في مصر والعراق واليمن، فهي ملكيات شخصانية، مؤسساتها متخلفة، بعيدة عن روح العصر، وغير قادرة على تقديم حلول وخطط لشعوبها وشعوب المنطقة تستجيب لتحدياتهم وحاجاتهم.
غير أنّ هذا الخواء الايديولوجي، تحديداً، لعلّه كان أبرز نقاط القوة لدى النظام السعودي، ومن أهم أسباب بقائه واستمراره ونجاحه في استنزاف أعدائه. فهم آل سعود، منذ البداية، أنّ الناس والجماهير لن تتبعهم لميزةٍ ما فيهم، أو بسبب فكرهم وخطابهم وسلوكياتهم وحلفهم مع المستعمرين. كانت استراتيجية السعوديين الدائمة، منذ التحدي الناصري، تتلخّص في صرف الأنظار عن سياساتهم ومصالحهم وارادتهم، وتحويل النزاع الى «فالق هوية»، يقسم الناس بحسب أصولهم واعتقادهم، ويلعب على مخاوفهم وكراهيتهم، وأسوأ ما فيهم عموماً.
من هذا المنطلق قامت السعودية بإحياء التيار الاسلامي ودعمه، بما في ذلك انشاء «منظمة التعاون الاسلامي» عام 1969، واستضافة المعارضات الاسلامية، والتركيز على «الهوية الاسلامية» ومكافحة الشيوعية والالحاد والتغريب. لم تكن هذه الجهود محاولةً لطرح مشروعٍ بديل، له مرتكزات وأهداف ومستقبل؛ بل مجرّد وسيلة لمجابهة عبد الناصر «العلماني» بحشودٍ دينية تكفّره.
لم يقدّم السعوديون للعرب طريقاً آخر الى فلسطين، ولا خطة للتنمية، ولا مشروعاً يضمّهم، بل جنّد نخبهم بالمال وخلق ــــ عبر التديّن السعودي ــــ مجموعات مقاتلة، تكفيرية ومتخلفة، لم تخض يوماً صراعاً تحررياً أو في وجه احتلال وطغيان، بل تمّ استثمارها (ضمن منظومة المخابرات الأميركية) ضد الاتحاد السوفياتي في افغانستان، ثم ضد الدولة والمجتمع في الجزائر، ونرى اليوم فلولهم في بلادنا (بجناحيهم، الموالي للحكم السعودي والخارج عليه) وهم يخوضون حربهم ضد «النصيرية والروافض» وينظّرون لإبادة نصف المجتمع.
لعبة الموت هذه تصل الى فصولها الأخيرة، فمن يصنع حوله أعاصير من الكراهية والعنصرية والهويات المتقاتلة لا يمكن له أن يفترض انها لن تطاله. حتى الصحافة الأميركية اليمينية، التي يهمها بقاء آل سعود، صارت تحذّرهم من زيادة منسوب الطائفية والبارانويا بين جمهورهم. مجلّة «فورين بوليسي» نشرت قصّة عن الخطاب الديني الإبادي الذي ترعاه الحكومة السعودية، ويبدو أنّهم قد اكتشفوا هذه الظاهرة حديثاً (وهم لم يشاهدوا الحلقة الأخيرة من برنامج فيصل القاسم، التي ستدخل التاريخ بلا شك، لا من جهة التحريض المكشوف على القتل الجماعي فحسب، بل لتواطؤ «النخب» العربية وصمتها على أحطّ وأخطر خطاب يمكن أن يصدر في مجتمع بشري).
نبّهت المجلة الأميركية الى أن السعوديين «يصنعون وحشاً ايديولوجيا سيهدد بقاءهم». ولكن، بينما النخب التابعة للخليج تحتفل بقتل اليمنيين، متوهّمة انها تواجه «ايران»، وكبيرهم في الرياض يهدد باحراق صعدة، نجد أمامنا صورة واضحة لـ «الايديولوجيا السعودية» ولثمن بقائها طوال العقود الماضية.
4 تعليق
التعليقات
-
بكلمات قليلة ومعبرة تستطيع انبكلمات قليلة ومعبرة تستطيع ان تصل الى عقول وقلوب قرائك فأنا من متابعيك باستمرار على جريدة الاخبار وصديقك على الفيسبوك
-
تواطؤ النخبليس جديد على النخب أن تتواطأ. أليس هم الأقدر على تبرير الخيانة؟ أليس هم الأقدر على تبرير تدمير بلدان بحجة التحرير من "طاغية"؟ أليس هم الأقدر على تبرير الإبادات الجماعية بحجة "سيرورة الثورة؟ فكيف يُحسن الظن بما يساوي المقاوم بالقاتل؟ النخب و المثقفون عموماً لهم أصنامهم و آلهتهم، فمن يقدر على نقد إدوارد سعيد مثلاً؟ ألا تستخدم النخب المثقفة جبروتها الثقافي لكم الأفواه؟ و أنا لا أتكلم عن كتبة آل سعود و آل ثاني المعروفين.
-
صمودفي أوءل القرن الحالي لم يتوقع اي سياسي او متابع الوضع في اليمن بقيام حركة سياسية ذات طابع مذهبي ان تطالب بحقوق المواطنة ومساءلة المسؤليين . ان اتفقت او لم تتفق مع حركة أنصار اللة فلا بد من الاعتراف بوضوح مطالبهم الوطنية و السعي لاستقلالية القرار الوطني بعيدا عن اي تسلط من الجانب السعودي. لقد وجد النظام السعدي بان الأطراف اليمنية على وشك اتفاق تاريخي يمنح المواطن اليمن نظام عصري و حضاري ، و مما ازعج النظام السعودي بان الاتفاقية تمنح المراءة بنسبة ٣٠٪ من المجلس التشريعي بالاضافة لنسبة وازنة للشباب الثوري . عندها جن جنون ال سعود وقرورا تدمير اليمن. فكيف يمكن السماح لليمني المتخلف الفقير نظام عصري حضاري ، بينما أفراد الشعب السعودي لا يزال يحمل بطاقة رسمية بأنة تابع لآل سعود و ليس بمواطن!!! الجميع يعلم بان النفوذ الإيراني في اليمن هو معنوي و تراثي و ليس كما تدعي السعودية . الجمهورية الإيرانية لها أولوياتها و اكثر ما تستطيع ان تفعلة قد فعلتة ، و لذلك على الشعب اليمني ان يدرك ان هذة الحرب هي مصيرية ، لا يمكن الاعتماد على اي عون خارجي و عليهم الصبر و المثابرة في مقاومة هذا العدوان ، العدوان سوف يستمر لأشهر لان الواقع يدل على لا احد في هذا العالم يبالي على ماساة الشعب اليمني ولذلك علي الشعب اليمني ان يتيقن بان حريتة من ال سعود و الفكر التكفيري لن تنال الا بعزيمة الشعب اليمني وان النصر لقريب
-
الصمودصمت الشارع العربي تجاه ما يحدث في اليمن ليس بالمستغرب، فهناك جزء مهم من هذا الشارع قرر لسبب ما ان لا يكترث اما لكثرة ماسي الأمة العربية و عدم القدرة على تغيير الواقع او لأنة يؤمن بأحقية العدوان وان الحوثيين جماعة خارجة على القانون او انها تابعة للفرس (المجوس ) فيجب معاقبتهم !! حسب احصاءيات الامم المتحدة أغلبية القتلى هم من المدنيين العزل من السلاح ، و لقد تم تدمير معظم البني التحتية في جميع عموم اليمن. و اليوم قام العدوان الخليجي بضرب جامع الامام يحي بن الحسين مؤسس المذهب الهدوي في اليمن ، وذلك لتأكيد حقد و كراهية الخليجيون لكل التراث اليمني. فمن دعم من دمر تراث البشرية في العراق ، ودمر حلب و بقية مدن سوريا كشف عن كراهية للإنسان و التاريخ ، و قام بالتدمير علانية بكل فجور عند فشل الوكيل في اليمن بالقيام بذلك. لقد أذنت الادارة الامريكية بالضو الأخضر باستمرار العدوان الغاشم على صعدة حتى يوم الثلاثاء القادم!!! بذريعة ان الحوثيين يحتاجوا عدة ايام لتبليغ أنصارهم بوقف إطلاق النار . هل وصل استخفاف عقول البشر الى هذة الدرجة ، من يصدق تصريحي وزراء خارجية السعودية والأمريكية ؟ مشكلة اليمن ان قيادة الدولة كانت داءما مرتهنة لآل سعود و تعود الاعلام و الناس بان اليمن تابع و لهم الحق بالتصرف، وأصبح هناك نوع من قبول لدي الري الولي بان أفضل وضع ان يضل اليمن مشكلة سعودية داخلية.