في أواسط وأواخر الثمانينيات، واثر سلسلة من التطويرات التكنولوجية التي طرأت على صناعة المحركات، أدخلت المنظمة الدولية للطيران المدني تعديلاً في اللوائح التي تتحكّم بعمل الطائرات ذات المحرّكين (ETOPS) غيّر وجه صناعة الطيران في العالم.
قبل ظهور محرّكات التوربين المروحي الحديثة (ذات الفعالية العالية)، كانت التنظيمات واللوائح تمنع الطائرات ذات المحركين من أخذ مسارات تبتعد أكثر من ساعة طيران عن مطارات يمكن الهبوط فيها اضطرارياً في حال فشل أحد المحركات. هذه القاعدة التي تبتغي الأمان قامت عملياً بحصر الرحلات البعيدة المدى والتي تعبر فوق المحيطات في عددٍ قليلٍ من الطائرات الرباعية المحركات، أهمها وأشهرها الطائرة العملاقة، بوينغ-747، التي عُرفت بالـ»جامبو».
ولكن القوانين الجديدة أفسحت المجال لجيلٍ جديدٍ من الطائرات (تحديداً البوينغ-777 والايرباص ــــ 330) لتسود الأجواء والرحلات العابرة للقارات. هذه الطائرات كانت مجهّزة بمحركين حديثين، يعطيانها مدى طيران يقترب من مدى الـ «جامبو»، اضافة الى فعالية وتوفير في الوقود لا يمكن أن تنافسها الطائرات ذات المحركات الأربعة (أو الطائرات الثلاثية المحركات، التي تمّ انتاجها تحديداً لتجاوز قوانين الـ ETOPS وتسيير الرحلات العابرة للمحيطات، فاندثرت مع تغيّر القوانين).
هذه الظروف لم تمنع شركة «ايرباص» من تصميم طائرة «جامبو» خاصة بها، الايرباص 380، لتنافس عملاق البوينغ في فئة النفاثات الضخمة. اليوم، يقول أحد مسؤولي شركة ايرباص بمرارة إن الطائرة، التي دخلت الخدمة عام 2007، كان يجب أن يتأخّر انتاجها عشر سنوات. فهي لم تبع الى اليوم أكثر من 300 نسخة، نصفها لشركة واحدة هي طيران الامارات (للمقارنة، نالت البوينغ ـــــ 777 «القديمة» أكثر من 250 طلباً السنة الماضية وحدها)؛ وتعترف الشركة بأن النفاثة الضخمة لم تصل الى مرحلة الربحية بعد ــــ أي أن الشركة تخسر مالاً مع كل طائرة تنتجها ــــ ناهيك عن استعادة كلفة الأبحاث والتطوير.
عام 2014، لم يتم تسجيل طلب واحد لأي من طائرتي الـ «جامبو»، وهو ما اعتبره العديد من المحللين نذيراً لنهاية عصر الطائرات الضخمة ذات الطبقتين، وتحولها الى فئة تخصصية، صغيرة، في اسطول الطيران المدني الدولي. بوينغ ركّزت، من دون نجاح، على تسويق النسخة الجديدة من الـ 747 كطائرة شحن، فيما يقول تقريرٌ لـ «رويترز» أن الصانعَين، الأميركي والأوروبي، يعرضان حسومات تصل الى 50 في المئة من سعر الطائرتين الرسمي، أملاً بتسويقهما.
المستقبل لا يبشّر بالخير، فالجيل القادم من الطائرات (ايرباص 350 وبوينغ 787) يتكوّن من نفاثات بمحرّكين، صغيرة نسبياً، ولكنها ذات مدىً فائق، ما يسمح بفتح مسارات جوية بين مدن صغيرة ومتباعدة، لم تكن اقتصادية في السابق. سيصبح من المجدي، مثلاً، فتح خطٍّ مباشر بين تشيناي في الهند ومانشستر في بريطانيا، بدلاً من الاقتصار على الخطوط الكثيفة، المزدحمة، بين العواصم، وهي الميدان الأساسي للـ «جامبو».
بوينغ قررت تخفيض وتيرة خط انتاج الـ «جامبو» خاصتها – من 1.5 طائرة شهرياً الى 1.3 – فيما ايرباص تدّعي التفاؤل؛ ولكن، في غياب قفزات تكنولوجية جديدة، يبدو أن تلك الطائرات الضخمة، المهيبة، التي طبعت صناعة الطيران في العقود الماضية، قد تكون في طريقها الى الاختفاء.