كلنا سمعنا عن وباء الإيبولا والأخطار الجسيمة التي سيلحقها بسكان غربي أفريقيا، مع رجحان أنه سينتقل إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية ليصيب الملايين هناك، والكلام يعود إلى رئيس منظمة الصحة العالمية إيَن سْمِث الذي جزم بأنه أخطر حالة صحية تواجهنا في العصور الحالية، متجاهلاً حقيقة أن وباء الزكام الإسباني الذي اندلع عالمياً بين عامي 1918 و1920 وانتشر بين خمسمئة مليون من سكان الكرة الأرضية وأجهز حينذاك على نحو مئة مليون روح بشرية.
أيضاً، كيف يمكن إطلاق مثل ذلك الادعاء رغم المعرفة اليقينية بأن وباء الإيدز، على سبيل المثال، قتل أكثر من ثلاثين مليون روح بشرية!
ما أهداف ادعاءات كهذه؟!
وما سبب عدم اهتمام الصحافة العالمية بتقصي صحة أرقام السيد المدير التنفيذي التي أطلقها في مؤتمرات صحفية، وما سبب عدم مسائلته عن مصدر أرقامه غير المثبتة في موقع المنظمة في الإنترنت؟!
بل أيضاً ما سبب مشاركة صحف عالمية في الغرب، مثل «نيويورك تايمز» في نشر أخبار قيامية عن مدى انتشار الوباء، وما مصلحتها في تصرف لامسؤول كهذا؟ فالصحيفة الأميركية نشرت في عددها الصادر يوم 14/10/2014 «مانشيت» يقول: «مسؤولون يتنبأون: عدد حالات الإيبولا قد يقارب قريباً العشرة آلاف أسبوعياً».
لكن عدد إجمالي ضحايا الوباء [قريباً] لم يصل إلى ستمئة نفس بشرية.
إضافة إلى ذلك التهويل المتعمد، مراكز مراقبة الأوبئة أعطت رقماً يراوح بين نصف مليون ومليون ونصف مليون إصابة بالوباء بحلول كانون الثاني الماضي، لكن عدد الإصابات إلى ذلك التاريخ لم يصل حتى إلى عشرين ألف حالة.
والمنظمات ذاتها أعلنت أن مجمل خسائر اقتصادات دول غربي افريقيا ستقارب أربعين مليار دولار أميركي، لكن الرقم عُدِّل الآن ليضحي نحو أربعة مليارات دولار.
بعض علماء الغرب تناولوا هذه الادعات الإثارية، بل والقيامية بالنقد الشديد. وهناك من أهل الاختصاص من يتهم لوري غرِت، عضو مجلس العلاقات الخارجية، التي نالت جوائز مهمة عديدة منها جائزة «بولتزر» عن تغطيتها للوباء، بأنها تسعى إلى الشهرة عبر التغطية الإثارية.
فهل ننسى الهستيريا التي أثارتها الحملات الصحافية عن أوبئة مماثلة ومنها أنفلونزا الطيور وجنون البقر وأنفلونزا الخنازير... إلخ!
لا شك لدينا في صحة الرأي القائل: إن هدف المبالغة الحصول على تمويل عالمي مضاعف، لكننا نرى أنّ ثمة أهدافاً إضافية. فلا ننسى أن المبالغة الإثارية في التغطية الإعلامية تبعها إنزال قوات أميركية في غربي أفريقيا!
الصحفية الإنغليزية البروفيسور سوزان فرانكس التي عملت طويلاً مراسلة لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية، وتشغل الآن منصب أستاذ الصحافة في سِتي ينفرستي اللندنية، ألفت عام 2013 كتاباً عنوانه بالعربية «الميديا والكوراث: المجاعة، المساعدات، السياسة والصحافة»، خصصته لنقد دور التغطية الصحفية الإثارية في لفت الانتباه بعيداً عن المشاكل الحقيقية، ما يؤدي إلى صرف أموال المساعدات والمعونات في غير محلها، وترك الأكثر حاجة إليها في العراء.
العلماء النقاد أبدوا حسن نية تجاه هذه التغطيات القيامية، لكننا لن نتوقف عند هذا لأن واشنطن وحلفاءها عودونا الشك في صحة وبراءة كل كلمة يتفوهون بها، وفي كل عمل «إنساني» يسارعون إليه.
لنتذكر كتاب أودو ألفكوت «صحافيون أجراء - السياسيون والاستخبارات ورأس المال المالي يوجهون وسائل الإعلام في ألمانيا» وغيره من المؤلفات عن حقائق التضليل ومداه الذي تمارسه مختلف صحف المؤسسات الحاكمة في الغرب، ما يجبرنا على الشك في أقوالهم وأفعال سادتهم وممويلهم. وهذا لا يسري على ميديا الغرب فقط، فلمعرفة هدف كل حملة وجب البحث عن الممول. فليس ثمة من إعلام مستقل عن مموله.