«عن أيّ ربيعْ بغنّي؟» سألتْنا هبة طوجي في الأغنية الأولى («الربيع العربي») من ألبومها الأخير، وهي أغنية أرادت من خلالها أن تتحدّث باسم «الناس الأبرياء» من «الشعب العربي» وهم يُقتلون على يد «بربر المغول» الذين في قلوبهم «وحشة وعقيدة لا بتتجادَل ولا بتزول» (1)، لكن، في مقابل إدانة هذا «الربيع» الذي تحوّل دامياً، قرّرت طوجي أن تجيّر مشاركتها الغنائيّة في برنامج The Voice (النسخة الفرنسيّة الثالثة) لبناء صداقة طوعيّة مع مشتركة إسرائيليّة؛ صداقة لم «تُفرضْ» عليها فرضاً، شأن ما ذُكر عن «الصورة المباغتة» التي جمعتْ ملكة جمال لبنان لهذا العام، سالي جريج، بالملكة الإسرائيليّة، بل تطوّرتْ إلى ما يشبه الغزل المتبادل، فضلاً عن سبع صور على الأقلّ بين طوجي والمشتركة شارون لالوم (2).
يُذكر أنّ الأخيرة إسرائيليّة (3)، لا فرنسيّة من أصل إسرائيليّ (4)، وقد وُلدتْ في فلسطين المحتلّة بعد إنشاء الكيان الصهيونيّ الغاصب، وقضت سنواتها الثلاث والعشرين الأولى فيه، قبل أن تذهب منذ عامين إلى فرنسا.
تُرى، ألا تنطبق وحشيّة مَن دانتْهم طوجي في أغنية «الربيع العربي» على الكيان الصهيوني؟ ألم تهز طوجي دماء «ولادْ وناسْ» (عددُهم يصل إلى 2200، ربعُهم من الأطفال) لم تجفّ بعدُ في غزّة الصيف الماضي؟ هل نسيتْ صور تشريد 50 ألف فلسطينيّ جرّاء هدم «إسرائيل» 20 ألف منزل في قطاع غزة قبل شهور؟ (5) وفي لبنان، الذي تدّعي طوجي «رفْعَ رأسه عالياً» من خلال مشاركتها في برنامج فرنسي (مُعَدّ للهواة أصلاً)، هل تناست هذه المغنّية أنّ آلة الحرب الإسرائيليّة خلّفت، في شهر واحد فقط من صيف عام 2006، أكثر من ألف شهيد، فضلاً عن آلاف الجرحى، وهجّرتْ ثلث الشعب اللبنانيّ؛ فضلا عن مواصلتها حتى اليوم احتلال مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وانتهاك سيادة لبنان برّاً وبحراً وجوّاً، وإبقاء أرض الجنوب مليئة بالقنابل العنقودية؟
قد يقال إنّ «الفنانة» الإسرائيلية غير مسؤولة عمّا تقوم به دولتُها، ولكن هل تناهى إلى سمع أحدِكم أنّ لالوم، هذه، غادرت الكيان الذي بُني على أنقاض وطن آخر، أو تخلّت عن جنسيّتها التي طَمستْ حقوق شعب آخر؟ بل هل تناهى إليكم أنّها أصدرت ولو بيان إدانة واحدا ضد جزاري دولتها؛ دولتِها التي تقاطعها منذ سنوات مئات الجامعات في العالم، وآلاف الأساتذة والمثقفين والطلّاب، ومئات الفنّانين (آخرُهم 700 فنّان بريطاني وقّعوا في شباط الماضي عريضة لمقاطعة «إسرائيل»، وتعهّدوا فيها «رفض أيّ دعوة لزيارة إسرائيل أو أيّ تمويل من مؤسّسة مرتبطة بالحكومة الإسرائيليّة» (6))؟
إنّ تعطّش طوجي إلى الشهرة العالميّة، عبر بوابة أوروبا «الحضارية»، وعبر الصداقة مع الفنّانة الإسرائيليّة، دفعها ــ ضمناً ــ إلى «فصل الفنّ عن السياسة». والأسوأ أنّها لم تكتف بصور مشتركة مع لالوم، بل رفعت معها شارةَ النصر. نصرُ مَنْ على مَن يا طوجي؟! أيّ نصر يجمعك، أنت ابنة الشعبِ اللبنانيّ، الذي حوّل انسحاقَه وتهجيرَه وموتَه إلى عنفوان وإباء ومقاومة مظفّرة، بصديقتك الجديدة، ابنة الكيان المجرم العنصري الإحلالي؟
قد يتهمُنا المستخفّون بخطورة التطبيع مع «إسرائيل» بأنّنا نقف في وجه مشاركة اللبنانيين في مسابقات دوليّة، وبأنّنا نعارض اعتلاءهم مراتب عالميّةً من شأنها أن ترفع اسم لبنان عالياً. ومع أنّ مشاعرَ اللبنانيين وكرامتَهم واعتزازَهم بذكرى شهدائهم تعلو على أيّ مركز قد يعتليه أي لبناني في العالم، فإننا نؤكد أنّ عدم التطبيع مع العدو لا يعني انسحاب اللبنانيين من مسابقات أو نشاطات يشترك فيها إسرائيليون (إلا إذا كانت من تمويل أو تنظيم إسرائيلي أو داعم على نحو واضح لـ«إسرائيل»)، وإنّما يعني عدم التواصل معهم (فضلا عن صداقتهم وعناقهم ورفع شارات النصر معهم!)، إسهاماً في عزلهم أخلاقياً واقتصادياً وفنياً وأكاديمياً، وانسجاماً مع نشاطات المقاطعة العالمية نفسها.
ومع أنّنا لسنا في حاجة إلى «قانون» كي نتّخذ موقفاً أخلاقياً ووطنياً من «إسرائيل» وممّن يحملون اسمَها، فلا ضيْرَ من التذكير بالمادّة الأولى من قانون عام 1955، المنبثق عن التزام لبنان توصيةَ جامعة الدول العربيّة سنة 1954 بوضع أحكام قانونيّة لمقاطعة الكيان الغاصب. هذه المادّة تنصّ على الآتي (لاحِظوا هنا، على نحو خاصّ، الكلماتِ السبعَ الأخيرة):
«يُحظّر على كلّ شخص طبيعي أو معنوي أن يَعْقدَ، بالذات أو بالواسطة، اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في «إسرائيل»، أو منتمين إليها بجنسيّتهم، أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها، وذلك متى كان موضوعُ الاتفاق صفقات تجاريّة أو عمليات ماليّة أو أي تعامل آخر مهما كانت طبيعتُه».
هنا نسأل: ما هو موقف نقابة الفنانين اللبنانيّين من صداقة طوَجي العلنيّة بالإسرائيلية لالوم؟ ولماذا صمتَ الفنّان أسامة الرحباني أمام التصرّفات الرعناء واللامسؤولة للفنّانة التي أطلقها، بنفسه، على الساحة الفنية اللبنانية، ثمّ رافقها إلى باريس؟ وما هو موقف «المثقفين» وما يسمى «منظمات المجتمع المدني»، أم أنّ «حريّة التعبير» تسمو على سيادة الوطن وتاريخه وشهدائه؟ وما هو موقفُ «مكتب مقاطعة إسرائيل»، وهو المكلّفُ، «بإشراف وزير الاقتصاد والتجارة، صلاحيةَ اتخاذ الإجراءات الواجبة لتنفيذ القوانين والأنظمة النافذة وأحكام ومبادئ مقاطعة إسرائيل، التي أقرها مجلس جامعة الدول العربية في عام 1951، والسهر على تطبيقها...» (7)(8)؟
إنّنا جميعا مسؤولون عن وقف حالة التردي على مستوى التطبيع مع العدو الإسرائيلي. وإنّ شرط «التنافس العالمي» هو الحفاظ على أرضنا وكرامتنا وذكرى شهدائنا، وإلّا غدوْنا ملحَقين بأجندات الكبار، وبتنا أشبهَ ما نكونُ بالصبيّ الجاهلِ الذي «يحْكم بصفوف الروضات» (كما جاء في أغنية طوجي نفسها).

* حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان

هوامش

ولفظ «بربر» ورد كذا في أصل الأغنية، مع تحفّظنا عليه طبعاً.

https://www.youtube.com/watch?v=MDH-QsAqHoU
http://www.closermag.fr/tele/dossier-the-voice/saison-4/news/the-voice-4-sharon-laloum-evoque-sa-double-culture-je-me-sens-autant-israelienne-que-francaise-461852
http://www.lebanon24.com/featured/details/1054042
http://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/israelgaza-conflict-50day-war-by-numbers-9693310.html
http://english.al-akhbar.com/node/23788
http://www.economy.gov.lb/index.php/serviceSubCat/1/30
http://www.lebarmy.gov.lb/ar/news/?12458#.VSVVy9yUe6S