بعد تحرير مدينة تكريت، أو جلّها، من هيمنة «داعش»، يبدأ السؤال حول الهدف القادم للحرب: هل تتجه القوات العراقية شمالاً، لحصار الحويجة والشرقاط، أم غرباً الى الفلوجة؟ الحويجة والشرقاط تمثّلان المعقل الأساسي لـ «الدولة» على الطريق الى الموصل، وهما العتبة التي تفتح الطريق لضرب التنظيم في كركوك ونينوى. أمّا الفلوجة، فهي مدينة رئيسية لا تزال بكاملها تحت سيطرة «داعش»، وهي قريبة من بغداد الى درجة مقلقة.
دخول وسط تكريت كان مناسبة ذات أهمية بالمعنى الرمزي والاعلامي، ولا يمثل انجازاً عسكرياً غير متوقع. عمليات الأسابيع الأولى في صلاح الدين أتمّت السيطرة على غالبية ريف تكريت والدور والعلم والبوعجيل، وحسمت الموقف العسكري ــــ اذ صار من تبقى من المسلحين محاصراً في بقعة مدينية صغيرة، سقوطها مسألة وقت. وحين عادت قوى الحشد الشعبي الى ساحة المعركة يوم الثلاثاء، تم اقتحام الأحياء المتبقية في تكريت خلال ساعات (المعارك «الصعبة»، بالمعنى الحقيقي، كانت تلك التي أدت الى السيطرة على ديالى وجبال حمرين وجرف الصخر).
وقف الهجوم على تكريت كان سببه خلافٌ سياسي، بسبب طلب رئيس الحكومة تدخل طيران التحالف في المعركة، ما تبعه انسحاب أكبر فصائل الحشد الشعبي، وخروج تقارير أميركية تفيد بأنّ واشنطن تخطط لتحرير تكريت عبر قوات الحكومة حصراً، مع دعم الطيران الأميركي، وابقاء «حلفاء ايران» على الهامش. هذا الخلاف قد حُلّ ، على ما يبدو، في اجتماع ليل السبت ضمّ العبادي والمالكي اضافة الى أبرز قادة الحشد، كهادي العامري وقيس الخزعلي وشخصيات أخرى، حيث تم التوافق، بحسب بيان لـ «العصائب»، على «منع تدخل الطيران التحالف الدولي في عملية تحرير مدينة تكريت».
بدلاً من شرح هذه الخلفيات السياسية وخطورة ما يخطط للعراق، في شماله وغربه، قرر الاعلام العربي أن يحوّل تكريت الى ستالينغراد، فيما انشغل قسمٌ آخر من العرب بالمزايدة على الحشد الشعبي واتهامه بالقتال تحت غطاء التحالف.
هذا الصنف من الخطاب، الذي يعيش على تصيّد حالات يعتبرها دليلاُ على «تلاقي المصالح»، ثم يقدّمها على انها جوهر السياسة وسرها المكنون، هو الذي لا يُفهم. قادة الحشد وأنصاره يهاجمون التحالف علناً ويرفضونه، وأكثرهم يؤمن بأن الطائرات الأميركية تُعين «داعش» وتزوده بالمساعدات؛ وهم قاتلوا الاحتلال الأميركي ودخلوا سجونه، فما الذي تريد أن تثبته؟ انك تعرف اتجاههم السياسي أكثر مما يعرفونه هم؟ وما مصلحتهم، اذاً، في كل هذا الكذب والتظاهر؟ أن يخدعوك؟
هذه العقلية، التي تحوّل السياسة الى نوع من التحري البوليسي، هي التي تسمح لك بأن تقف في المكان الخطأ وتستعمل الخطاب الخطأ وتقول النقد الخطأ، فيما اخوتك (وهم ليسوا «داعش») يخوضون معاركهم وحروبهم.