معمّر عطوي
هل تنتهي الثورات في زمن العولمة؟


يصبح السؤال مشروعاً عمّا إذا كان عصر الثورات، قد انتهى، حين نتخيَّل ضمور شروط إمكان حصول حركات تغييريّة جذرية في المستقبل، على غرار الثورات التقليدية التي عرفها القرن العشرون. سؤال كهذا يستحقّ مناقشة مستفيضة يمكن قراءتها في كتاب «مستقبل الثورات» لجون فوران، الذي ترجمته تانيا بشارة لدار الفارابي في بيروت، ومنشورات «آنيب» في الجزائر.
الكتاب عبارة عن أطروحة فكرية ـــــ فلسفية تغوص في مدلولات التحوّلات السياسية التي تترك بصماتها واضحة على أساليب التغيير الاجتماعي، لتبدو لنا الثورة حمَّالة أوجه عديدة، تتراءى وفقاً للنظام السياسي المُهيمن أو وفق آليات التغيير المُتاحة.
الثورة في كتاب فوران هي فضاء مفتوح لتأويلات العديد من المفكّرين والفلاسفة والسياسيين والثوّار. هي مناقشة شاملة وغنيّة بمقولات تتحدّد من خلالها أشكال العمل التغييري، إن كان عن طريق العنف أو عن طريق الثورات «الناعمة» أو عبر المؤسّسات الدستورية.
في خمسة أجزاء موزّعة على 350 صفحة من القياس الكبير، يطرح فوران أسئلته عن تحديد الثورة والعولمة ولغات المستقبل واستراتيجيّاته، في ظلّ سيادة الدولة الديموقراطية ووسط تباشير ثورات أصولية قد تأتي بأنظمة توتاليتارية ثيوقراطية، على غرار ما حصل مع بعض الثورات العلمانية في العالم الثالث والثورة البولشيفية التي أنتجت أنظمة شمولية.
يقودنا «مستقبل الثورات» إلى البحث في أهمية العامل الاجتماعي الذي يُعدّ السبب الأهم لصياغة رؤية تغييريّة في أي زمن أو في أي منظومة اجتماعية أو سياسية. بمعنى أنّ شروط إمكان التغيير تبدأ من هذا العامل، وتتأثّر بالعوامل الموضوعية المتعلّقة بالنظام السياسي نفسه أو بإبعاد كوسموبوليتية قد نجدها في سيادة سياسات العولمة وسيطرة الآلة ولعبة المصالح الدولية.
السؤال الذي بدأنا منه عن صحّة مقولة الثورات في زمن العولمة يجيب عنه الكاتب بقوله إنّ «الديموقراطية تُضعِف وبشكل دراماتيكي احتمال حصول تغيير ثوري، لكن لا يعود السبب إلى كونها تحقّق العدالة الاجتماعية». ففي ظلّ الديموقراطيّة قد تلجأ الحركات السياسية إلى وسائل أخرى للتغيير من داخل النظام بغير الثورات التقليديّة، وهذا ما يفسّر قول ليون تروتسكي «إنّ الثورات تندلع فقط في غياب أي مخرج آخر». لكن فوران هنا، يبدي رؤيته تجاه الديموقراطية من منظاره ليؤكّد أنّ «مصطلح الديموقراطية يتطابق تماماً مع الفقر المُنتشر وعدم المساواة والعرقية والآفات الاجتماعية من كلّ نوع»، مستنداً في إبداء وجهة نظره إلى الفيلسوف كارل ماركس، الذي ينتقد «التحرّر السياسي والديموقراطية البرجوازية المزعومة باسم التحرّر البشري».
أمام ما نشهده من تحولَّات تحمل أشكالاً جديدة لحركات التغيير ومقارعة الظلم، قد لا تكون مساهمة فوران على أهميتها وغناها في طرح أفكار ورؤى مستقاة من أحداث واقعية، كافية لتوضيح مشروعية العمل التغييري وهوية الحركة التي تقود هذا العمل، إذ إنّنا أمام صور جديدة من حركات التغيير تقودنا للبحث عن نتائج الثورات القديمة، وما أنتجته من فشل في تحقيق الكثير من أهدافها، وبين ثورات جديدة تنطلق من الرؤية نفسها تجاه سياسات الهيمنة والأمركة والإمبريالية والصهيونية، لكنّها تختلف في بعدها الايديولوجي وأهدافها، وأحيانا لجهة صدقيتها وشفافيتها.
أمام ما نشهده من بوادر تغييريّة تحمل طموحات أنظمة ثيوقراطية، يصبح السؤال مشروعاً عن مدى الشبه بين قلنسوة تشي غيفارا وعمامة أسامة بن لادن. نجد الكثير من الناشطين السياسيّين، الذين يتجذّرون في بيئات اجتماعية حاضنة، يسعون إلى التغيير عن طريق الثورة، لكنّ المفارقة أنّ بعض أشكال هذه الثورات قد تقضي على منجزات ثورات سابقة بدعوى المزج بين الحداثة والغزو، بمعزل عن سؤال المستقبل.
* من أسرة الأخبار


العنوان الأصلي
مستقبل الثورات
الكاتب:
جون فوران
الناشر
دار الفارابي