حفاة دون قضية
في المخيمات الفلسطينية في لبنان، يُطبَعُ علم فلسطين على الجدران، تنادى أم الشهيد اماً للشهيد، يُقسِم الرجال بيوم العودة، ويتكلّمون عن أرض واحدة يعرفها الجميع. في لجوء السوريين، مستويات من المعاناة لم نفهمها بعد. في هجرتهم غصّة وألف حكاية. هنا، تغيب القضية. وتصبح الحرب بين الأخ والأخ، وبين منطقة وأخرى. لا اتفاق على اي من الأمور الاساسية، لا على تعريف الوضع السياسي، ولا على تسمية الامور والجهات المتناحرة ولا على أساس المشكلة. بينما اللاجئون الفلسطينيون اتّفقوا على قضية موحّدة وعدو واحد وسردية عامة لما يحصل، فانقسم من حولهم الى مؤيّدين للقضية ومناوئين لها.

في ما يجري اليوم، لا مواقف واضحة، بل مراوح من المواقف وتعدّد للسرديات بتعدّد الإمكانات المنطقية (او اللا منطقية احياناً) للأحداث: من يسمّيها ثورة يخوّن من يسمّيها مؤامرة، وبين هذا وذاك، مئات المواقف والتسميات... الفارق الأساسي بين ما مرّ به اللاجئون الفلسطينيون، وما يمرّ به السوريون، هو غياب «القضية»، غياب الوحدة حول الموقف السياسي، وغياب مضمون ما يمكن أن يسمى قضية، وانحلال حالة ثورية ما في لحظة تاريخية، نحو تناحر وحرب اهلية واعتداءات جيوش غربية. لم نفهم بعد ما يمرّ به السوريون في قيظ اللجوء بعد. لم نع كيف حطّمت هذه الرحلة القصيرة ما بداخلهم، ولم نفهم كيف يتعاملون مع هذه الغربة بعد. حتى «الوطن» الذي يحكون عنه مختلف. لم تبدأ رحلة غربتهم هنا، بل بدأت في قراهم ومدنهم، بدأت حين ابتعدت الدولة عنهم. لا نعرف ان كانوا يفكّرون بالعودة بعد، ام ان ما رأيناه ورأوه هناك، وفي الطريق وعندما وصلوا، أبقى لديهم أي رغبة بالعودة. العودة؟ إلام؟ ولمَ؟ ليس لأن ما عاشوه هنا افضل بأية طريقة، ولكن الأرض احياناً تصبح أقسى علينا من فقدانها. لم يأتِ بعد من يكتب شعر درويش في سوريا ويغنّي الشوق للأرض. ربّما لم نعِ بعد، نحن سكان هذا الجزء من الأرض، معنى هذا التهجير وعمق تأثيره. اللاجئات واللاجئون يعيشون الآن اليومي من اللجوء، في البحث عن عمل ومأوى وبطاقات الإعاشة البيضاء او الزرقاء، وفي القبض على ما يمكن الحصول عليه من تقديمات ومساعدات وحصص غذائية وبرامج تعليمية و»توعية» من منظمات ومؤسسات هم انفسهم لا يعرفون لم تعمل... ولم يستطيعوا حتى الآن، الجلوس بصمت، ارتشاف فنجان قهوة، أخذ نفس عميق...واستيعاب ما جرى.
جنى نخال