حرب غير قانونية، خداع وتضليل مارسه رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير للمشاركة في غزو وشن الحرب على العراق واحتلاله وتدمير بناه وقتل اكثر من مليون مواطن عراقي وما حصل من تداعيات كارثية أخرى. هذه خلاصة تفهم من تقرير لجنة التحقيق عن حرب العراق التي سميت باسم رئيسها، السير جون تشيلكوت. قبل اعلان العدوان، خرجت في اكثر من 400 مدينة في العالم تظاهرات احتجاج ضد الغزو والحرب، وكانت تظاهرة لندن اكبر تظاهرة في تاريخ بريطانيا السياسي، حيث اشترك اكثر من مليوني متظاهر ومتظاهرة فيها.
واكتشف البريطانيون خصوصاً ان خداع رئيس وزرائهم وصل الى تزوير نصيحة المدعي العام البريطاني السير غولد سميث على قانونية غزو العراق، فضلاً عما لحق بالمملكة المتحدة من كوارث مادية وبشرية. كل هذا صنع رأياً عاماً طالب بالتحقيق ومحاسبة المشتركين بكل هذه الانتهاكات والارتكابات القانونية والإنسانية. لا سيما ان الغزو والحرب شنت من دون قرار من الامم المتحدة. وبعد كل ما حصل وما حدث بعده، كشف بكل وضوح الجريمة ومرتكبيها، ولا يكفي التحقيق معهم فقط بل لا بد من اقرار القانون وحكم الشعب ويبقى حكم التاريخ الذي لطالما ذكره بلير في مقابلات صحافية، ناكراً ومتنكراً لما اقترفت يداه. المطالبة بحكم العدالة مستمرة مهما تقادم التاريخ. وفي كل الاحوال ستظل دماء الضحايا في العراق ودماء الجنود البريطانيين في ذمته وسجله وتاريخه.
لم يتضح بعد ما
أو من الذي يمنع
نشر التقرير


استقال توني بلير من رئاسة الحكومة والحزب الذي قاده اكثر من عقد من الزمان، بعد كل ما حصل، وخلفه غوردون براون، فشكل في 15/6/2009 لجنة تحقيق مكونة من 5 شخصيات برئاسة تشيلكوت، مهمتها التحقيق في مشاركة بريطانيا في الحرب على العراق. بدأت عملها رسمياً في 30/7/2009، حيث غطت تحقيقاتها الفترة الواقعة بين صيف 2001 ونهاية تموز/ يوليو 2009، ومنحت اللجنة حق الحصول على المعلومات الرسمية ومن ضمنها الوثائق السرية ذات الصلة بحرب العراق وصلاحيات استدعاء أي شاهد للمثول أمامها. استمعت الى 150 شخصاً لهم صلة بحرب العراق، بمن فيهم بلير وبراون، ووزراء وعسكريون وموظفون في دوائر القرار ومطبخه اليومي. وانتهت من التحقيق يوم 2 شباط/ فبراير 2011 ولكن تقريرها لم ينته بعد، ولم يعلن للرأي العام الذي فرضه اساساً. ولكن تسرب كالعادة بعض من محتواه او هكذا اريد له ان يكون، اذ تعرض لخلافات حول نشر نصه، صرح عنها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، خصوصاً ما يتعلق بما يمكن الكشف عنه من وثائق تتعلق بغزو العراق حيث تذرعت الحكومة بـ»قانون سرية المعلومات» الذي يمنع المحققين من كشف المعلومات والوثائق التي طلبت في تحقيقاتهم، بينما تعتقد اللجنة أنها يجب أن تتمتع بحق نشر ما تتوصل إليه من معلومات. ومع ذلك، لم يتضح بعد ما أو من الذي يمنع نشر التقرير، إذ أكد أحد المتحدثين باسم لجنة التحقيق أن المفاوضات التي تهدف إلى نزع صفة السرية عن «أجزاء حساسة من المعلومات» ما زالت متوقفة، والمعلومات المشار إليها من المتوقع أن تكون عبارة عن رسائل مرسلة بين بلير والرئيس الأميركي بوش الثاني، ومناقشات على المستوى الوزاري، ومحادثات مسجلة بينهما وبراون بين عامي 2002 و2003 والتي لم يكشف عنها مكتب رئيس الوزراء.
هذه المعلومات السرية او التي تعتبرها الحكومة سرية وراء المنع والذريعة الاخرى التي يتحجج بها في مثل هذه الحالات. لا سيما ما شمل من الإشارة إلى الولايات المتحدة ودور رئيسها إلى تكهن البعض بأن واشنطن ربما تكون قد لعبت دوراً في التعتيم على نتائج التقرير خوفاً من أن يؤدي الإفراج عنها إلى الإضرار بالعلاقات البريطانية - الأميركية. ولكن نائب رئيس الوزراء الحالي نيك كليغ صرّح رسمياً بأن حرب العراق غير قانونية، واعتبر بعض السياسيين أن زلة اللسان تلك قد تتسبب بدليل على أنها إقرار رسمي بريطاني يفسح المجال أمام مقاضاة بريطانيا لشنها حرباً غير قانونية على العراق. وهذا ما اجّل نشر التقرير ومواعيده التي حددت له. وكانت صحف بريطانية قد اشارت الى ان الادارة الاميركية لعبت دوراً رئيسياً في تأجيل اعلان نتائج لجنة التحقيق. نقل عن صحيفة «الاندبندنت» البريطانية ومصادر دبلوماسية (وكالات 14/11/2013) قولها إن «مسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية رفضوا السماح بالكشف عن وثائق ومراسلات ما قبل وأثناء الغزو بين الرئيس الأميركي السابق بوش الثاني ورئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير. وأضافت الصحيفة ان «رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون سيتعرض للإحراج الشديد لأنه لا يمكنه الكشف عن تلك الوثائق من دون موافقة الإدارة الأميركية وهو الأمر الذي سيمنع صدور التقرير». وكانت الصحيفة قد كشفت في وقت سابق أن «مسودة تقرير لجنة تشيلكوت جاءت مخالفة لروايات المسؤولين في واشنطن ولندن حول دور توني بلير في إرسال 45 ألف جندي بريطاني للعراق». وأفادت الصحيفة ان «الوثائق السرية التي ترفض واشنطن الكشف عنها تحتوي أدلة مهمة على المراسلات والوثائق المكتوبة بين بلير وبوش التي تكشف عن الطريقة التي سمحت لبريطانيا في المشاركة في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة».
وأخيرا حذرت صحيفة «غارديان» البريطانية (14/1/2015) في افتتاحية عنونتها «آن أوان نشر تقرير تشيلكوت حول الحرب في العراق» من ان عدم المسارعة بنشر التقرير فوراً قد يعني انه لن يرى النور ابداً. ووضحت ان التقرير اذا لم ير النور خلال الاسابيع القليلة المقبلة فإنه ستمر الانتخابات العامة الثانية منذ بدء العمل فيه من دون نشره وهو ما يهدد فكرة نشره من الاساس. واعادت التذكير بأن التقرير البرلماني الذي بدأ العمل فيه عام 2009 للتحقيق في مشاركة بريطانيا في الحرب على العراق تم تأجيل اعلانه مرات عدة ويجب ان ينشر فوراً.
تقرير تشيلكوت غير كاف ولكنه بداية حكم التاريخ وفضح الجريمة قانونياً وإنسانياً، ورد متأخر على غزو واحتلال العراق. فمتى يحترم الرأي العام والقانون؟!
* كاتب عراقي