الدول العربية في خطر سياسياً، واجتماعياً وأمنياً، فتنظيم «داعش» لا يزال يتمدد نحوها، والتحالف الدولي لم يستطع ايقافه. حتى الآن لم يتمكن المجتمع الدولي من وضع خطط فعالة لمواجهة «داعش»، بل بات التنظيم يهدد بالانتقال إلى الدول الغربية. لذلك تطرح تساؤلات كثيرة عن نجاح «التحالف» في مكافحة «داعش»، خصوصاً أنه بات هناك شبه إجماع دولي وأميركي على أن الضربات الجوية غير كافية، ولا تزال معركة التحالف ضد التنظيم طويلة.
ولا يزال الغموض يكتنف الاستراتيجية الاميركية، وذلك نتيجة عدم توحيد الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب عبر تعاون الدول في مواجهته خصوصاً أن قوة التحالف تقوم على أميركا فقط. إذا، ما هو الحل المتقرح أو البديل الذي يمكن أن يكون مقبولاً لدى جميع الدول خصوصاً تلك المتضررة من الإرهاب.

أ: نحو إدارة دولية لمكافحة الإرهاب

لا شك في أن خطر «داعش» ـ مع ما يرتكبه من جرائم ـ ومكافحته، لا يشكلان أزمة إقليمية فقط، بل بات أزمة دولية متشعبة الأسباب، والأطراف والتداعيات، وإن كان المتضرر الأكبر دول الإقليم لا سيما سوريا والعراق. وبالتالي فلا بد من إيجاد حل جدي وفعلي لهذه الأزمة الدولية. هذا الحل يمكن أن يكون من خلال شقين، الأول تشكيل إدارة دولية لمكافحة الإرهاب، أما الثاني والذي يعتبر الأنجح لمنطقتنا فهو تشكيل تحالف إقليمي يضم الدول العربية والإسلامية.
من الأفضل تشكيل تحالف
عربي إسلامي والتعاون في
هذا الإطار لمحاربة الإرهاب

يخضع العالم اليوم لشكل من الإدارة الدولية بجميع أطرافها ومكوّناتها، وليس من دولة واحدة في هذا الإقليم قادرة على ممارسة سيادتها واستقلالها كعضو فعّال في المجتمع الدولي، بل هناك نزوع لدى بعض الدول من أجل الاعتراف لها بخياراتها الداخلية المستقلة وبشيء من النفوذ الإقليمي، ما يمنع الاتفاق بينها من خارج ائتلاف جامع. ويعتبر مفهوم الإدارة الدولية من المفاهيم الحديثة في العلاقات الدولية والتنظير الدولي، وقد طرح بشكل جدي لمعالجة العديد من الأزمات.
لكن حتى الآن لا يزال استخدام مفهوم الإدارة الدولية قليلاً جداً، فلطالما رفضت الدول التنازل عن سيادتها من أجل اتحاد دولي يشكل مدخلاً لإدارة الملفات الحساسة التي تهم المجتمع الدولي، باستثناء تلك المنظمات والمجموعات التي تتشكل من قبل الدول الكبرى لرعاية مصالحها. فالدول ما زالت حتى الآن ترى أن لا سلطة تعلو فوق سلطتها أو تفرض عليها ما لا تريده. لذلك، فإن فكرة الإدارة الدولية لم تكن مطروحة على المستوى الدولي، باستثناء ما طرحه بعض المنظرين الذين يروون فيها حلاً للخلاص من المشاكل التي تواجه الكثير من الأزمات العالقة.

ب: نظرية الإدارة الدولية

يعتبر بنتام من أفضل المفكرين الذين أسسوا لاستخدام عبارة قانون دولي أو قواعد دولية. كذلك الفيلسوف كانت الذي نادى بجمهورية عالمية أو اتحاد عالمي للشعوب.
بالنسبة إلى سموتس م. ك. فإن خيار الاعتقاد بالعلاقات الدولية من خلال مصطلح الإدارة الدولية يسمح بإعطاء رؤى للأشخاص وللتفاعلات التي أهملتها الأدبيات الواقعية، ويجدد التفكير حول فكرة المجتمع الدولي.
إن الدولة بصفتها عضواً في المؤسسات الدولية تقرر مع مجموعة الدول المبادئ والإجراءات التنفيذية في إطار الإدارة الدولية أو التحكم الدولي، وهي التي تتولى تنفيذ الاتفاقات وتطبيق القرارات الصادرة عن المؤسسات الدولية بموجب قوانين تصدرها في إطار اقليمها كونها ما زالت تتمتع تجاهه بالسلطات التشريعية والقضائية، وهي التي تنقل ارادة شعبها إلى المحافل الدولية.
ولذلك، يمكن تعريف الإدارة الدولية بأنها نشاط يهدف لخلق تفاعل تنظيمي هادف على مستوى إقليمي أو دولي.
ويمكن القول ان التعاون الدولي هو الخلفية القانوية للإدارة الدولية، وقد أوجدته الحاجة بهدف احلال السلام والأمن الدوليين. إن السياسة المعتمدة في دولة ما يمكن أن تنسحب بآثارها على الدول الاخرى.
وأكثر ما يتجلى التعاون الدولي لإدارة الشؤون الدولية في مجال عمل المنظمات والمؤسسات الدولية التي يرتكز عملها بشكل أساسي ووفقاً لما جاء في مواثيقها إلى التعاون الدولي، حيث جاءت النصوص الدولية لتؤكد التعاون الدولي بطريقة مباشرة وواضحة، وهذا ما نلحظه بشكل واضح في ميثاق الأمم المتحدة.
لكن سرعان ما تكشف الأمر عن عدم فعالية التعاون لإدارة الشؤون الدولية أو أقله إدارة الأزمات الدولية، فالتعاون يترك للدول مساحات أوسع من الحرية في اتخاذ القرار بالتعاون وبتحديد شكل هذا التعاون.
هذه الإدارة يمكن أن تفعّل من قبل التنظيم الدولي والمنظمات الدولية، حيث هناك ارتباط بين الإدارة الدولية والتنظيم الدولي، فهذه الإدارة لا تعمل خارج هذا التنظيم.
وقد رافقت نظريات التنظيم الدولي، دعوات نحو إقامة حكومة عالمية للقضاء على الفوضى الدولية. لذلك نقول إنه بدلاً من الاستئثار من قبل تحالف تقوده أميركا وتشن من خلاله الحرب على «داعش»، وبدلاً من استخدام الإدارة الدولية كمفهوم لحل الأزمات الاقتصادية، الأفضل استثمارها بشكل ناجح في مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال توحيد الجهود الإقليمية والدولية وترك الخلافات والتعنت السياسي جانباً لا سيما من قبل دول لطالما اتهمت بدعم الارهاب، حتى الوصول إلى تشكيل تحالف ناجح في مواجهة «داعش»، والاعتماد على ما تقدمه الأمم المتحدة من قرارات واستراتجيات لمكافحة الإرهاب.

ج: الحل الأفضل تحالف إقليمي

الإرهاب يمس حالياً منطقتنا العربية والاسلامية، لذلك من الأفضل، تشكيل تحالف عربي إسلامي والتعاون في هذا الإطار لمحاربة الإرهاب، ومنع تمدد هذا الإرهاب نحو كل الدول العربية والإسلامية، لا سيما أن ميثاق الأمم المتحدة أفرد الفصل الثامن للحديث عن التنظيمات الإقليمية، حيث تنص المادة 52 أنه ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي ما يكون العمل الإقليمي صالحاً فيها ومناسباً ما دامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد «الأمم المتحدة» ومبادئها.
وأكدت هذه المادة أنه على مجلس الأمن أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه المنازعات المحلية بطريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة تلك الوكالات الإقليمية.
المادة 53 من الميثاق أشارت الى ان مجلس الأمن يستخدم تلك التنظيمات والوكالات الإقليمية في أعمال القمع، كلما رأى ذلك ملائماً ويكون عملها حينئذ تحت مراقبته وإشرافه. لذلك فإن قيام هذا التحالف يؤدي من دون أدنى شك إلى نتائج مثمرة، قد تؤدي إلى مكافحة الإرهاب ومحاصرته حتى القضاء عليه.
لكن بموضوعية، يمكن القول إن تشكيل تحالف إقليمي حالياً قد تمنعه، الخلافات القائمة بين الدول الإقليمية، ولكن يمكن في حال توحدت الجهود تشكيله وتفعيله. ويبقى الأساس في مكافحة هذا الإرهاب، العمل على منع انتشار الافكار الهدامة والتكفيرية التي تغذيه.
* صحافي لبناني