ليس هدف الضغط الغربي والحرب الاقتصادية على روسيا، كما تصوّر بعض وسائل الاعلام، ايصال البلد والنظام الى حالة «انهيار» دراماتيكي؛ والمقارنة التي تُعقد أحياناً مع سقوط الاتحاد السوفياتي ليست مقنعة. لا يوجد تشابه بين الحالتين؛ فالاتحاد السوفياتي – مع نهاية الثمانينيات - كان ينوء تحت تأثير سنوات متوالية من الركود والحصار التكنولوجي الغربي، وكان عليه أن يؤمّن أكثر من 250 مليار دولار سنوياً (يومها) لميزانية عسكرية تسمح له بالتنافس مع الولايات المتحدة، والمتطلبات (عسكرية وغيرها) في ازدياد، بينما ليس في إمكان القيادة السوفياتية أن تلجأ الى أسواق المال العالمية لعبور الأزمة عبر الاستدانة.
همّ روسيا اليوم يقتصر على أن تحفظ نفسها كدولة\أمة مستقلة، قادرة على حفظ وحدتها وحدودها، والدفاع عن مصالحها الأساسية. بوتين يملك تأييداً شعبياً كبيراً، وغالبية الجمهور ترى الاضطرابات الاقتصادية كنتيجة لأفعال القوى الغربية، وليس لإدارة الرئيس وسياساته؛ وحتى اذا وصلت روسيا الى مرحلة من الضيق الاقتصادي والمالي الحاد، فإنّ الدولة تملك احتياطات نقدية وموارد تكفي لمنع «الانهيار» على الطريقة السوفياتية، وتسيير البلد مهما اشتدّت الأزمة.
الرهان الغربي الحقيقي هو على أن ينجح الضغط والتخويف في جرّ النظام الى تغيير سياساته، ولمراضاة الغربيين ديبلوماسياً حفظاً لمصالحه الحيوية؛ أي، بتعبير آخر، اجبار الـ «بوتينية» على تفكيك نفسها بنفسها، وتوجيهها في طريقٍ لا يسمح لها مستقبلاً بتحدي الغرب، أو حتى أن تطرح تصوّراً لروسيا يخالف رؤية ال»ناتو» والاتحاد الأوروبي. العقوبات الأوروبية، والتهديد بتشديدها، تولّد تباينات وتجاذبات وتردداً ضمن النظام الروسي الحاكم، الذي يحوي مصالح مرتبطة بالغرب، واوليغارشيين خسروا الكثير بسبب انهيار العملة والعقوبات، ولا يؤاتيهم مسار الصدام مع الغرب (تخيلوا كمّ التنازلات السياسية التي فرضتها اميركا على لبنان بمجرّد تهديدها للنظام المصرفي ومصالحه).
بالفعل، يقول تقريرٌ لـ «ستراتفور» إنّ هناك أصواتاً داخل الدائرة الرئاسية تطالب بعودة وزير المال الأسبق، الكسي كودرين، الليبرالي الاقتصادي والقريب الى الغرب، وجعله رئيساً للوزراء.
من جهة أخرى، هناك جناح ايفانوف وغيره في قيادة النظام، الذين يرون أن المواجهة مع الغرب محتّمة، وأن على روسيا بناء اقتصاد حرب والتخلي عن أوهام الشراكة، والافتراض الدائم بأن كل مؤسسات الغرب ستتحول، في اية لحظة، الى سلاح ضدها (وصولاً الى شركات التصنيف المالي، كـ «موديز» التي خفضت السندات الروسية – يوم الجمعة – الى رتبة تلامس الـ «جانك بوند»، مهددة بقطع روسيا عن أسواق المال ورفع كلفة استدانتها بشكل كبير).
التحديات التي تواجه روسيا أبعد من التأقلم مع أسعار منخفضة للنفط، وحاجاتها الاستراتيجية أعقد من تأمين موازنة الدولة، ومنها بناء صناعات تصديرية منتجة، أو سوق داخلية كبيرة تسمح بالتطور والنموّ بعيداً عن تصدير المواد الخام و»تعاون» الدول الغربية – وهذه الميزة، تحديداً، هي أهمّ درعٍ تملكه الصين اليوم.