بمناسبة الذكرى الثلاثين لحادثة الاعتداء على الحرم المكي من جماعة جهيمان العتيبي التي اقتحتمه في 1/1/1400 هـ أجد من الضروري أن تعاد قراءة الرواية الرسمية والمحلية عبر بيانات وكالة الأنباء السعودية (واس) ووزاة الداخلية وبعض ما نشرته الصحف السعودية وقتها عن هذا الحدث المحوري في تاريخ المملكة وربما تاريخ العالمين العربي والإسلامي
أحمد عدنان *
في استعادة حادثة الاعتداء على الحرم المكي من جماعة جهيمان العتيبي بعد ثلاثين عاماً على وقوعها، أردت أن أركز على الرواية الرسمية والمحلية لأسباب عدة منها: إتاحة الفرصة للباحثين لقراءة الخطابين الرسمي والإعلامي والمقارنة مع المصادر الأخرى، وإعادة القارئ إلى الأجواء العاطفية والسياسية لتلك المرحلة ومحاولة تعريفه بما جرى، لأن كثيراً من القراء لم يعايشوا تلك الأحداث.
وأود بداية أن أعطي بعض الملاحظات على هذه الرواية، كصحافي لا كؤرخ، قبل أن أتركها تنساب للقراء دون أي تدخل مني أو تعليق سوى في أضيق الحدود. أولى الملاحظات، أنه رغم ضخامة الحدث وأهميته، فإن تغطيته لم تتوازَ أبداً مع هذه الضخامة والأهمية، وسنلاحظ قلة المواد التي حاولت تفصيل ما جرى داخل الحرم وركز جلها على تناول الحدث من خارجه، هذا إذا تغاضينا، من الأصل، عن قلة البيانات التي صدرت عن وزارتي الداخلية والإعلام والتي بررها وزير الإعلام وقتها د. محمد عبده يماني بعدم اعتماد منهج الإثارة والتهويل! كما أننا سنلاحظ ركاكة لغوية ومهنية في بعض البيانات الرسمية والتغطيات الصحافية وتسابق بعض التصريحات والتغطيات على إعلان انتهاء الحادثة مبكراً، إضافة إلى بعض التضارب في تصريحات المسؤولين لعلي أحيله إلى أسباب تنسيقية بالدرجة الأولى.
هذه الملاحظات أضفت غموضاً طبيعياً ومفهوماً، بالنسبة لذلك الوقت، على الرواية السعودية للحادثة. ولكن في المقابل، يتضح تماماً، مقدار الصرامة الإعلامية التي جرى التعامل بها مع الحدث تمثلت في التأكيد والتكرار والتذكير إلى درجة المبالغة والملل والدعائية بخروج هذه الفئة الباغية والفاسدة، لا الضالة كما نسمع اليوم، عن الإسلام. ومن وجهة نظري، فإن هذه الصرامة، وهذه المبالغة، ملمح إيجابي يستحق الثناء لأنها تعكس منهج الحزم في التصدي للحادثة والفكر الذي أفرزها، ولعلنا في أمسّ الحاجة هذه الأيام لاستعادة هذا المنهج الصارم في الحرب على الإرهاب داخل المملكة من الناحية الفكرية والإعلامية والثقافية توازياً وتكاملاً مع الصرامة الأمنية والعسكرية التي تنتهج بنجاح.
من جهة أخرى، نلاحظ حرص الرواية الرسمية على التأكيد أن الملك خالد لم يعط توجيهاته ببدء تحرير الحرم أو تطهيره إلا بعد فتوى شرعية من العلماء جميعاً. وسنلاحظ أن الملك ربط بين تطهير الحرم وتحرير القدس تحت تأثير فورة القضية الفلسطينية أو نهايات تلك الفورة... كما أن الملك أدغم فتوى أخرى للعلماء داخل خطابه الذي اعتمد تنفيذ أحكام الإعدام، ومن اللافت أيضاً نفي الأمير نايف أي صلة خارجية بـ(جهيمان) ورفاقه، وفي المقابل رفض مسؤولون آخرون أي بعد اجتماعي أو سياسي داخلي لها! وبالتالي انعكس هذا على التغطية الإعلامية التي عزلت الحادثة عن سياقاتها الدولية والمحلية.
والآن، نبدأ بالبيان الأول الذي أصدرته وزارة الداخلية في 1/1/1400هـ: اغتنمت زمرة خارجة على الدين الإسلامي صلاة فجر يوم الثلاثاء 1/1/1400 هـ وتسللت إلى المسجد الحرام ومعهم بعض الأسلحة والذخيرة وقدموا أحدهم إلى جموع المسلمين الموجودين بالمسجد الحرام بمكة المكرمة لأداء صلاة الفجر، مدعين له بأنه المهدي المنتظر، ونادوا المسلمين الموجودين بالمسجد الحرام للاعتراف به بهذه الصفة وتحت وطأة السلاح منهم، وقد قامت السلطات المختصة باتخاذ كل التدابير للسيطرة على الموقف. وبناءً على فتوى من العلماء جميعاً اتخذت الإجراءات لحماية أرواح المسلمين الموجودين بالمسجد الحرام (لم يستقر الخطاب الإعلامي أو الرسمي على وصف جماعة (جهيمان) فهم إما «زمرة» أو «فئة باغية» أو «خوارج» أو «مسلحون» وفي المقابل كان الحديث عن الجنود مطعماً بالنكهة الدينية فهم «مجاهدون» ويسعون لـ«الشهادة»، وأعتقد أن هذا مفهوم لسحب المشروعية الدينية من جماعة جهيمان).
حرصت الرواية الرسمية على التأكيد أن الملك خالد لم يعط توجيهاته ببدء تحرير الحرم إلا بعد فتوى شرعية من العلماء جميعاً
بيان من وكالة الأنباء السعودية (واس) مساء 1/1/1400 هـ تحت عنوان (فتوى أصحاب الفضيلة العلماء) أنقل موجزه الذي نشرته الوكالة في بداية بيانها: في يوم الثلاثاء الأول من الشهر المحرم 1400هـ دعانا نحن الموقعين أدناه جلالة الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود فاجتمعنا لدى جلالته في مكتبه في المعذر وأخبرنا أن جماعة في فجر هذا اليوم بعد صلاة الفجر مباشرة دخلوا في المسجد الحرام مسلحين وأغلقوا أبواب الحرم وجعلوا عليهم حراساً مسلحين منهم وأعلنوا طلب البيعة لمن سموه المهدي وبدأوا مبايعته ومنعوا الناس من الخروج من الحرم وقاتلوا من مانعهم وأطلقوا النار على أناس داخل الحرم وخارجه وقتلوا بعض رجال الدولة وأصابوا غيرهم وأنهم لا يزالون يطلقون النار على الناس خارج المسجد، واستفتانا في شأنهم وما يعمل معهم فأفتيناه بأن الواجب دعوتهم إلى الاستسلام ووضع السلاح، فإن فعلوا قبل منهم وسجنوا حتى ينظر في أمرهم شرعاً، فإن امتنعوا وجب اتخاذ كل الوسائل للقبض عليهم ولو أدى إلى قتالهم وقتل من لم يحصل القبض عليه منهم. (وقع على هذا البيان قرابة الثلاثين عالماً من أبرزهم: الشيخ عبد الله بن حميد، الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ راشد بن صالح بن خنين، الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير، الشيخ ناصر بن عبد العزيز الشثري، الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع، الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، الشيخ محمد البشر، الشيخ محمد إبراهيم العيسى، والشيخ محمد علوي مالكي، ووفق رواية شخصية قالها لي أمير بارز بأن بعض المؤرخين يتهمون الملك خالد ظلماً بضعف الشخصية ولكنهم لو حضروا هذا الاجتماع لتأكد لهم بطلان زعمهم، وانتقد الأمير ــــ وهو على حق ــــ تجاهل المؤرخين قرار الملك خالد التاريخي بتطهير الحرم وتحريره من عصابة جهيمان الذي يعد قراراً محورياً وشجاعاً وفاصلاً لمصلحة الوطن العربي السعودي، على صعيد آخر يروي بعض وجهاء مكة بأن الشيخ محمد علوي مالكي ــــ رحمه الله ــــ اتخذ يومها موقفاً حازماً إزاء بعض المترددين من الحضور سبب له محنة طويلة في ما بعد وصلت إلى درجة تكفيره! ولم تنته هذه المحنة حتى دعوة المالكي لمؤتمر الحوار الوطني سنة 2003 في مكة.
وينفي الأمير نايف (وزير الداخلية) لـ(واس) بتاريخ 3/1/1400 هـ  أي علاقة بين الحادثة والولايات المتحدة ويوضح، أيضاً، أنه لم يثبت انتماء هذه المجموعة إلى إيران أو إلى جنسية أخرى، ويعلن أن قوات الأمن أحكمت سيطرتها التامة على الموقف داخل المسجد الحرام، وأنه بات في حكم المؤكد أن تنتهي الحادثة المشؤومة صباح اليوم .. وقال إن قوات الأمن استطاعت أن تعالج الموضوع بحكمة بالغة مكنتها من السيطرة على جميع أجزاء المسجد الحرام دون وجود مضاعفات (اتهام الولايات المتحدة سببه أن وسائل الإعلام الأميركية كانت أول من أعلن عن حادثة الحرم، أما إيران فقد أثنى وزير الداخلية على شجبها المبكر للحادثة في مؤتمره الصحافي الأخير).
ويصرح د. محمد عبده يماني وزير الإعلام في 3/1/1400 هـ لـ(واس) أن الدولة ستستمر في معالجة موضوع المسجد الحرام بالحكمة للانتهاء منه خلال ساعات، وأن الموضوع في سبيله للانتهاء، وأنه قد قُبض على معظم أفراد المجموعة الخارجة ونفى شائعة مقتل الأمير مشعل بن عبد العزيز (الاستعجال في إعلان معالجة الحادثة يستحق التأمل والانتباه!).
 وأكد وزير الإعلام في بيان لـ(واس) بتاريخ 4/1/1400هـ أن الوضع في المسجد الحرام بمكة المكرمة مستتب ويدعو إلى الاطمئنان، حيث إن قوات الأمن تسيطر سيطرة كاملة الآن على كل أرجاء المسجد وتعتقل فلول تلك الفئة الباغية من الزمرة التي قامت بهذا العمل الإجرامي الشنيع في أطهر بقعة وأقدس مكان على وجه الأرض. وذكر أنه سيجري بإذن الله إنزال الجزاء الصارم بها وفي من تسوّل له نفسه العبث بالأماكن المقدسة وبأمن أبناء هذا البلد وطمأنينتهم.
في 5/1/1400 هـ أدلى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ محمد السبيل للصحافي خالد الحسيني في صحيفة (البلاد) ببعض التفاصيل عن قصة الاقتحام، يقول (السبيل) الذي قدر المسلمين الموجودين في الحرم وقت الحادثة بمئة ألف: «كان هؤلاء (المسلحون) بعد انتهاء الصلاة يقومون بالدوران ويخترقون الناس بعجلة، وإذا رأوا شخصاً وتبين لهم أنه مواطن قالوا له اذهب وبايع المهدي .. وقد تسلل نفر منهم إلى غرفة مكبرات الصوت واستعملوها في مبايعة من سموه المهدي» ثم روى (السبيل) قصة هروبه من الحرم: «خرجنا بين التسلل وبين غير ذلك مع الجمهور الذي خرج من النفق بعدما تم إقفال كامل للأبواب من قبل هؤلاء المجرمين، وعند خروجي مع مجموعة من الحجاج بعدما تركت مشلحي (عباءتي) أقبلت على الباب وإذا بي أقف أمام 6 مسلحين وخرجت من وسط الناس دون أن يلاحظوا من أنا وإلا كان الأمر غير ذلك».
أما في 6/1/1400 هـ فتفاجئنا صحيفة (الندوة) بنشر الخبر التالي: «استكملت قوى الأمن الليلة الماضية تطهير المسجد الحرام من المقتحمين وسيطرت عليه واعتقلت جميع أفراد المجموعة الشريرة التي انتهكت حرمات المسجد فجر الثلاثاء الماضي» (وهو خبر غير دقيق بالمرة).
وصرح وزير الإعلام بتاريخ 7/1/1400 هـ لـ(واس) تصريحاً طويلاً أوجزه بما يلي: لم نصدر بيانات يومية لأن سياستنا الإعلامية تبتعد عن الإثارة والتهويل وتعتمد نشر الحقائق كاملة، وجهات الأمن تسير بالتدرج للقبض على مقتحمي بيت الله الحرام ثم تقديمهم إلى الحكم الشرعي العادل.
وفي اليوم نفسه كانت صحيفة (المدينة) تنشر خبراً غريباً لا يقل في غرابته عن خبر (الندوة) عنوانه: «القبض على رئيس الشرذمة المارقة والبقية الباقية منها» ومما جاء فيه: «علمت (المدينة) بأنه تم القبض على المهدي المزعوم محمد عبد الله القحطاني والقبض على والدته وزوجته وأخواته، مما يتضح أن المهدي المزعوم كانت ترافقه عائلته وقد أصدر المقام السامي أوامره للجهات المختصة بالإسراع في إصلاح التلفيات .. ومن جهة أخرى قام رجال الأمن بإخراج جميع الرهائن المحتجزين من اليوم الأول داخل المسجد الحرام، وكان المجرمون ينفذون خطة داخل المسجد تتمثل في استخدام الرهائن في نقل العتاد للمقاتلين من المجرمين وكذلك الإعاشة والماء .. وكانت معنويات القوات السعودية مرتفعة جدا .. وقد صرح بعض الرهائن الذين أخرجهم رجال الأمن بأنهم قد ولدوا من جديد» (سيتضح لاحقاً أن هذا الخبر لم يكن دقيقاً هو الآخر!).
نشرت صحيفة (الجزيرة) في 8/1/1400 هـ خبرا مفاده أن قوات الأمن نجحت في حصر قائدي الخوارج وبقية أفرادهم في الدور السفلي من الحرم. وقالت الصحيفة إن المواطنين والحجاج أكدوا لها أنه لم تُخلَ المساكن القريبة من المسجد الحرام والحركة طبيعية (بعض المعاصرين للحادثة يتحفظون على الشق الثاني من الخبر وتحديداً الحركة الطبيعية!).
وينفي وزير الإعلام لـ(واس) في 13/1/1400 هـ حدوث أي اضطرابات في المملكة وأن الفتنة اقتصرت على المسجد الحرام (وهذا النفي لم يكن موفقاً لأنه كانت قد بدأت في المنطقة الشرقية احتكاكات بين مجموعات شيعية وقوات الأمن في ما يعرف بـ«انتفاضة 1400» ولمّح الأمير نايف لها في مؤتمره الصحافي الختامي نافياً أن يكون لها أي صلة بحادثة الحرم، ولكن اللافت أن الحيز الزمني بين الثورة الإسلامية في إيران وحادثة الحرم و«الانتفاضة» لا يتجاوز السنة، وللمزيد عن تفاصيل «الانتفاضة» مراجعة مقالي «الإصلاح والمعارضة في السعودية» بتاريخ 11 حزيران 2009 في الأخبار ).
أعلن وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز  في 15/1/1400 هـ لوكالة الأنباء السعودية التصريح التالي: تم بعون الله وتوفيقه في الساعة الواحدة والنصف من صباح هذا اليوم تطهير قبو المسجد الحرام من جميع أفراد الطغمة الفاسدة الخارجة على الدين الإسلامي وقد أسر وقتل جميع من فيه.
نفى الأمير نايف أي صلة خارجية بـجهيمان ورفاقه، فيما رفض مسؤولون آخرون أي بعد اجتماعي أو سياسي داخلي للحركة!
ونقلت (واس) عن الأمير نايف مساء يوم التطهير أيضاً تصريحاً بعدما سأله مندوب الوكالة عن ارتباط عصابة الحرم بأي دولة إسلامية: «ليس لأي ناس أو دولة أجنبية صلة بهم»، فسأله عن مصير المهدي المزعوم فأجاب: «الذي نعرفه إلى الآن أنه مقتول» (أعلن الأمير نايف في اليوم التالي التعرف على جثة المهدي المزعوم محمد عبد الله القحطاني في أحد أقبية الحرم المكي).
في اليوم التالي، نشرت (الجزيرة) إجابة الأمير نايف عن سؤال لأحد محرريها عن الشائعات التي تناولت عملية التطهير، أجاب الأمير: الشائعات المغرضة نحن نسمعها ولكنها مغرضة ومن جهات غير أمينة في إيراد المعلومات ومعروفة بعدائها للإسلام والمسلمين. وفي الواقع نحن نقدر كل التقدير ردود الفعل العربية والإسلامية على المستوى الرسمي والشعبي. (الشائعات التي قصدها الأمير نايف يغلب ظني أنها مشاركة قوات فرنسية في التطهير والتحرير، وهي شائعة لم تكن تخلو من مبالغة لأن الصحيح هو طلب السلطات السعودية من فرنسا دعماً لوجستياً تمثل في 3 ضباط أقاموا بأحد فنادق الطائف يرأسهم ضابط رابع في باريس من أجل الاستشارات التدريبية والتخطيطية، وسبب اختيار فرنسا عدم الحاجة إلى موافقة البرلمان للحصول على الدعم، ومن الطريف أن مصدر هذه الشائعة هو الكابتن باريل أحد الضباط الذين أرسلوا إلى الطائف والتفاصيل الكاملة حول هذه النقطة متوافرة في كتاب «حصار مكة» للصحافي ياروسلاف تروفيموف).
ومن الضروري أن ننبه إلى أن (واس) في 12/2/1400 هـ أصدرت البيان التالي: صدرت موافقة المقام السامي بقبول استقالة صاحب السمو الملكي الأمير فواز بن عبد العزيز أمير منطقة المكرمة لأسباب صحية.
وكشف الأمير نايف في 20/2/1400 هـ في ندوة أقامتها جامعة الرياض بأن المهدي المزعوم من أصول مصرية، وصل جده مع غزو الأتراك لعسير وسمي بأسماء القبائل هناك ولا صلة له لا بقريش ولا بنسب الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال أيضا: «المعتدون على حرمة البيت معروفون لدى أجهزة الأمن، وقد سبق أن أوقفوا وقبض عليهم ولكن المشكلة أنهم كانوا يتسترون وراء الدين ويتصرفون باسم الاجتهاد والإرشاد».
أقام الأمير نايف مؤتمراً صحافياً ختامياً في 25/2/1400 هـ قال فيه: «أحب أن أصحح كلمة وصفت عن هذه الفئة بأنها باغية، فالواقع أنها أكثر من باغية فهي مجرمة وخارجة» ونفى أي صلة بين استقالة الأمير فواز وحركة التنقلات العسكرية وحادثة الحرم ورفض تهمة الترهل الأمني «فهؤلاء الجماعة لم يكونوا مجهولين لدينا .. وإنما المفاجأة لنا أن الحدث حدث بهذه السرعة فهم لم يقرروا دخول الحرم إلا في 25 ذي الحجة» وأضاف بأنه لم تكن لهم أي مطالب سوى مبايعة المهدي «ولم نسمع أنهم طالبوا بوقف البترول عن أميركا»، وتحدث عن الكويتيين والمصريين من أفراد المجموعة بأنه لم تثبت صلة بين المصريين وجماعة (التكفير والهجرة) ولكن كانت هناك صلة مع الكويتيين وأبلغت السلطات الكويتية بذلك، وتحدث بتفصيل أكثر عن فكر (جهيمان) ورفاقه: «دعوتهم وأسلوبهم عندما بدأ قبل سنوات كان أسلوباً عادياً ولم يكن عليه خلاف، وكان بعضهم يشترك في ندوات علمية في المساجد، وفي السنوات الثلاث الماضية شددوا مما جعل بعض الرجال الذين لهم بهم صلة أن يبتعدوا عنهم .. يريدون فقط مخالفة الجميع ويشككون ليس فقط في علمائنا، بل في من سبقهم، بل تعرضوا أكثر من ذلك إلى الصحابة والخلفاء الراشدين .. ونعترض أنه بما حدث منهم قضي عليهم تماماً وسنجتث جميع جذورهم».
وفي اليوم نفسه كانت (واس) قد نقلت تصريح وزير الإعلام لمجلة (المستقبل)  الذي رفض فيه الربط بين حادثة الحرم وجذور اجتماعية وسياسية، وقال: «إن ما جمع أفراد الفئة الضالة هو انحراف فكري نتج من غلو في الدين» وقال وزير الإعلام إن هناك صلات فردية بين بعض المصريين وجماعة التكفير والهجرة (لا يمكن قراءة حادثة الحرم دون ربطها بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية داخل المملكة والمحطات الإقليمية الكبرى في المنطقة وتأثيرها على جماعات الإسلام السياسي والحركي والتيارات السياسية المختلفة، أما إصرار الرواية الرسمية على فصلها عن كل ذلك إن كان مفهوماً وقتها فإنه ليس مبرراً اليوم).
ونقلت صحيفة (الرياض) يومها حوار الأمير فهد (ولي العهد وقتها) لصحيفة (السفير) المنشور في 22/2/1400 عن حادثة الحرم، وقال الأمير فهد واصفاً مقدمات الحادثة: «إن هذا الحدث نعيشه منذ 6 أو 7 سنوات ونعرفه بالضبط، هناك مجموعة تحاول جعل العقيدة الإسلامية أو التحدث باسم العقيدة الأساس في التوجه الذي تسير عليه، ويأتي أفرادها إلى المسجد وإلى الناس البسطاء ويحاولون إفهامهم بطريقة أو بأخرى أن العقيدة بدأت تضعف في المملكة وأنه لا بد للقاعدة الإسلامية أن تنتبه .. وللأمانة أذكر أننا قد اتخذنا في بعض الأحيان إجراءات ضدهم في السابق وتدخل بعض الإخوان للإفراج عنهم عن حسن نية لأن من تدخل كان يعتقد أنهم ربما يكونون مفيدين في الدعوة .. وحول السلاح لا بد من الإشارة إلى أن كل بيت في السعودية يمتلك السلاح» وذكر أن مجموعة (جهيمان) أدخلت السلاح إلى المسجد بعدما دفعت رشوة لأحد بوابي الحرم مقدارها 40 ألف ريال، وقال إن هذه المجموعة لديها كتب ونشرات طبعت في مطبعة (الطليعة) بالكويت دون علم السلطات الكويتية، ووصف الأمير فهد رئيس المجموعة: «جهيمان رجل ساذج عادي لا يستطيع ولا يحسن التعبير لا من الناحية اللغوية ولا من ناحية التفكير» ورفض أن تكون للحادثة أي جذور داخلية أو ارتباطات خارجية، وقال لـ(واس) في اليوم نفسه إن العنف أصبح ظاهرة عالمية، لكن الدولة لن تسمح بأن يصبح العنف وسيلة للحوار في مجتمعنا، مضيفا: «سنظل نتصل ونختلط ونعطي ونأخذ من العالم حولنا ولكن بالمقدار الذي يتناسب مع بيئتنا .. والجريمة التي ارتكبت على أرض المسجد الحرام لن تمر دون أن نمحصها ونحللها وندرسها دراسة دقيقة ومفصلة» (حديث ولي العهد ووزير الداخلية عن مراقبة جهيمان ورفاقه ومعرفتهم تطرح تساؤلات عدة حول استغلال بعض الجماعات سلطة الخطاب الديني في تمرير أجندات خاصة من دون محاسبتهم لفترة تخلق نتائج تصل إلى حادثة الحرم أو ما يشابهها).
وصدر بتاريخ 2/5/1400 هـ القرار الملكي بتعيين الأمير ماجد بن عبد العزيز أميراً لمنطقة مكة خلفاً للأمير فواز لتنتهي المفاعيل الظاهرة لحادثة الحرم وتبدأ محرضاتها الكامنة، التي لم تعالج بجدية وعمق، فيكتب تاريخ جديد للمملكة بعدها يختلف تماماً عما قبلها لدرجة أوصلت الكثيرين إلى القول «قتلنا جهيمان وتبينّا فكره» التي تتناقض تماماً مع الصرامة الإعلامية والسياسية المستخدمة في مواجهة جهيمان نفسه، فما الذي غيرته الحادثة أو ماذا تغير بعدها أو بصيغة أدق .. ما هي دلالتها الرمزية والاجتماعية والثقافية والسياسية؟! أليس من الضروري نشر أوراق التحقيق مع جهيمان ورفاقه وتعاد رواية القصة بكل تفاصيلها من جديد على نحو أكثر شمولية ووضوحاً لحق المواطن في المعرفة وحق الدارس في المراجعة؟! وهل يعقل ألا نجد في المكتبات أي كتاب لباحث سعودي  يتصدى لهذه الحادثة بالدرس والتحليل باستثناء كتاب لأحد المعارضين نشره باسم مستعار؟! أليست بعض هذه التصريحات تبدو، أحيانا، وكأنها وليدة اليوم أو ملبية لواقع معيش؟! تُرى من يروي .. ومن يستمع .. والأهم .. من يعتبر؟!
* صحافي سعودي