جنان نويهض سليم *لقد أعدتُ قراءة افتتاحية سماح إدريس، موضوع الدعوى التي رفعها فخري كريم عليه. لقد كشف حقائقَ وصحّح أخرى (مستنداً إلى مصادرها) بوضوح واقتناع، وبجرأة تستمدّ قوتها من ضمير حيّ لصاحب مبدأ، ولناقدٍ ـــــ كاتب يؤمن بدور الصدق والأمانة في رسالة الأدب والإعلام، ويتشبّث بمسؤوليّته تجاه تصحيح كل ما قد يصل مشوّهاً أو مغلوطاً للقارئ العربي.
هي أيضاً حربُ كلّ مَن يؤمن بحماية الصدق والأمانة في الكتابة، والجرأة والصراحة في الرأي
من المحزن جداً أن ُيستمال القضاءُ على هذا النحو. ومن المحزن أكثر أن يَشّلَ الأقلامَ الحرّة قانونُ مطبوعاتٍ هو أعجزُ من أن يفرِّق بين قدح وذم شخصيين (يُطبع منهما في لبنان بالأطنان!) وبين ما يُكتب بقلم يؤمن صاحبُه بمسؤوليّة قلمه في التنوير والتطوير والتأثير، فلا يكتب إيماناً بحقه في حريّة الرأي فحسب، بل إيماناً منه أيضاً بحقّ القارئ في العالم العربي وخارجه في الوصول إلى لبّ الحقائق التي يموّهها ويلوّنها ويتجاهلها ويتلاعب بها الكثيرون لتتماشى مع مشارب معيّنة أو لتخدم مصالح شخصيّة. لا أرى أمر هذه الدعوى سوى محاولة يائسة لتنظيف سمعة الداعي من طريق القضاء، وعلى حساب «الآداب»، كممثلةٍ عن الضمائر الحيّة من كتّاب ونقّادٍ وإعلاميين شرفاء. والتعويل هو على عدالة محكمة الاستئناف، في المرحلة المقبلة. ولنأمل أن تُظهر هذه الدعوى الخاسرة، حتى لو ربحتْ جولتها الأولى، ضرورة تعديل قانون المطبوعات الذي أربَحها شوطهَا الأول، للأسف الشديد.
أنا لست ملمّة بقانون المطبوعات الحاليّ في لبنان، لكنْ إنْ كان من الضعف إلى درجة استغلاله لتبييض ما اسودّ من صفحاتٍ شخصيّةٍ على حساب العالم العربي وحساب النشر النزيه، فهذا يشين بلداً يمارس الديموقراطية حقاً ويدّعي حرية الرأي. ثم ماذا عن سمعة النشر في لبنان؟ ماذا عن حقّ أبناء الوطن العربيّ في معرفة الحقيقة؟ وماذا عن خيانة ثقة القرّاء، هؤلاء الذين يتابعون ما يَصدر ويُنشر ليتقصّوا الحقائق، وليثقفوا أنفسهم من طريق أقلامٍ اعتادوا أن يثقوا بها؟ كيف يغربلون ما يقرأون؟ وماذا عن تشويه الصور التي نصدّرها إلى الخارج؟ أتمنى من كل قلبي أن تربح «الآداب» حربها، فهي أيضاً حربُ كلّ مَن يؤمن بحماية الصدق والأمانة في الكتابة، والجرأة والصراحة في الرأي والتعليق، والنقد البنّاء وغير المتحّيز لمصالح شخصية، بل لخدمة القارئ العربيّ وقضايا الوطن والنزاهة عامة في كل ما يُكتب ويُنشر من مطبوعات في لبنان.
* كاتبة لبنانية مقيمة في كندا