طلال يحفوفي *ذات يوم شرّفني المرحوم الدكتور سهيل إدريس بمرافقته خلال جولته الأخيرة في الإمارات العربيّة المتحدة استنهاضاً لأصدقاء مجلة الآداب التي كانت ـــــ وما زالت ـــــ تترنّح تحت ضغوط العجز الماليّ. كنتُ أعمل يومها إعلاميّاً في الإمارات قبل عودتي إلى بيروت. يومَها كتبتُ عموداً في مجلة زهرة الخليج عنوانُه: «أنقِذوا الآداب من قلّتها». وأشرتُ في سياق النصّ إلى أنّني لا أعني بـ«القلّة» العثرةَ الماليّة، وهي أول ما قد يتبادر إلى الذهن، بل قصدتُ قلّة الآداب (بمعنى قلّة الأدب) التي زادت هيمنتُها على الساحات كلّها، سياسيّةً واجتماعيّةً وفنيّةً وثقافيّةً، بحيث إنّ ميزانيّة ألبوم غنائيّ واحد من ألبومات «الطقش والفقش» تكفي ـــــ ويا لخجلي ـــــ لتمويل مجلة ثقافيّة عدّة سنوات.
واليوم، وكأنه لا تكفي الآدابَ (بمعنييها) محنتها، حتى انقلب عليها مريدون سابقون يضغطون لإقفالها لأنها تكاد تكون آخر متراسٍ ثقافيّ لعيونٍ عربيّةٍ تقاوم المخرزَ الأميركيّ. وهي التي تصدّت لأشرس معارك التغريب، رافعةً رايةَ اللغة القوميّة العربيّة، بحثًا ونقداً وإضاءةً وتبنّياً لمبدعين تحوّلوا عبر منبرها إلى قاماتٍ عملاقةٍ أعادت كتابة النهضة العربيّة شعراً ونثراً منذ الخمسينيّات وحتى اليوم.
نعم، نقولها اليوم من جديد: هذه ليست «قضيّة الآداب»، بل «قضيّة آداب» [...]، ويجب أن تُنقل من محكمة المطبوعات إلى شرطة الآداب!
ويا صديقي سماح،
صحيح أنّ الذي «يتلقّى العصيَّ ليس كمن يَعدّها»، غير أنّ الشجرة المثمرة هي وحدها التي تُرشق بالحجارة. وفي مطالعة محامي فخري كريم القضائيّة نفسها أكثرُ من عبارةٍ تؤكّد أهميّة مجلة الآداب وخطورة دورها في تحريك الرأي العام العربيّ وتوجيهه.
* إعلاميّ لبنانيّ 
(موقع sawtak.com)