حسان الزينالحرب مقبلة. يبدو الأمر كذلك. الأفرقاء كافّة يعدّون المسرح.
إسرائيل تكابش أميركا لتفرض عليها خريطة طريقها، ومحورها الهجوم على حزب الله ـــــ إيران ـــــ سوريا، أو إيران ـــــ حزب الله ـــــ سوريا، وتالياً الحصول على موقف مؤيّد وداعم، وعلى أدوات الحرب وسلاحها ووقودها وتمويلها وجوّها.
في المقابل، حزب الله يواصل استعداده، ليس ميدانياً فحسب بل سياسياً أيضاً، إقليمياً وداخلياً. ومن ضمن ذلك تسهيل أمر زيارة وليد جنبلاط إلى سوريا وتحوّله السياسي، والمشاركة دون تردد في طاولة الحوار، بالرغم من التباين مع صاحب الدعوة، رئيس الجمهورية. وتضم لائحة استعداد حزب الله فتح بعض العناوين الإقليمية والداخلية مع رئيس الحكومة سعد الحريري، بهدف الوصول إلى موقف منفرد، أو صلح منفرد، في ما يخصّ المقاومة وسلاحها.
إزاء هذا، أو في ظلّه، وفي انتظار تطورات المحكمة الدوليّة، يحاول الحريري القفز إلى الأمام: ينسحب من مشهد 14 آذار مع الحفاظ على مشهده في 14 شباط (2010 لا 2005)، وإذ لا يتقدّم في علاقته بدمشق، يحافظ على صورته الإيجابيّة مع الرئيس السوري بشار الأسد. وفي الوقت ذاته يولي الأهمية لتحرّك دولي يقوم به هو، مستعيداً نشاط أبيه، الرئيس الراحل رفيق الحريري. والهدف الأول من وراء ذلك، منع أي حرب إسرائيلية على لبنان. فالحريري، مستفيداً من تجربة أبيه في دروس العلاقة مع سوريا، وفي محاولة كبح إسرائيل أو تعقيم حربها مع حزب الله في ساحات معينة، وفي توفير مناخ دولي وإقليمي ومحلي مناسب في الحد الأدنى لمشروعه، يسعى إلى الحصول على أوراق ضغط تخفّف عنه عبء العلاقة مع سوريا وتهذّب الدور السوري في لبنان. وينطلق في هذه المعادلة من قاعدة أن الحرب الإسرائيلية على لبنان مكلفة جداً له، سياسياً قبل أن تكون اقتصادياً. فالحريري الذي يكافح لتجديد مشروع والده، هو الخاسر الأكبر من تلك الحرب، إذا وقعت. لذا، تراه يشتغل على محاور عدّة. داخلياً، يتعامل بالحد الأدنى من الإيجابية مع حزب الله. فهو يفاوض حزب الله وحلفاءه في عناوين سياسية، بما في ذلك المقاومة وسلاحها، وفي الوقت عينه يحرص على تأكيد وجود اختلاف في ما يخصّ سلاح المقاومة، إذ يدرك، أو كأنه يدرك، أنه إذا وقعت الحرب لا يمكنه أن يكرر موقفه في حرب تموز 2006، ولا السعودية يمكنها ذلك. فهذا، بمعزل عن نتائج الحرب، يضرّ استراتيجياً بمشروعه، بل بدوره المحوري في النظام اللبناني، ويضرّ أيضاً بالدور السعودي في لبنان والمنطقة.
وإقليمياً، المعادلة ذاتها تفرض نفسها على الحريري. فهو، من جهة، لا يريد الارتماء في الأحضان السورية، لكن من جهة أخرى تدفعه إلى ذلك الحربُ التي تخيّم على المنطقة مع التمادي الإسرائيلي في الاحتلال وتوسعة الاستيطان واستئصال الوجود الفلسطيني في القدس ورفض التفاوض مع الفلسطينيين وسوريا... وفي تهديد لبنان وحزب الله.
هذه الصورة تسهّل القول إن الحريري في وضع لا يُحسد عليه. ويتضاعف الوضع تراجيديةً إذا ما خطرت في البال فكرة وجود رابط ما بين تطورات المحكمة الدولية والحرب الإسرائيليّة على حزب الله.
وليد جنبلاط، الذي يطمح إلى أن يكون تحت مظلة النظام العربي والمشاركة في «الامتيازات» التي يوفّرها ذلك، علّق هذا الطموح، مرحلياً ربما، ويدبّر رأسه مع الحلف الذي يخسر إذا ما خاصمه، أو إذا ما استمر في خصامه.
الحريري يقاوم ذلك، ولا يُعينه على الأمر إلا تأجيل الحرب أو منعها. لكنَّ سيبة الحرب تركّب في المنطقة. فلسطين مع قضيتها تضمحلّان تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي وتعسّفه وتعنّّّته واستدارة الظهر العربي لهما. وإيران وسوريا وحزب الله حلف لا يبدو أنه سينكسر أو سيتنازل عن دوره، أو أدواره. واقتراب المحكمة من حزب الله يفجّر البلد... والحرب. فماذا سيفعل الحريري؟ هل يستطيع وقف حرب؟ أم يستجيب للنداءات السورية التي تفضي إلى صفقة أو تسوية مع حلف إيران ـــــ سوريا ــــــ حزب الله؟ أم تقع الحرب وهو في الطائرة؟ لكن، هذه المرة، فؤاد السنيورة ليس في السرايا الكبيرة.
موقف الحريري مفصليّ إلى حد بعيد في مسار الأحداث. إذا مشى بإيجابية مع حزب الله ـــــ سوريا ـــــ إيران، فقد يؤخّر الحرب، ربما أكثر من جولاته الدولية. بينما إذا بقي حيث هو، يكون مراهناً. إنه في سباق مع الوقت والأحداث، وفي أي وقت قد توفّر إسرائيل الذريعة للحرب، والكل يعرف أن حزب الله يسعى إلى الانتقام لقائده العسكري عماد مغنية.
موقف الحريري يحدّد؟ نعم! فإسرائيل تريده بعيداً عن حلف سوريا ـــــ إيران ـــــ حزب الله، وتتضرّر من اقترابه منه. لكن في الوقت نفسه، يشعر بأن ثمن اقترابه لن يكون مساوياً لدور أبيه، ولا سيما أن وضع حزب الله داخلياً وإقليمياً أكبر مما كان في نيسان 1996 وفي تموز 2006 وفي أيار 2008، ولا ملامح ناضجة لصفقة سعودية (عربية) سورية (إيرانية ـــــ حزب الله)، فهذه تنتظر خريطة طريق إسرائيل، أو مبادرة أميركيّة.