عبد العلي حامي الدينومن ثمّ، ليست هناك قضية للمرأة في الإسلام. القضية صنعت من طرف الغرب، وقد نجح الغرب في تحطيم جزء من أخلاقنا حينما فرض علينا خروج المرأة إلى العمل، ونجح في تشييء المرأة وتحويل جسدها إلى بضاعة، وهو بذلك يخطط للقضاء على الأسرة، آخر حصن بقي لنا في الإسلام!
شخصياً، أتفق مع جزء من هذه الأطروحة، لكنّي أختلف معها في أجزاء أخرى. أتفق معها في كون الإسلام قد كرّم المرأة، لكن المرأة أهينت، ولا تزال، على يد العديد من المسلمين. أتفق معها على كون المرحلة الاستعمارية قد مارست على مجتمعاتنا تأثيرات ثقافية عديدة، لكنّ خروج المرأة إلى العمل كان منذ العهود الإسلامية الأولى ولم يكن بدعة استعمارية. أتفق معها على أن الأسرة بدأت تخضع في بعض الأوساط الاجتماعية لخطر التفكّك والتأثر بالنزعة الفردانية، لكني أؤمن بقدرة الشعوب على حماية مقوماتها الثقافية والحضارية من الذوبان في الآخر...
لكني أختلف مع هذه الأطروحة في المقابلة التي يجريها الكثيرون بين الإسلام والمسلمين، بين التصورات النموذجية والواقع العملي، بين النظرية والتطبيق. نعم، ليست هناك مشكلة في الإسلام، لكن هناك مشكل حقيقي في فهم الإسلام، وفي التأويلات التي أعطيت للكثير من النصوص التي لها علاقة بالمرأة، ومنها الآيات التي تتحدث عن القوامة وعن الضرب، وآيات الإرث وشهادة المرأة. فكثيراً ما خضعت هذه الآيات لتفسيرات متأثرة ببيئات اجتماعية محافظة وميّالة إلى تهميش دور المرأة، هذه التفسيرات خرجت بها عن مقاصد التكريم والمساواة، ودفعت بها إلى الدونية والتهميش..
وقد أنتجت عصور الانحطاط، التي لم يكن أبطالها سوى من المسلمين، العديد من التصورات والممارسات الشائنة في حق المرأة ولا تزال هذه التصورات تؤثّر في مسيرة المرأة وفي موقعها الاجتماعي إلى اليوم ...
المشكلة اليوم هي أن العديد من النساء داخل مجتمعاتنا «الأبوية» يرَين أنّ السياسة من شأن الرجال فقط
أعرف بعض النساء اللواتي تعرّضن للضرب من طرف أزواجهن، آخرهنّ إحدى السيدات التي تتحمل مسؤولية العمل في البيوت كـ«خادمة» من أجل توفير لقمة العيش لأبنائها الثلاثة ولزوجها الذي يتعاطى المخدّرات، ولم يعد يمتلك الإرادة للعمل والإنفاق على بيته، ولم يكتفِ بذلك، بل أضحى يهدد زوجته بأن تسلمه ما تحصل عليه من دريهمات كل نهاية أسبوع، وإلّا فستتعرض للضرب أو المنع من العمل. وبعد فشل عدة محاولات لرأب الصدع بينهما، اضطرت الزوجة إلى رفع دعوى قضائية ضد زوجها، مطالبةً بأبغض الحلال عند الله، من أجل التحرر من تسلط هذا الرجل وجبروته عليها. إن مسؤولية المرأة العربية اليوم مسؤولية مزدوجة، فمن جهة: هي مطالبة بإعادة بناء علاقتها بالرجل على قاعدة المساواة، والتحرر من «سلطته» الأبوية والذكورية المستندة إلى فهم منحرف لمفهومي الطاعة والقوامة، وهو ما يفرض عليها النضال من أجل المزيد من تعزيز مكانتها داخل المجتمع وداخل العائلة لتحرير الأسرة من سلطة قمعية يمارسها العديد من الرجال على أبنائهم، الذين يتولّون بدورهم إعادة المنطق نفسه حينما يصبحون آباءً.
وهي مطالبة، من جهة أخرى، بالتحرر من التسلط الذي تنتجه المرأة اتجاه المرأة، فقد أثبتت العديد من الدراسات والأبحاث أن العديد من النساء داخل العديد من المؤسسات يتعرّضن للاحتقار والإهانة من طرف أربابهن في العمل. لا يتعلق الأمر بخادمات البيوت فقط، بل أيضاً بنساء يمارسن مِهناً مختلفة ويشتغلن تحت مسؤولية نساء مثلهن داخل الإدارة العمومية، وفي القطاع الخاص، لكنهن يفضّلن الاشتغال تحت رئاسة رجال، فراراً من تسلط المرأة وجبروتها، وعدم تقديرها لظروف النساء العاملات تحت إمرتها.
هذه الدراسات تؤكد أيضاً أن النساء العاملات تحت مسؤولية المرأة، يفضّلن العمل تحت إشراف الرجال لأن فرص الترقّي في المسؤولية تكون أفضل، كما يشعرن بأن مساحات التعبير عن كفاءاتهن وقدراتهن المهنية تكون أكبر مع الرجل، على عكس المرأة!!
هناك حاجة ماسة أيضاً إلى النضال من أجل تغيير النظرة الاحتقارية للوظائف التي تقوم بها المرأة داخل المنزل كربّة بيت، والاعتراف بالمهارات التدبيرية للمرأة في بيتها وقدرتها على إدارة شؤونه الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يؤهّلها أيضاً للقيام بدورها كاملاً في الحياة السياسية العامة وداخل المؤسسات التمثيلية البلدية والبرلمان، وفي كل المستويات القيادية الممكنة.
لكن المشكلة اليوم هي أن العديد من النساء داخل مجتمعاتنا «الأبوية» يرَين أنّ السياسة هي من شأن الرجال فقط، فهناك العديد من الدراسات الميدانية التي تفيد أنّ معظم النساء مقتنعات بأن الرجال لديهم القدرة على اتخاذ القرارات بطريقة أفضل من النساء في الميدان السياسي، ولذلك فإن معظمهن إذا خُيّرن بين التصويت للرجل أو للمرأة اللذين يحملان المستوى نفسه من حيث الأهلية والقدرة فإنهن سيصوّتن لمصلحة المرشح الرجل!
إن مثل هذه الاختيارات تعد مؤشراً واضحاً على تجذّر نوع من النظرة الدونية لدى العديد من النساء لأنفسهن، واعتقادهن الراسخ بعدم مساواتهن مع الرجل في العقل والإرادة وفي القدرة على اتخاذ القرار، ومساواته أيضاً في احتمال الوقوع في الخطأ وفي ضعف التقدير....
إن زمام المبادرة اليوم هو في يد المرأة من أجل تحرير نفسها وتحرير أطفالها أولاً من نموذج التربية التسلطية داخل البيت، وتأهيلهم للاندماج الإيجابي داخل المجتمع، ثم العمل ثانياً من أجل تحرير السياسة من الاحتكار الذكوري لها، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية للنساء.
لقد أسهمت المرأة عبر التاريخ في بناء العديد من الحضارات، وهناك أسماء خلّدها القرآن الكريم وخلّدها التاريخ، لكن هناك العديد من الأسماء التي حجبها الرجل، وحجبها التاريخ الذي كُتب بكثير من التحيّز وبغير قليل من الإنصاف...
* باحث وعضو المجلس الوطني
لحزب العدالة والتنمية في المغرب