هناك جوانب تثير القلق والريبة في الثقافة السياسيّة في لبنان. وهذه الجوانب تصعد وتخفت بناءً على المتغيّرات السياسيّة. هناك أطراف في لبنان تبنّت منذ إنشاء الكيان العقيدة الصهيونيّة. لنُدرج ذلك في كتب التاريخ. بعضهم جاهر بذلك (مثل إميل إدّه والمطران مبارك اللذين أدليا بشهادة رسميّة مناصرة للدعوة الصهيونيّة عام 1947)، وبعضهم عمل في الخفاء إلى أن جاهر بذلك عام 1982. وعندما ذهب أرييل شارون إلى منزل آل الجميّل في بكفيّا عام 1982 ليعزّي بوفاة أسوأ لبناني، لم يحتج إلى شرطي سير ليرشده إلى الطريق
أسعد أبو خليل *
ليس اللوبي الإسرائيلي جديداً في لبنان. وهناك من سيعترض على فكرة اللوبي الإسرائيلي. كان هذا ممكناً قبل الحرب الأهليّة في 1975. قبل تلك الحرب، كان خطاب المنظمات الفلسطينيّة و«الحركة الوطنيّة» يتهم الفريق الكتائبي ومن لفّ لفّه بأنهم ينفّذون مخطّطات إسرائيليّة في لبنان. كما أن «الحركة الوطنيّة» بكّرت (عن حق كما ثبت) في اتهام الفريق اليميني في الحرب بالعلاقة المباشرة ــــ الذيليّة طبعاً ــــ مع إسرائيل. وكان بيار الجميّل وابنه بشير ــــ أسوأ لبناني على الإطلاق ــــ يقسمان ويصرّان على أن لا علاقة لهما بإسرائيل. وكان بيار الجميّل يزيد أن من يتهمه بالعلاقة مع إسرائيل هو نفسه عميل إسرائيلي. وكان أسوأ لبناني يرفض أن يقطع علاقته مع إسرائيل لأنه كان يقول إنه لا علاقة له مع إسرائيل، فيما كانت زوجته تعدّ الأطعمة لأرييل شارون أثناء زياراته السريّة والعلنيّة إلى لبنان. إنّ كذب آل الجميّل لم يكن يختلف عن كذب الملك حسين الأردني الذي كان يصدر بيانات ملكيّة رسميّة منذ الستينات لينفي فيها أخباراً صحافيّة غربيّة عن لقاءاته السريّة مع إسرائيليّين.

هناك تطابق لا تشابه بين شعارات 14 آذار وشعارات إسرائيل
نستطيع أن نتحدّث عن نوعين من اللوبي الإسرائيلي في لبنان. هناك اللوبي الإسرائيلي المدفوع والمُرتهن مباشرةً للعدو، والذي يقوم بمهمّة العمالة التي قام بها ما يزيد عن 80 لبنانيّاً قُبض عليهم في السنتيْن الماضيتيْن. اللوبي الإسرائيلي المباشر هو رديف لنشاط الاستخبارات الإسرائيليّة العدوّة في لبنان، وهو ممنوع قانوناً وإن كان هناك تراخ أخلاقي وصحافي في التعامل مع الفعل الشنيع. أخبار القبض على شبكات العملاء الإسرائيليّين في لبنان لقيت اهتماماً في مجلّة «الإيكونوميست» الرصينة أكثر من التغطية شبه الغائبة في «النهار» أو «المستقبل» أو موقع «ناو حريري» (وفارس خشّان يزهو بأنه يرفض تهم العمالة لما ينوف على ثمانين من المتهمين). هذا اللوبي المباشر العميل لا علاقة له بطرفي النزاع في لبنان اليوم، لأن الطرفين يتفقان (لفظاً عند فريق 14 آذار) على العداء لإسرائيل. أي يجب ألا يُفهم تحليلي لمواقف فريق 14 آذار أنه محاولة للتماهي بين اللوبي الإسرائيلي المباشر ومن يمكن أن تندرج مواقفه ــــ بالصدفة وعفواً وبكثير من البراءة ــــ في إطار اللوبي غير المباشر، أو «هيك صاءبت» كما يقول حرّاس «ثورة (حرّاس) الأرز» عندما يُسألون عن التوافق والتطابق بين مواقفهم ومواقف جورج بوش وإسرائيل. أما أن إسرائيل كانت مناصرة لـ14 آذار فإلى درجة أن الإدارة الأميركيّة طلبت رسميّاً في ربيع 2005 من إسرائيل: 1) التوقّف عن الإشادة بفريق فقيد عائلته، رفيق الحريري. و2) التوقّف عن الزهو العلني بدور إسرائيل في تركيب القرار 1559 منعاً لإحراج آل الحريري ومؤيّديهم.
أما حزب الكتائب اللبنانيّة الذي ــــ وفق المراجع العبريّة والإنكليزيّة ــــ كان يتلقّى دفعات نقديّة من إسرائيل منذ الخمسينات، فيمكن أن يندرج تحت باب اللوبي الإسرائيلي المُباشر حتى اتفاق الطائف لأن الحزب ــــ هكذا يُقال لنا على الأقل ــــ قطع علاقاته مع إسرائيل منذ ذلك الحين. أي إننا نفصل هنا بين حزب الكتائب الحالي الذي يعتبر أن إسرائيل عدوّ (مع أن مستشار سامي الجميّل، جان بيار قطريب، هو متخرّّج الذراع «الفكرية» للوبي الصهيوني في واشنطن، أي «مؤسّسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» التي استضافت وليد جنبلاط في حقبة الغشاوة، أو حقبة ما بعد الغشاوة ــــ لم أعد أقدر أن أحدّد الفرق بدقّة ــــ لكن ذلك محض صدفة. والقطريب يعرّف عن نفسه ويُعرَّف عنه أنه ناشط في مجال «حقوق الإنسان» في منظمة تجمعه مع بيار عطا الله الذي لا صلة له اليوم بتنظيم حرّاس الأرز الإسرائيلي، والذي تحرص جريدة «النهار» على نشر بياناته باستفاضة (من باب العلم والخبر، ليس إلا) وبين حزب الكتائب الذي كان يقوم بأدوار سياسيّة وعسكريّة (غير معلومة بالكامل لليوم) في مقابل الدعم المالي والعسكري من إسرائيل الذي سبق الحرب الأهليّة اللبنانيّة. تقرأ مثلاً في جريدة «العمل» الناطقة باسم حزب الكتائب في 7 كانون الثاني 1967 أن نوّاب حزب الكتائب في مجلس النوّاب اللبناني تقدّموا بسؤال إلى الحكومة عن مبدأ مقاطعة إسرائيل وجدواها. أي إن حزب الكتائب في حقبة قيامه بدور اللوبي الإسرائيلي في لبنان، كان يسدّد دفعات سياسيّة ردّاً على دفعات ماليّة من إسرائيل. طبعاً، بعد اندلاع الحرب الأهليّة اللبنانيّة تضخّم دور اللوبي الإسرائيلي ليشمل القوات اللبنانيّة والجبهة اللبنانيّة (باستثناء فريق سليمان وطوني فرنجيّة آنذاك).
واللبيب لا بدّ أن يلاحظ أن هناك تطابقاً، لا تشابهاً، بين شعارات 14 آذار في السياسة الخارجيّة وشعارات إسرائيل عن لبنان. وسمير جعجع قال هذا الأسبوع، في زلّة لسان غير مقصودة، إنه وفريقه يعمدان إلى معالجة مسألة سلاح حزب الله منذ 2006، أي منذ فشل إسرائيل في اقتلاع سلاح حزب الله كما كان مأمولاً، وكما تمنّى رضوان السيّد في حديثه مع زميلة أميركيّة (عادت وروته له مُستفظعةً). ورئيس الأركان الأسبق في إسرائيل كتب بعد فشل إسرائيل في حرب تمّوز، وبعد تحقيق معجزة النصر البشري، أن خلفه في رئاسة الأركان تسرّع في الحرب وأن هناك في حوزة إسرائيل خططاً سياسيّة ضد حزب الله تعتمد على السياسية الداخليّة اللبنانيّة. لكن هذا لا يعني أن الفريق اللبناني الذي يردّد شعارات الأهداف الإسرائيليّة في لبنان يفعل ذلك بأمر من إسرائيل. لا أبداً. في الذهاب في هذا المنحى إجحاف وظلم. ولا يجوز إطلاق التهم جزافاً.
حديث فارس سعيد في برنامج «نهاركم سعيد» ــــ كان سعيداً إلى أن أطلّ ــــ قبل أيام لا يمكن أن يندرج في إطار اللوبي الإسرائيلي المباشر، بل في إطار اللوبي الإسرائيلي العفوي. لنقل إنه اللوبي الإسرائيلي البريء، والبريء جدّاً. فقد تحدّث بإسهاب عمّا سماه «معاناة» إسرائيل في المنطقة العربيّة، التي دعاها، من أجل إنهاء معاناتها، إلى «الانسجام» مع «النسيج» العربي. أي إن فارس سعيد، الذي لا يمكن أن يندرج في إطار اللوبي الإسرائيلي لأنه يعتبر، مثله مثل جورج عدوان وسمير جعجع وكل أوثق حلفاء إسرائيل في مرحلة سابقة، أن إسرائيل عدوّ، يتعدّى المطالبة بالتطبيع الكامل الذي وعدت به المبادرة العربيّة للسلام (التي أهداها توماس فريدمان إلى عبد الله بن عبد العزيز من أجل كسب رضى أميركا عن السعوديّة بعد تفجيرات أيلول، أو «حادثة» أيلول كما سمّاها سعود الفيصل في حديث مع جريدة «نيويورك تايمز») ليطالب بما هو أكبر من ذلك: أي إدخال الكيان الغاصب في الداخل العربي الصميم والحميم. ولكن للأمانة، لم يدعُ فارس سعيد الحركة الصهيونيّة إلى التمثيل في الأمانة العامة لـ14 آذار، ولم يطالب بعلاقة بين لبنان وإسرائيل، لكنه من أنصار فريق «لبنان آخر دولة عربيّة توقّع اتفاق سلام مع إسرائيل». ورفع الشعار بصورة يوميّة أو حتى دوريّة ينبئ بتحرّق وشوق لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل في أي لحظة. (طبعاً، كان لبنان ثاني دولة عربيّة توقّع اتفاق سلام مع إسرائيل، لكن ثورة مسلّحة فرضت على أمين الجميّل طيّ الاتفاق، بعدما كان قد وعد حلفاء بشير الجميّل الإسرائيليّين بأنه سيذهب أبعد من بشير في إرضاء إسرائيل، على ما ذكرت المصادر العبريّة). وسليل العائلة التي امتشقت التحالف مع إسرائيل منذ الخمسينات، سامي الجميّل، كان صريحاً بأن موضوع طاولة الحوار (التي وردت على قريحة ميشال سليمان بعد أيّام فقط من أمر الموسم من بان كي مون، وبلغة مندوب الصهيونيّة في الأمم المتحدة، تيري رود لارسن) يجب ألا يتطرّق إلى استراتيجيّا دفاعيّة للبنان، بل أن ينحصر البحث بـ«سلاح حزب الله».
يعني سامي الجميّل يريد أن يقول إن السلاح والعنف في لبنان يجب أن يكونا وقفاً على إسرائيل. وهذا هو لب موضوع اللوبي الإسرائيلي في لبنان. وهنا نتحدّث عن اللوبي غير المباشر الذي لا علاقة معروفة أو رسميّة له مع الكيان الغاصب، حتى لا نظلم أحداً أو أن نقع تحت طائلة القانون. لكن مطالبة حزب الكتائب بوقف مقاطعة لبنان لإسرائيل في 1967 عندما كانت إسرائيل تهدّد العرب يمنةً ويسرةً، وعندما كان هناك إجماع عربي رسمي (مُعلن على الأقل) وشعبي بمقاطعة إسرائيل، كانت لخدمة هذا الكيان بناءً على العلاقات السريّة. أما مطالب حزب الكتائب اللبنانيّة اليوم فهي ليست خدمة لإسرائيل، لأن حزب الكتائب لم يعد يتلقّى دفعات نقديّة من إسرائيل كما أنه قطع علاقاته بها واقتنع بـ«العروبة الحضاريّة» التي تشرّبها أنطوان زهرا وفريد حبيب وجورج عدوان أيضاً.
لكن ما أثارني في حمأة تهديدات إسرائيليّة وجوديّة صفيقة للبنان (والتهديدات تجاهر بوعود من جرائم حرب تفوق جرائم حرب سابقة لإسرائيل. والكيان الغاصب لم يحارب مرّة واحدة من دون الاستعانة المقصودة بجرائم الحرب، كما قال مناحيم بيغن في حديث مع جريدة نيويوركيّة ــــ النشرة اليهوديّة النيويوركيّة ــــ عام 1960 عن مجزرة دير ياسين: «لم تكن المجزرة مُسوّغة فقط، ولكن لم يكن انتصار إسرائيل ممكناً من دون نصر دير ياسين»)، هو مشهد تظاهر حفنة من حملة الجنسيّة اللبنانيّة ممن ينتمون لفريق «لبناني» باسم «ملتزمون». ومن الظلم أن نقول إن منظمة «ملتزمون» (بماذا يا ترى؟) تلتزم مصلحة إسرائيل، لأن في ذلك ظلماً وتهوّراً قانونياً. ثم إذا كان جورج عدوان (واحد من الذين نسّقوا للعلاقة مع إسرائيل في السابق) يقول اليوم من باب رفع العتب السياسي والقانوني إن «إسرائيل عدو»، وإذا كان سمير جعجع يستهلّ هجومه لساعة على أعداء إسرائيل ومقاوميها بعبارة «إسرائيل عدو»، فمن المتوقّع أن القائمين والقائمات (ومن الضروري التشديد على القائمات لأن التنظيم يحاول أن يظهر بصورة عفويّة أنه يعبّر عن أمهات لبنان وشبابه)، سيقولون محاكاةً لجعجع إن إسرائيل عدوّ. لقد قام تنظيم «ملتزمون» بتظاهرة قرب جريدة «النهار» لرفع بعض الشعارات المألوفة.
ومسؤولة التجمّع، دينا لطيف، دعت الطبقة السياسيّة والرأي العام إلى ضرورة «احترام السيادة»، بالإضافة إلى كلمات أخرى مألوفة في بيانات الأسبوع من جوقة الأمانة العامة لـ14 آذار. أما أن تدعو لطيف الطبقة السياسيّة والرأي العام اللبناني إلى «احترام السيادة»، ففي هذا رسالة واضحة موجهة لحزب الله تدعوه فيها إلى احترام سيادة إسرائيل. لا لبس ولا مواربة في كلامها، وخصوصاً إذا خضع التحليل للوضع في سياق الشعارات الأخرى للتنظيم البريء جدّاً. أي إن احترام سيادة إسرائيل يفوق احترام سيادة لبنان عند هذا التجمّع الذي لا علاقة له بإسرائيل البتة. وتقول رندا قاسم (في قيادة حفنة التنظيم) إن لبنان يرفض «سوقه» رغماً عن إرادته «في مواجهات» مع إسرائيل. أي إن التنظيم، الذي يمثّل في الرأي العام اللبناني أكثر مما يمثّل حزب الله عدديّاً على ما يفترض تنظيم «ملتزمون»، يرى في إسرائيل حملاً وديعاً ولا يرى سبباً في الاعتداء على الحمل الوديع وهو نائم هانئاً. أما نجيب زوين «المنسق العام» في حفنة التنظيم المذكور فهو يرفض سلاح حزب الله من أساسه ويرى في الجيش اللبناني أفضل سد لحماية لبنان لأنه «أثبت عبر التاريخ أنه أقوى». لم تسأل وسائل الإعلام الحريري ــــ السعودي التي أفردت مساحات لتغطية تظاهرة لعشرات، عن نماذج وقرائن لإثبات أن الجيش اللبناني هو «الأقوى». إلا إذا كان نجيب زوين يعزو إخفاق إسرائيل في حرب تموز لتصدّي الجيش اللبناني له (ذكّر ميشال سليمان في كلام له في السعوديّة بأنه سقط للجيش اللبناني 50 قتيلاً على يد إسرائيل، لكنه نسي أن يذكر أن معظمهم سقطوا في أسرّتهم ومقاعدهم من دون أن يطلقوا رصاصة لأن الجيش للأسباب «المعروفة» لم يتصدّ لإسرائيل، أي إنه أخرج نفسه من أي دور في أي استراتيجيا دفاعيّة للبنان).
لا أدري إذا كان «ملتزمون» أو القيّمون (أو القيّمات) عليه من أنصار السلام أو الحياد مع إسرائيل. غير أن كلمة الحياد ترد على موقع التنظيم على «الفايسبوك»، لكن بصورة سلبيّة. فهم ضد الحياد بين الدولة و«الميليشيا»، أي حزب الله. ودعت التظاهرة الجمهرة إلى وقف الحروب ورفضها، وأقرنت كلامها بهجاء الرئيسيْن الإيراني والسوري. وورد كلام عن «الجنوبي» وعن ضرورة عدم استعمال العرب له. أي إن لنجيب زوين هذا ودينا لطيف وسائر الرهط قوّة تمثيليّة في جنوب لبنان تفوق قوّة حركة أمل وحزب الله مجتمعيْن، مما أهّل هؤلاء للتحدّث باسم أهل الجنوب. لكن الشعارات والكلام الصحافي خلوَا من أي إشارة إلى إسرائيل. أي إن التجمّع الصغير يستحق أن يُلقّب بفريق اللوبي الإسرائيلي، مع أنه ليس هناك علاقات معلومة بين التنظيم وإسرائيل، وأي كلام عكس ذلك يدخل في باب التجنّي والظلم. لا يدعو التنظيم علانية إلى سلام مع إسرائيل لكنه ــــ وإن كان من معارضي النظام السوري في كل شيء ــــ يبدو معجباً بالمفاوضات بين النظام السوري وإسرائيل. وهو في هذا على منوال فريق 14 آذار الذي لا يرى فضيلة في النظام السوري إلا هدوء جبهة الجولان والمفاوضات مع إسرائيل.
شعار رفض الحرب، عندما يكون موجّهاً إلى فريق لبنان، ويتنطّح للدفاع عن لبنان تطوّعاً لأن الجيش اللبناني ممنوع من اقتناء أسلحة تسمح له بالتصدّي لإسرائيل، لو أراد، لا يعني إلا الاستسلام أمام عدوان إسرائيل كما كان يفعل لبنان عبر تاريخه. الجيش اللبناني مسموح له فقط باقتناء أسلحة للانقضاض على المخيّمات الفلسطينيّة وعلى حركات تمرّد شعبيّة في وجه الحكومات الموالية لأميركا. وأقلق زوين هذا مشهد لقاء الرئيسيْن السوري والإيراني مع حسن نصر الله واعتبره بمثابة إعلان حرب على إسرائيل. هنا مرّة أخرى تبرز إسرائيل الحمل الوديع في خطاب هذه المجموعة التي يبدو أنها لا تمانع في وراثة تنظيم حرّاس الأرز، مع أنها ــــ خلافاً لتنظيم حرّاس الأرز الممنوع ــــ لا تقيم علاقة مع إسرائيل. إذاً هي في إطار اللوبي الإسرائيلي العفوي (والبريء جداً) في لبنان. أما التهديدات الإسرائيليّة اليوميّة للبنان وبناه التحتيّة ومدنيّيه، فهي لم تصل إلى أسماع اللوبي الإسرائيلي العفوي وغير العفوي في لبنان.
ويرفض زوين، مثلما ترفض إسرائيل، حق حزب الله في امتلاك صواريخ من أي نوع. فالمذكور حضاري ويحرص على الحضاريّة حرص وديع حدّاد على ملاحقة العدو «في كلّ مكان». فيقول صاحبكم زوين «إن البعد الحضاري في هذا البلد ــــ خلافاً للصواريخ ــــ يتمثّل بكونه مركزاً للحضارات والحوار». ومن المعلوم أن معالم حضارات لبنان وحواراته لا تزال ماثلة للأعين في فندق «الهوليدي إن» والكرنتينا وتل الزعتر والدامور وغيرها من الأماكن حيث أمعن اللبنانيّون في احتضان الحضارات والحوار الذي ملأ صدر «المسيو» زوين بالفخر. ومنعاً لأي التباس، وتفويتاً لأي غرض خبيث ممّن سيحاول أن يربط بين الشعارات المذكورة لـ«ملتزمون» وأهداف إسرائيل في لبنان، يؤكّد زوين في حديث مع موقع 14 آذار أن التنظيم «هو تجمّع مدني نشأ عفوياً منذ نحو عام». هذا ينهي قطعاً أي محاولة لربط التنظيم باللوبي الإسرائيلي المباشر في لبنان. العفويّة في الإنشاء لا تحتمل المنشأ الخارجي.

يبدو أن لتنظيم «ملتزمون» في جنوب لبنان قوّة تمثيليّة تفوق قوة أمل وحزب الله
ويمكن تلمّس الموقف الحقيقي للوبي الإسرائيلي غير المقصود في لبنان. فوزير القوات اللبنانيّة السابق، جو سركيس، تحدّث إلى جريدة أولاد الأمير سلمان، «الشرق الأوسط»، التي تغازل إسرائيل أكثر من كل الصحف العربيّة مجتمعة، وطالب بنزع سلاح حزب الله، فيما أبدى استعداد القوات اللبنانيّة لمواجهة إسرائيل لو اعتدت. أي إن اللوبي الإسرائيلي الرسمي السابق في لبنان مستعد لأن يدافع عن لبنان في وجه إسرائيل، شريطة أن يُنزع سلاح مقاومة إسرائيل من الفريق الذي يُقاوم إسرائيل. عندها فقط، يتولّى فريد حبيب وجورج عدوان مهمّة مقاومة إسرائيل. يمكن عدوان أن يستعين بشبكة علاقاته (السابقة طبعاً) في إسرائيل وذلك لـ... مقاومة إسرائيل.
أما حازم صاغيّة (الذي انتقد استغلال الدين لأسباب سياسيّة في إيران، وجاء كلامه هذا في مقالة في جريدة سعوديّة رسميّة، أي إن صاغيّة يدعو إلى تقليد النموذج الوهابي في العلمانيّة) فيكتب على موقع «ناو حريري» أن فرصة لبنان للتخلّص من حزب الله تكمن في التوصّل إلى سلام كامل وشامل مع إسرائيل. أي إن أنصار السلام مع إسرائيل لا يكتفون اليوم بالمطالبة بالسلام والوئام، حتى في الأسبوع الذي تهدّد فيه تل أبيب لبنان بضرب بناه التحتيّة وإعادته إلى الوراء، بل يزيدون أوصافاً على السلام للبلوغ به نحو الكمال والشموليّة. غير أن هؤلاء، ومعهم الدول العربيّة، وقّعوا على مبادرة فريدمان ــــ عبد الله للسلام, وقد رفضتها إسرائيل. لكن من تحت الطاولة، تروّج السعوديّة ومن يناصر أمراءها لسلام من نوع آخر: سلام مع إسرائيل في مقابل لا شيء، باستثناء رضى إسرائيلي عن الأنظمة العربيّة لكسب التأييد والدعم الأميركي لها.
اللوبي الإسرائيلي ينتشر في أكثر من دولة عربيّة. وحكومة الاحتلال الطائفيّة في العراق برئاسة نوري المالكي فتحت صناديق اقتراع في الأردن لتسمح لإسرائيليّين «عراقيّين» بالاقتراع لقائد اللوبي الإسرائيلي في العراق، مثال الألوسي. لكن فريق «ملتزمون» لا يطالب بحق إسرائيليّين في الاقتراع في لبنان.
* أستاذ العلوم السياسيّة
في جامعة كاليفورنيا
(موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)