حسام كنفانيهلّت «بركات» المفاوضات بالجملة على السلطة الفلسطينيّة. مستوطنات وإلغاء تفاهمات وتطمينات لإسرائيل، والآتي ربما أعظم، بما أن العرب والفلسطينيين منفتحون على «الفرصة الأخيرة المعطاة للإدارة الأميركية».
ملامح فشل الفرصة ومهلة الأشهر الأربعة واضحة للعيان، قبل الخوض في أي جولة من جولات التفاوض. جولات من المفترض أن تنهي وضع حدود الدولة الفلسطينية العتيدة قبل إطلاق العنان للاستيطان من دون قيد أو شرط. لكن يبدو أن العنان قد أُطلق مسبّقاً، فلم تكد الموافقة العربية والفلسطينية تصدر، حتى أُعلن عن نحو ألفي وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة والضفة الغربية، برغم التجميد الصوري المعلن من جانب الحكومة الإسرائيلية.
النقطة الجوهرية في عطاءات الاستيطان الجديدة ليست حجمها أو مكانها، بل توقيتها وتزامنها مع زيارة أرفع مسؤول أميركي إلى إسرائيل. توقيت يحمل رسالة بأن «الفرصة العربية» غير جديرة بالاهتمام الإسرائيلي. فدولة الاحتلال لا تمتلك «الشهامة» العربية نفسها، وغير مكترثة بإنجاح جهود الرئيس الأميركي باراك أوباما، في ردّ كما يبدو على الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، الذي برّر القرار العربي الأخير بالموافقة على المفاوضات غير المباشرة «بعدم إدارة ظهرنا للرئيس الأميركي».
إذاً العرب مقبلون بصدورهم على الإدارة الأميركية وخطتها الجديدة، وعلى ذلك فهم مستعدون لتقبّل السهام الإسرائيلية برحابة صدر إلى حين انتهاء المهلة المعطاة، فالقرار قد اتخذ على المستوى الوزاري ولا تراجع عنه في المرحلة الراهنة. حتى وإن كانت بعض الدول قد أبلغت الإدارة الأميركية تراجعها عن دعم القرار، بحسب ياسر عبد ربه، فإنّ صيغة «القرار الجامع» لم تنتفِ بعد. حتى إن القرار الفلسطيني الذي اتخذته منظمة التحرير لا يزال قائماً، وأساساً فإن المنظمة ليست في وارد اتخاذ قرار على هذه الدرجة من الجرأة، لإغضاب واشنطن والمؤيدين العرب.
هم مستعدون للتفاوض، أو على الأقل لتغطية اللقاءات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على وقع الاستيطان المتكاثّر كمّاً ونوعاً. هم مستعدون لقبول العودة بالمفاوضات إلى النقطة الصفر، طالما رضي الفلسطينيون بذلك. وفي كل الأحوال فالفلسطينيّون معتادون مثل هذه العودة، وأبو مازن لا شك اختبرها مع كل إدارة أميركية جديدة، ومع كل تغيير حكومي في إسرائيل. لا يهم، المهم هو أن عجلة التفاوض عادت إلى الحركة، أمّا النتائج، فلا داعي إلى الحديث عنها حاليّاً ما دامت المهلة لم تنتهِ بعد.
العرب والفلسطينيّون يسيرون على هدي المبادرة الأميركية. وسلاحهم الأربعة أشهر التي أعلنها وزراء الخارجيّة. يدينون المشاريع الجديدة ويستنكرونها، لكن هذا لا يمنع المضيّ قُدماً إلى الأمام وراء «الفرصة الأخيرة». الأربعة أشهر ستنتهي، والحدود لن ترسّم. واقع ظاهر، لا شك أن الفلسطينيين والعرب يأخذونه بعين الاعتبار. السيناريو ليس تشاؤميّاً، لكنه أقرب ما يكون إلى الواقعية في ظل الملفات المطروحة في قضية الترسيم، وخصوصاً إذا صحّ إعفاء الإدارة الأميركية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تعهدات سلفه إيهود أولمرت، التي قطعها أمام الإدارة الأميركية. وهي تعهدات احتاجت إلى أشهر طويلة من النقاشات، وبالتالي لن يجري التوصّل إلى ما يشبهها في الأربعة أشهر المقبلة.
إعفاء أميركي يسهم إسهاماً أساسيّاً في الفشل المتوقّع، في إشارة إلى أن واشنطن لا تأخذ المهلة العربية على محمل الجد، ولا سيما أنها مرفقة بإجراءات مضحكة تدل على مدى «الجديّة» العربية في حسم ملفّ المفاوضات نهائيّاً.
إجراء وحيد ويتيم كشف عنه عمرو موسى بعد اجتماع وزراء الخارجية، وهو التوجه إلى مجلس الأمن لطرح قضية الشرق الأوسط بأكملها، بما فيها الاحتلال الإسرائيلي للجولان ولما بقي من الأراضي اللبنانية، والحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية ومطالبة الإدارة الأميركية بعدم استخدام حق النقض.
لم يكن أحد يتوقّع أن يلوّح العرب بحرب شاملة أو ما شابه في وجه التعنت الإسرائيلي، ولكن بالتأكيد فإن ما جرى التهديد به هو دون الحد الأدنى من الإجراءات المفترض أن تُتخذ، ولا سيما أن العرب لا بد يعرفون عدم نجاعة قرارات مجلس الأمن في ما خص إسرائيل، هذا إذا تجاوبت واشنطن مع «الرغبة» العربية في عدم استخدام حق النقض، وهي التي عارضت منذ البداية النيّة الفلسطينيّة لطرح القضية أمام هذا المحفل الدولي.
لم يكن أحد يتوقع التهديد بالحرب الشاملة، لكن على الأقل كان من الممكن التلويح بإجراءات أكثر جذريّة من مجلس الأمن؛ ماذا عن المبادرة العربية للسلام، وسحبها نهائيّاً من التداول؟ ماذا عن إعادة النظر في اتفاقيتي السلام الموقعتين مع الدولة العبرية من جانب مصر والأردن؟ ماذا عن دعم تحرّك الشارع الفلسطيني في مواجهة التعنت الإسرائيلي؟ كلها إجراءات دون الحرب، لكنّ وطأتها أقسى من مجلس الأمن، الذي أدى دور شاهد الزور على مدى سنوات الاحتلال.
لكن «العمل العربي المشترك» لا يبدو أنّه وصل إلى هذه المرحلة من الإجماع، فاتفاقيّتا السلام والمبادرة العربية هي «شؤون سياديّة» تخص القاهرة وعمّان والرياض، وحركة الشارع شأن يخصّ رام الله. جلّ ما يمكن الاتفاق عليه هو مجلس الأمن، أو ربما جزء ثانٍ من فيلم «الفرصة الأخيرة».