علاء اللاميغير أن هذه اللحظة الآتية من ذلك المشهد الاحتفالي يمكن أن تكون مفيدة للدارس الاجتماعي والمراقب السياسي من حيث إنها علامة فارقة يمكن اعتبارها بداية لمرحلة جديدة سيوطّن فاقدو الحظوة والامتيازات الطائفية أنفسهم على الاعتياد عليها ويبدأ الذين شعروا «بالانتصار التاريخي» الموهوم والطائفي، وتحديداً من العرب الشيعة، بأن الأوان قد آن ليتخلصوا من انعدام تسامحهم وتعطشهم للهيمنة على الآخر وإقصائه من منطلقات ثأرية.
لقد كررت تجربة الانتخابات العراقية الأخيرة دروساً عديدة، بعضها قد يدخل منذ الآن في عداد البديهيات أو الثوابت السياسية والاجتماعية ومن ذلك:
ـــــ انحياز الأغلبية الشعبية العراقية، من جميع المكونات، والمعبر عنها سياسياً بـ«الكتلة الناخبة»، إلى الخيار الديموقراطي وتبادل السلطة سلمياً، وهذا يعني تشييعاً نهائياً ودفناً أخيراً للعقلية الاستبدادية الشمولية ممثلة بتراث الحكومات الانقلابية التي نجد خاتمتها وذروتها في حكم الرئيس السابق صدام حسين، رغم كثرة المروّجين لها حتى الآن بحجة ضرورة القضاء على الفوضى العارمة بقبضة «المستبد العادل» ذي الشاربين الكثّين.
ما جرى تشييع نهائي للعقلية الاستبدادية الشمولية ممثلة بتراث الحكومات الانقلابية
ـــــ خروج قوى سياسية كانت معتبرة برلمانياً ويحسب لها حساب من الملعب السياسي نهائياً كجبهة «التوافق» السنية بقيادة الحزب الإسلامي «الفرع العراقي لحركة الإخوان المسلمين»، أو حصول بعضها الآخر على ما لا يسدّ الرمق البرلماني كالائتلاف الشيعي الذي خسر الكثير من وزنه وجمهوره، لكنه حافظ على نزر يسير من رصيده وبما قد لا يتجاوز 15 في المئة من الأصوات، كما تشير بعض التسريبات من مواقع العد وفرز الأصوات.
ـــــ حافظ المالكي على قوته السياسية، واندفاع تياره، وحصد الكثير من أصوات العراقيين، لكن على أساس الانتماء الطائفي «الشيعي»، كما حدث في مدينة الثورة «الصدر» حيث حصد ما يقرب من نصف الأصوات في هذه المدينة المليونية التي كانت تعدّ قلعة للتيار الصدري المناوئ للمالكي حالياً. أمر دفع ثمنه التيار الصدري في ميدان آخر حيث خسر أصوات مئات الآلاف من العراقيين من «العرب السنة»، الذين صوّتوا له في انتخابات المجالس المحلية التي جرت قبل أشهر، بسبب تردده وتلكؤه في حسم خياراته الوطنية والقطع النهائي مع الطائفية وانجراره إلى مواقف وسلوكيات بالغة القسوة والعدوانية مع البعثيين السابقين والعروبيين من غير المتورطين في جرائم النظام السابق ضد الشعب.
ـــــ خسرت القوى القومية العروبية والليبراليون الجدد والبعثيون السابقون رهانهم على زعيم القائمة العراقية أياد علاوي، لكنهم أحكموا سيطرتهم الانتخابية على قلاعهم الطائفية التقليدية كالموصل وتكريت والأنبار. ويبدو أن هذه القوى قد تحملت تكاليف باهظة نتيجة رهانها على هذا الاسم الذي لم يفدها بشيء في معركة الجنوب الانتخابية على اعتبار أنه من العرب الشيعة. ومع ذلك، فقد ورثت هذه القائمة «العراقية» الرصيد السياسي والانتخابي والجغرافي لقائمة التوافق. ويبدو أن العلمانيين والليبراليين العراقيين وجدوا أنفسهم مدفوعين إلى التصويت إلى قائمة «العراقية»، ليس حباً أو اقتناعاً ببرنامجها القومي الفاقع كما قال بعض المراقبين، بل نكاية بالقوائم ذات الخلفيات الإسلامية الطائفية كقائمة المالكي، التي لم تجرؤ على الاقتراب كثيراً من البرنامج الديموقراطي المدني القائم على مبدأ المواطنة الحديثة وفصل الدولة عن الدين.
ـــــ فعلت ميكانزمات قانون الانتخابات العراقية القائمة على التصويت النسبي المختلط فعلها، فتشتّتت أصوات الأحزاب والقوى الصغيرة وضاعت هباءً، وحصدت «الحيتان» السياسية الكبرى مقاعد أخرى بعد الأخذ بحساب «القاسم الوطني المشترك». ومع ذلك، فقد جاءت نتائج بعض القوائم المستقلة والمختلطة طائفياً كقائمة «وحدة العراق» بقيادة وزير الداخلية الحالي جواد البولاني، هزيلة وأقل مما توقعه أصحابها. ويبدو أن لهذه النتائج أسبابها الخاصة التي لا تتعلق بميكانزمات النظام الانتخابي وبنيته، بل بالوضع السياسي العام وبقصر عمر تجربة هذه القائمة التي علّق عليها الكثيرون آمالاً عريضة، لكننا نتوقع أن يكون لها دور مهم في عملية تأليف الحكومة إذا ما تحالفت مع القائمة الفائزة بأكبر عدد من مقاعد البرلمان الوليد لضمان تحقيق الأغلبية المطلقة، التي تبلغ 163 مقعداً.
* كاتب عراقي