خالد صاغيةبعد شربل نحّاس، جاء دور زياد بارود.
الأبواق التي فبركت الأضاليل محاولةً دفع وزير الاتصالات إلى الاستقالة، هي نفسها التي هدّدت وزير الداخليّة بإنهاء مستقبله السياسي. طبعاً لن تذهب الحملة على بارود إلى نهايتها. فهو، في النهاية، محسوب على رئيس الجمهورية، فيما نحّاس محسوب على العماد ميشال عون. لكنّ ذلك لا يلغي أوجه الشبه بين الحملتين.
فما يمكن استنتاجه من السجال المستقبلي ـــــ البارودي، هو أنّ تيّار المستقبل، المصدوم أصلاً بنسبة الاقتراع المتدنّية في بيروت، لم يتحمّل ربط ذاك التدنّي بغياب النسبية. وعبّر عن ضيقه هذا بتنبيه وزير الداخلية إلى أنّ قريطم، لا سواها، هي التي تحدّد مستقبل الوزراء.
في الواقع، لا يختلف تيّار المستقبل عن سواه من الحركات السياسيّة التي تحاول إقفال مناطق وطوائف بأكملها. حركات كهذه لا يمكنها أن تقبل بالنسبيّة لأنّ مشروعها واستمراريّتها قائمان على احتكار التمثيل. ولا يعنيها تعويض ما تخسره في منطقتها بما قد تعوّضه عليها النسبيّة في مناطق أخرى.
لا يتحمّل المستقبل شراكةً في القرار في بيروت. هذا خبر قديم. أمّا الخبر الجديد، فهو أنّه لا يتحمّل شراكة رئيس الجمهورية في اختيار الوزراء، إلا إذا كان هؤلاء من النوع الذي لا يهشّ ولا ينشّ (وبعض وزراء رئيس الجمهورية المرضيّ عنهم هم من هذا النوع فعلاً)، أو من النوع الذي يقضي وقته محاولاً إرضاء جميع الأطراف السياسيين (لا مشكلة مع بارود حين يؤدّي هذا الدور).
وإذا كان احتكار التمثيل السياسي وراء الهجوم المنظّم على بارود، فإنّ احتكارات اقتصاديّة هي التي قادت الحملة على نحّاس. ومن حيث لا يدري، تبرّع نائب مستقبليّ لشرح أسباب الحملة. فلم يرَ فيها «حملة سياسية بل حملة اقتصادية إصلاحية تحريرية لقطاع الاتصالات». فالقصّة لا علاقة لها إذاً بتقرير عن اتفاقية أمنية، بل بإزاحة وزير يرفض التوقيع على صكّ تنازل عن ممتلكات الدولة من أجل تحقيق بعض المحتكرين أرباحاً طائلة.
لقد اعتادت المصارف وكبار المودعين الربح السهل والسريع الذي يحققه إقراض الدولة عبر سندات الخزينة. اشترِ سنداً، وغُطّ في سبات عميق. وحين تفتح عينيك، ستجد ثروتك وقد تضاعفت. أمّا حين تتوقّف الدولة لبُرهة عن الاستدانة، فترتفع صرخة الأموال المكدّسة في المصارف. اسألوا قريطم. لديها الحل. فلنشترِ ممتلكات الدولة، وبأسعار بخسة. وهي ممتلكات ذات طبيعة احتكارية. الربح فيها سهل ومضمون. والرابحون حيتان جشعة لن تضع رقبتها تحت رحمة وزير.
لقد حاول تيّار المستقبل خلال الأعوام الخمسة الماضية احتكار الماضي، عبر فرض روايته الرسميّة للحقبة السوريّة في لبنان. أمّا اليوم، فالمستقبل ماضٍ في مشروعه لاحتكار المستقبل.