إعداد وترجمة: ديما شريفقد تكون المرشحة إلى منصب قاض في المحكمة العليا الأميركية، إيلينا كاغان، المستفيد الأكبر من «حماقة» الجنرال ستانلي ماكريستال. فما جرى صرف الأنظار عن جلسات التصديق على تعيينها في الكونغرس التي بدأت الاثنين. ويبدو أنّ المستفيد الآخر هو الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي سيستطيع، اعتماداً على ما سيقرره الجنرال ديفيد بترايوس، أن يحوّل حملة إعادة انتخابه في 2012 إلى حملة حرب حقيقية إذا تأجّل موعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان إلى ما بعد تموز 2011. ويتوقع بعض المحللين أن يحمل رحيل ماكريستال تغيّراً في مواقع الأشخاص في الحرب الدائرة في أفغانستان بسبب صداقات خلفه بترايوس مع رجال العسكر والاستخبارات في باكستان المجاورة


هل من تغيير الآن؟



ستيفان والت*
على عكس ما يظنّه العديد من المعلّقين (لا كلّهم)، فإنّ طرد الجنرال ستانلي ماكريستال وتعيين الجنرال ديفيد بترايوس مكانه ليسا ذوَي مغزى كبير. ولنكون أكثر وضوحاً، فإنّ ما حصل قد يكون ذا جدوى إن استخدم أوباما هذا التغيير فرصةً للتحرك باتجاه الانسحاب. وإلّا، فسنكون أمام إعادة توزيع للمناصب، فيما جهد الحرب يستمر في الغرق.
حتى بروز مقال «رولينغ ستونز»، لم يكن هناك إشارات كبيرة إلى أنّ أوباما غير سعيد بتعاطي ماكريستال مع الحرب (يقول غاريث بورتر من وكالة آي. بي. إس إنّه كان هناك سخط نامٍ داخل الإدارة على عدم وجود تقدّم، لكن لم يظهر ذلك في أيّ وسيلة ممكنة). إلّا أنّ الأهمّ هو أنّه لم يكن هناك إشارات إلى أنّ بترايوس يعاني مشاكل مع أداء ماكريستال، أو شكوك بارزة بشأن الحاجة إلى استمرار القتال حتى تحقيق «النصر». لا تنسوا أنّ مكانة بترايوس وهيبته تستندان إلى معرفته والتزامه بسياسة مكافحة التمرّد (COIN)، وهذا ما كان يفعله ماكريستال أيضاً. على عكس عملية «الإغراق» في العراق [أي زيادة 30 ألف جندي في 2007 في بغداد وحدها]، التي تطلّبت تغييراً كبيراً في تكتيكات الولايات المتحدة واستراتيجيّتها، ما من سبب للظن أنّ بترايوس سيطبّق مقاربة مختلفة جوهرياً في أفغانستان. عنوان صحيفة نيويورك تايمز يفضح كلّ شيء: «أوباما يقول إنّ سياسة أفغانستان لن تتغيّر بعد الإقالة».
ليس هناك أيضاً أيّ سبب للظن أنّ بترايوس سيحقّق نتائج مختلفة جذرياً، لأنّ المشكلة في أفغانستان لا تتعلق بنوعية جنرالاتنا. القيادة السيئة تستطيع إعاقة جهد الحرب، بالطبع، لكن من الخطأ التفكير في أنّ كلّ ما نحتاج إليه هو إيجاد القائد المناسب على رأس القيادة كي يتحسّن كلّ شيء (يُكتب التاريخ العسكري أحياناً كتابةً تعظّم دور «القادة الكبار»، لكنّ النجاح العسكري يتطلّب أكثر من ذكاء القادة).
المشكلة الحقيقيّة هي أنّ حملتنا في أفغانستان تشبه محاولة تثبيت جسم هلاميّ على الحائط. حكومة قرضاي عائق لا ميزة، ولا وسيلة لدينا لجعلها تؤدّي عملها بطريقة أفضل. كذلك لا وسيلة لدينا لنفرض على الطالبان أن يهدأوا ويحاربونا في الفضاء الطلق، حيث يمكننا أن نهزمهم بسهولة. فهم حين يواجَهون بما يفوقهم قوةً، يختفون وينتظرون الفرصة السانحة للانقضاض. ورغم أنّ معنويات الجنود تبدو جيدة، فإنّ قواتنا تحارب منذ زمن وبدأت تيأس. حلفاؤنا في الناتو بدأوا بالانسحاب من المعركة، وراح الأميركيون يكتشفون أنّ ثمن الاستمرار في هذه المعركة يتخطّى مكاسب النصر أو خطر الانسحاب. «النصر» في أفغانستان، مهما يكن معناه، لن يجعل تنظيم القاعدة أضعف بكثير، و«الفشل» لن يجعله أقوى بكثير أيضاً. وضع جنرال آخر في القيادة لن يغيّر هذه المعادلة أبداً.
ثالثاً، بعض المعلّقين البارزين أمثال اندرو ساليفان [مجلة ذا

حماقة ماكريستال أعطت أوباما فرصة لإعادة تصحيح الأخطاء
أتلانتيك] قلقون من أنّ أوباما بات أسير بترايوس، لأنّ مكانة الأخير وهيبته ستجعلان من المستحيل على الرئيس معارضته إن طلب جنوداً أكثر، أو سعى إلى الاستمرار في الحرب إلى ما لا نهاية. هذا خطر واضح، لكن هذه المكانة والهيبة تجعلان بترايوس أيضاً الشخص الأفضل لمساعدة أوباما على الترويج لقرار حذر لخفض خسائرنا والخروج من هناك. أضف إلى ذلك أنّ مكانة بترايوس مبنية أساساً على النجاح المفترض لعملية «الإغراق» في العراق في 2007، وهي حملة أنجزت الهدف التكيتيكي القاضي بخفض العنف، لكن لم تنجز الهدف الاستراتيجي بالمصالحة السياسية. إذا فشل العراق مجدّداً عند انسحاب القوات الأميركية، فسيخفت بعض من مجد بترايوس، وقد تزداد حرية المناورة لدى أوباما.
في كل الأحوال، السؤال المهم الوحيد هو ما قد يطلب أوباما من بترايوس أن يفعله. في الجوهر، حماقة ماكريستال أعطت أوباما فرصة لإعادة تصحيح الأخطاء. لقد اتخذ أوباما الخيار الخاطئ في خريف 2009 حين وافق على تعزيز الوجود الأميركي رغم الفخاخ الواضحة. هل تعلّم من نتائج الأشهر التسعة الأخيرة؟ هل يدرك اليوم أنّه مسؤول عن كلّ الأحداث في أفغانستان، وأنّه لا يستطيع تحقيق النصر هناك عبر إلقاء الخطابات الملهمة وإرسال المزيد من الجنود؟ وهل بدأ يشعر بأنّ هذه الحرب لا يمكن ربحها بكلفة معقولة، وبأنّ المعركة تضع كلّ رئاسته على المحك؟
إذا كانت الإجابة نعم، فإنّه سيقول لبترايوس إنّ مهمّته ليست التهدئة في أفغانستان، وبناء حكومة مركزية مستقرّة، أو حتى «هزم القاعدة وتعطيله» (الذي لم يعد موجوداً في أفغانستان اليوم). على العكس، ستكون مهمته إيجاد طريق للولايات المتحدة لإنهاء مغامرة التغيير الاجتماعي غير المجدية وغير الضرورية، كي نتمكّن من تركيز اهتمامنا (ومواردنا المحدودة) على مشاكل أكثر إلحاحاً.
إذا لم يتعلّم أوباما درسه، فسيجد نفسه عالقاً في المستنقع الأفغاني لباقي فترته الرئاسية. كما حصل مع الرئيس ليندون جونسون في فييتنام، وجورج بوش الابن في العراق، ستستنفد الحرب كل مظاهر الحياة من رئاسته، وستجعل من المستحيل إنجاز أولويات محلية ودولية أكثر إلحاحاً. ولأنّه حصل حتى اليوم على فرصتين لسلوك مسار مختلف، سيكون كلّ ما يحصل نتيجة أعماله وحده.
* عن «فورين بوليسي»،
مجلّة أسّسها صموئيل هنتنغتون


إنّها مهمّة الأفغان



يوجين روبنسون*
ما هو الخبر الجيّد؟ لم يعد أحد مضطراً إلى الادّعاء أنّ الجنرال ستانلي ماكريستال يعرف كيف يصلح الأمور في أفغانستان في سنة واحدة. أمّا الخبر السيّئ، فهو أننا بتنا مضطرين إلى الادّعاء أنّ الجنرال ديفيد بترايوس يعرف كيف يحقّق ذلك.
كان الرئيس باراك أوباما محقّاً في طرد ماكريستال، الذي يبدو من مجلّة «رولينغ ستونز» أنّ المحيطين به يتمتعون بجدية ولياقة طلاب الأخويات في الجامعات خلال حفلاتهم الصاخبة. وكان الالتفات إلى بترايوس خطوة سياسية بارعة، فهو من النوع الذي سرعان ما يتناسى الناس الانتقادات الموجّهة إليه. فالمتشكّكون الذين قد يغريهم انتقاد الرئيس لتغييره الحصان في منتصف السباق، لا يستطيعون انتقاد أوباما لإعطائه القيادة للرجل الذي جنّب الولايات المتحدة هزيمة في العراق.
لاحظوا أنّني لم أعطِ بترايوس صفة «الربح» في العراق. فهو لم يفعل ذلك. ما استطاع فعله هو إيصال الوضع إلى النقطة التي تستطيع فيها الولايات المتحدة البدء بإعادة جنودها إلى الوطن. إذا جرى تعديل أهداف الإدارة في أفغانستان لتتوافق مع الحقيقة الموضوعية، فقد يتمكّن بترايوس من الربح هناك أيضاً. لكن هذا يعني أنّ مهمة الجنرال ستكون بسيطة: تمهيد الطريق أمام انسحاب أميركي في بداية الصيف المقبل، كما تعهّد
أوباما.
بعد إعفاء ماكريستال من مهمّاته قبل أسبوع، استدعى أوباما فريق الأمن القومي وعنّفهم جميعاً. لم يعد مسموحاً بالمشاحنات، وكذلك القنص على الآخرين أو استغيابهم. هذا كان أمر الرئيس. يجب أن يبقى الجميع مهذّبين.
لكن كلّ اللجان في العالم لا تستطيع حلّ التوتر القائم بين من يؤمنون بأنّ هدفنا في أفغانستان يجب أن يكون «النصر»، ومن يؤمنون بأنّه يجب أن يكون «البحث عن مخرج». ألفا عام من التاريخ تقف إلى جانب الساعين وراء «مخرج»، والحقيقة هي أنّنا سنرحل في وقت ما. السؤال هو كم من الوقت سيمرّ، وكم عدد الشباب الأميركيّين الذين سيموتون أو يُجرحون، قبل أن يأتي هذا اليوم الموعود.

توتّر بين المؤمنين بأنّ هدفنا في أفغانستان هو «النصر» والمؤمنين بأنّه «البحث عن مخرج»
ماكريستال الذي صمّم استراتيجية الهجوم المضاد المطبّقة في أفغانستان، لم يُخفِ اعتراضه على مواقف نائب الرئيس جوزيف بايدن، والسفير كارل ايكينبيري، والمبعوث الخاص ريتشارد هولبروك، الذين شكّكوا في إمكان نجاح الاستراتيجية. بترايوس، كسياسي، أكثر براعةً من الوقوع في فخّ كهذا. لن يسمح بأيّ شرخ بينه وبين القيادة المدنية.
لكن، في نهاية المطاف، لن يكون هناك أيّ وسيلة لتفادي السؤال المركزي: أيّ أفغانستان سنترك وراءنا؟
ثمّة إجابة ممكنة، وهي أنّنا سنضطر إلى أن نترك هناك حكومة مركزية، متينة وفعّالة، لديها الشرعية الكاملة والسيطرة داخل حدود البلاد. سيوفّر هذا للولايات المتحدة حليفاً موثوقاً به في منطقة خطرة، والتأكد من أنّ أفغانستان لن تُستخدم مجدداً منصة إطلاق لهجمات القاعدة. لكن نظراً إلى الوضع القائم اليوم، يتطلّب بلوغ هذه النقطة، عقداً أو أكثر من الاهتمام المركّز والبارع. لا يعني ذلك هزيمة الطالبان وحسب، لكن أيضاً تحويل نظام الرئيس الأفغاني حامد قرضاي إلى حكومة نزيهة وفعّالة إلى حدّ ما. هذه مهمّة شاقة، وإن كان قرضاي شريكاً مستقراً، متماسكاً وموالياً. لكن، هل مَن يصدّق أنّه كذلك؟
الإجابة الأفضل هي أنّه يكفي أن نترك وراءنا أفغانستان لا تمثّل بعد اليوم خطراً جديّاً على الولايات المتحدة أو مصالحها الحيوية. وبناء الدولة سيكون من مهمّات أفغانستان لا من مهمّاتنا نحن.
نجح بترايوس في العراق لأنّه فهم صعوبة خلق ديموقراطية في بغداد، كتلك التي كانت موجودة في أثينا. لكن الحكومة العراقية غير المثالية، متقدمة بأشواط عما يمكن الجنرال أن يحقّقه في كابول. حتى بعد الحرب، تُرك العراق وفيه بنية تحتية عصرية، شعب متعلّم، وجزء مهمّ من احتياط العالم النفطي. لا تملك أفغانستان أياً من هذه المزايا. فهناك، تعود الثقافة السياسية إلى العصور الوسطى، والشعب فقير وغير متعلّم، وشديد الحذر من التأثيرات الخارجية. تملك أفغانستان، على ما يبدو، ثروات معدنية كبيرة، لكن لا صناعة تعدين لاستخراجها ولا شبكة طرقات لإيصالها إلى الأسواق.
في شهادة أمام الكونغرس أخيراً، كان بترايوس أقل من حاسم حين سُئل عن موعد أوباما النهائي في تموز 2011. ولأنّه يتمتع بثقة ومكانة في واشنطن، ستكون آراؤه بشأن الوقت الذي يستطيع فيه البدء بالانسحاب من أفغانستان، أهم ممّا كانت عليه آراء ماكريستال. أتمنى ألا يكون الرئيس أوباما، عبر إيكال القيادة إلى بترايوس، قد ألزمنا ببقاء أطول. يبدو أنّ تعليقاته يوم الخميس [الفائت] توحي بهذا الاحتمال.
* عن صحيفة «واشنطن بوست»