حسام كنفانيفي موسم كرة القدم العالمية تتنحّى السياسة جانباً. تقف على هامش الحدث بانتظار مرور موسم الاحتفالات الصاخبة في معظم مدن العالم. احتفالات تطغى في العادة على ما دونها من استحقاقات، سياسية أو غيرها. لكن هذا لا يمنع استخدام المونديال الكروي في إسقاطات سياسية ذات مغزى. هذا ما فعلته شبكة «فوكس نيوز» الأميركية المحافظة، التي عمدت إلى تشبيه حدث كأس العالم بالرئيس الأميركي باراك أوباما، في إطار حملتها على إداراته، معتبرةً أن «المونديال يشبه سياسات أوباما، الكل يحبّها ونحن نكرهها».
وإذا كانت هذه هي حال «فوكس نيوز» والسياسة الأميركية الداخلية والخارجية، فكيف هي الحال في العالم العربي. قد يكون هذا العالم العربي عموماً، ولبنان وفلسطين خصوصاً، أكثر أحقيّةً بهذه الإسقاطات، على اعتبار أنه بطل «اللا إنجازات» الكروية والسياسية. لنبدأ بالكروية، والتمثيل العربي الضعيف في المونديال الأفريقي. الجزائر حالياً هي الممثّل الوحيد للعرب. لا نستطيع القول إنها «أفضل أو أسوأ ممثل»، على اعتبار أنها ليست «أشفى» حالاً من غيرها. فالعجز عام، والاحتفال بالتعادل الأخير مع إنكلترا، يعطي فكرة عن حال اليأس السياسي والاجتماعي والاقتصادي والرياضي المتفشّي في العالم العربي. يأس يرى في التعادل انتصاراً، طالما أنّ هناك ما يشبه القناعة بأنّ «زمن الانتصارات قد ولّى»، رغم أنه لا انتصارات عربية واضحة في التاريخ المعاصر، لا كرويّاً ولا سياسيّاً ولا عسكريّاً.
الجزائر هي النموذج الكروي المباشر لحال العالم العربي والمونديال، لكنْ هناك نماذج غير مباشرة كثيرة جداً من الممكن إسقاطها على الحالة الرياضية العالمية. لعلّ المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية أحد هذه النماذج. المفاوضات شبيهة إلى حد كبير بالمشاركات العربية في المونديال. الهم العربي هو «المشاركة للمشاركة»، والهمّ الفلسطيني هو «التفاوض للتفاوض». هكذا، منذ عهد الزعيم الراحل ياسر عرفات، وتحديداً بعد توقيع اتفاق أوسلو، كان استئناف المفاوضات، عند كل عقبة تعترضها وتعلّقها وتجمّدها، أشبه بتصفيات تأهّل الفرق العربية إلى كؤوس العالم السابقة. وعلى غرار المشاركة العربية في هذه الكؤوس، كانت المفاوضات، ولا تزال، تنتهي النهاية نفسها: «الخروج من الباب الخلفي»، ومعاودة الدخول مجدّداً من دون تحقيق أيّ إنجاز يذكر. هكذا «تأهّل» الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس إلى المونديال التفاوضي لملاقاة بنيامين نتنتياهو في مباريات سياسية يديرها الحكم الأميركي «النزيه» جورج ميتشل. لكن على عكس مباريات كرة القدم، التي تنتهي في تسعين دقيقة، فإن مباريات المفاوضات تمتد أشهُراً في ظل «سيطرة» إسرائيلية مطلقة على الأراضي الفلسطينية، وتسجيل أهداف استيطانية وتهويدية تحت مرأى الحَكَم الأميركي ومسمعه، الذي لا يعترف بعمليات «التسلّل»، ويغضّ الطرف عن «الأخطاء الدموية» للّاعب الإسرائيلي في البحر والبر والجو.
المباراة التفاوضية ستنتهي قريباً. خروج جديد من اللعبة، وانتظار تصفيات تأهيليّة أخرى، قد تكون على شاكلة تعديلات في الحكومة الإسرائيلية أو انتخابات تشريعية مبكرة، تنطلق بعدها دورة تفاوضية جديدة، برعاية الحكم نفسه، لكن من دون أيّ تعديلات في النتائج، طالما أنّ الفريق الفلسطيني منقسم على نفسه، تماماً كحال الفريق الفرنسي، الذي يحتاج إلى عملية «مصالحة»، ننصح بألّا تكون مصر راعيتها.
الملعب العراقي ليس «أشفى» حالاً. لكن وضعه مختلف في الحسابات الكروية، على اعتبار أنّ أكثر من منتخب يتنافس في مباراة واحدة على تسجيل الأهداف في المرمى العراقي، بينما منتخب أهل الأرض يخوض اللعبة بتشكيلة غير متجانسة، ولا يمكن أن تتجانس، طالما أنّ أفرادها يرتدون قمصاناً متماهية مع الفرق الخصم، حتى إنّ بعض اللاعبين لا يتوانون عن تمرير الكرات إلى هذا الفريق أو ذاك، أو حتى عن تسجيل أهداف في مرماهم.
لبنان أيضاً حالة كروية سياسيّة فريدة، على اعتبار أنّ قادته غارقون في «دوري محلّي». لكنه دوريّ ذو طابع إقليمي، حتى لتكاد كل فرقة تتحوّل إلى منتخب تابع لهذا البلد أو ذاك. وفي كسر لقواعد الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا»، فإن اللاعبين اللبنانيّين قادرون على تبديل القمصان بسهولة، والانتقال من هذا المنتخب إلى ذاك من دون أيّ عناء يذكر، وحتى من دون أيّ إحساس بالذنب، على اعتبار أن «تكتيكات المنطقة» و«ظروف المباريات» تستوجب ذلك.
وهناك تشابه أيضاً بين الدول العربية وبعض اللاعبين المزدوجي الجنسية، الذين فضّلوا منتخبات جنسياتهم المستحدثة على بلادهم الأصليّة. فالكثير من الدول العربية اليوم موجودة خدمة لأجندات دوليّة، وتلعب بشكل مباشر أو غير مباشر تحت رايه هذه الدولة أو تلك.
إسقاطات حال العرب السياسية والكروية لا تكاد تحصى، لكنها تؤدّي في نهاية المطاف إلى النتيجة نفسها: صفر للعرب، في مقابل شباك متخمة بالأهداف.