خالد صاغية«لا أريد التشكيك في من قدّم هذه المبادرات، ولكنه من حيث لا يدري يفتعل مشكلة في غير موقعها، بينما يجب التركيز على المأساة التي تحصل في فلسطين وتهويد القدس». هكذا انضمّ الرئيس أمين الجميّل، أمس، إلى محبّي فلسطين والمدافعين عنها، شرط ألا يستدعي هذا الحبّ لأرض فلسطين أيّ تقديمات لأهل فلسطين، أي الفلسطينيّين أنفسهم. لقد بات الجميّل من المدافعين عن عروبة القدس والمستعدّين للنضال من أجلها، شرط عدم السماح لأيّ فلسطينيّ في لبنان بالاستفادة من الضمان الاجتماعي!
وطالب الرئيس الجميّل «بعدم المزايدة في موضوع العلاقة مع الفلسطينيين». فهو، كما نُصح والده ذات يوم، سيضع فلسطين على لسانه ثمّ يفعل ما يشاء. فبعد وصفه إعطاء الفلسطينيين الحقوق المدنية بـ«التوطين المقنّع»، لم يتوانَ عن التهديد: «كما وقفنا في السبعينيات في وجه مشروع الوطن البديل... موقفنا واضح في إطار وقوفنا في وجه أي قانون يؤدّي إلى التوطين».
وتماماً كما حصل إبّان معركة المتن الفرعيّة يوم جرى التباري حول من كان صاحب اليد الطولى في مجزرة مخيّم تل الزعتر، وتماماً كما حصل خلال معركة تدمير مخيّم نهر البارد يومَ فاض حبُّ الوطن حقداً على اللاجئين الفلسطينيّين، انضمّ العماد ميشال عون مساءً إلى كلام الجميّل الصباحي. فالتمسّك بلبنان، على ما يبدو، يحتاج دائماً إلى اختراع عدوّ عربي. وبقدر ما يجري التقارب مع سوريا، يجب تأكيد العداء للفلسطينيّين.
وإذ استنكر عون وصف مواقفه الرافضة لإعطاء الحقوق المدنية للفلسطينيين بالعنصريّة، أضاف موقفاً عنصرياً جديداً، لكن هذه المرّة ضدّ البدو. لكن، حتّى لا يُفهَم موقف عون معادياً للشعب الفلسطيني، ها هو يعلن استعداده للمطالبة لهم «بحق التجوّل في العالم وحق العمل أينما كان في أي دولة، في كل الدول التي صوّتت على قرار تقسيم فلسطين»... لكن ليس في لبنان.
وفي نفيه تهمة العنصرية، استعار عون كلّ المفردات التي يستخدمها اليمين الأوروبي المتطرّف ضدّ المهاجرين، فقال: «نحن نتحدّث عن قضية تتعلّق بموضوع اقتصادي وكثافة سكّان وإمكانات مادية».
وبدلاً من التساؤل عن السياسات التي أدّت إلى إضعاف الضمان الاجتماعي، تساءل «كيف تدخل 550 ألف فلسطيني إلى ضمان صحّي مفلس؟». وتماماً كالجميّل، استعاد السبعينيات وطلب عدم المزايدة.
الغريب أنّ عون أنهى كلامه بالسؤال عن «عدد اللبنانيين في بلاد الهجرة منذ التسعين حتى اليوم». لكنّه لم يسأل عن الحقوق التي يحصل عليها اللبنانيون في بلدان الهجرة.
المؤسف حقاً أنّ الكلام العنصريّ الذي يصدر عن بعض السياسيين هذه الأيام، يجد من «يُرَوْتِشُهُ» ببراعة. فتصبح حقوق الفلسطينيين غير مشروعة اليوم لمجرّد أنّ وليد جنبلاط طالب بها لأسباب سياسية تخصّه. وكأنّ الأطراف السياسية في أي بلد من العالم حين تدعم مشروعاً ما، تدعمه لأسباب إنسانية بحتة حتّى لو كان يضرّ بمصالحها السياسية. إنّه بيع الأوهام مرّة أخرى، لكنّه اليوم يصبّ في خدمة أبشع المشاعر بحجّة الدفاع عن أنْبَلها.