في السابع عشر من الشهر الجاري تعود للمرة الخامسة والأربعين ذكرى مجازر أيلول التي نفذها نظام عمان المتصهين بحق المقاومة الفلسطينية الصاعدة.تلك الحرب، أو لنقل خواتيمها المتمثلة في مؤتمر القمة في القاهرة، شكّلت بداية هزيمة المشروع الوطني الفلسطيني المعاصر وانخراطه في مساومات لا نهاية لها على حقوق شعبنا في وطنه، أوصلته، منذ حوالى النصف قرن، إلى تيهه المعاصر.

فأحوالنا الآن تضعنا بين خيارات مريعة: إما سلطة محمود عباس الكاريكاتورية المؤتمرة بتعليمات واشنطن/ تل أبيب، أو حركة حماس المؤتمرة بتوجيهات التنظيم الدولي للإسلام السياسي المرتبط بمراكز الوهابية التكفيرية، أو العمالة المباشرة للعدو الصهيوني.
الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة انطلقت في مطلع ستينيات القرن الماضي، رداً على تقاعس الأنظمة العربية عن تبني القضية الوطنية وكان العمود الفقري لبرنامجها إمساك الشعب الفلسطيني بمقدراته، والتواصل مع الشعوب العربية وليس مع حكامها.
ليس ثمة من تأريخ موثق عن نشوء حركة فتح والأسباب التي دعت الرئيس جمال عبد الناصر لتأييد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، رغم أن بعض المراجع الموثوقة تؤكد أن واشنطن أبلغت القاهرة عدم تمكنها من معالجة قضية فلسطين وتسويتها على نحو مفصل بما يرضي الأنظمة العربية التي بدورها لم تكن ترفض القبول باغتصاب الحركة الصهيونية فلسطين، في ظل غياب ممثلين للشعب الفلسطيني. وعندما بادر الزعيم الفلسطيني الراحل أحمد الشقيري، إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وعقد المجلس الوطني الفلسطيني التأسيسي في القدس في حزيران 1964، كان الهدف إخراج القضية من أدراج وزارات الخارجية العرب وبراثن حكام أنظمة سايكس بيكو، وإمساك الشعب الفلسطيني بقضيته.
هذا الأمر، أي استقلالية القيادة الفلسطينية، لم يرق لأي من حكام العرب ما أدى إلى صدامات، خفية، مع الراحل أحمد الشقيري، إلى أن تمكن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من إجباره على الاستقالة من رئاسة منظمة التحرير في كانون الأول 1967.
بعد هزيمة 1967 عملت أنظمة عربية على تسليم فتح قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية وأمدها وهابيو السعودية تحديداً بالمال، عبر الراحل ياسر عرفات شخصياً، ما مكنها [ومكنه أيضاً] من ممارسة هيمنة شبه كاملة على المشهد الوطني الفلسطيني لكن من دون نفي توافر عوامل أخرى ساهمت في ذلك.
عندما شن نظام عمان، العميل، حربه على العمل الفدائي الفلسطيني، كما كان يُعرف، لم يتمكن فيها من تحقيق أي انتصار، التأم مؤتمر القمة العربي بالقاهرة في 23 أيلول 1970 بغياب كل من سورية، ووضع خطة بداية نهاية الحركة الوطنية الفلسطينية المستقلة، والعودة إلى الثقة بإخوان القيادة الفلسطينية الجديدة من الزعماء العرب الذين بدورهم اتفقوا، ضمن أمور أخرى، على «السحب السريع لكلتي القوتين من عمان، وإرجاعهما إلى قواعدهما الطبيعية والمناسبة». هذا عنى إنهاء ارتباط الحركة الوطنية الفلسطينية العضوي والمادي المباشر بالشعب الفلسطيني في أكبر تجمعاته خارج فلسطين المحتلة، وربما حتى بالمطلق، وتحولها إلى حركة سياسية تسووية مساومة.
هكذا كررت قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية مأساة عام 1936 عندما قبلت حينئذ بإنهاء الإضراب والثقة ببريطانية، صديقة حكام أنظمة سايكس بيكو؛ هذه المرة رضخت لقرارات الحكام العرب من باب الثقة بالنظام الأردني الذي أقيم أصلاً فقط لهدفين: ليكون دولة حاجز لحماية كيان العدو ولمحو اسم فلسطين.
والآن، وجب القول: لا مستقبل لحركة وطنية فلسطينية منتصرة إلا بالالتحام الاندماجي مع حركة وطنية شرق-أردنية بهدف استبدال نظام وطني تقدمي في عمان بالنظام المتصهين. غير ذلك، إضاعة للوقت وملهاة بائسة أوصلتنا إلى ما نحن فيه من حال، حيث نزاحم كل مستسلم ممن لا قاع له.
أما متسولو دولة كاريكاتورية ويرون في رفع علم فلسطين فوق مقر الأمم المتحدة انتصاراً وهمياً يضاف إلى سلسلة هزائمهم، فنكرر القول مع الأديب الفلسطيني الراحل محمود درويش:
عبثاً تحاول يا أبي ملكاً ومملكة فسر للجلجلة.
ماذا تريد؟ علماً
وماذا تنفع الأعلام
هل حمت المدينة من شظايا قنبلة.