لم يغب الحدث الدولي المتمثل بفرض مجلس الأمن عقوبات جديدة ضد إيران عن الصحف الأميركية. فتابعت مواقع الصحف التصويت من مجلس الأمن مباشرة، وأردفته بتحقيقات وتحليلات مسبقة عن التصويت المتوقع من تركيا والبرازيل. وهلّل المحافظون واليمين عموماً، بما في ذلك الجمهوريون والديموقراطيون على حد سواء، بالعقوبات التي «ستعيد إيران إلى الحظيرة الدوليّة». وفيما رأى البعض أنّ العقوبات ليست قوية كفاية لإضعاف إيران، برزت أصوات من اليسار تندّد بما حصل. فوفق هؤلاء، لن تقوم العقوبات بالمطلوب منها لجهة إحضار طهران إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة وحلفائها
إعداد وترجمة: ديما شريف

نعم... إنّها مهمّة!



ماثيو ليفيت*
يمثّل قرار مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، بمعاقبة إيران نقطة تحوّل أساسية في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لاستهداف نشاطات إيران غير الشرعية. يركّز القرار على برنامج إيران الخاص بالأسلحة النووية والصواريخ البالستية، الحرس الثوري الإسلامي، المسؤول عن هذه البرامج ومساندة النظام للإرهاب، وخطوط الشحن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، (اريسل)، التي تورّطت مباشرةً في شحنات نووية. العقوبات الموجودة في هذا القرار هي كما قالت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سوزان رايس «صارمة وذكية ومحدّدة». القرار الجديد محدّد جداً وغامض بطريقة مقصودة. وهنا تقع قوّته.
لائحة الأربعين كياناً والشخص الواحد، الموجودة في ملاحق القرار الثلاثة مستهدفة بطريقة دقيقة. أثبت استخدام «عقوبات ذكية» كهذه، وإبراز الكيانات المحدّدة والأشخاص المتورطين في تصرف إيران غير الشرعي وتحميلهم المسؤولية، في الوقت الذي تجري فيه حماية الجمهور الإيراني الواسع من عقوبات قديمة الطراز، أنّه فعّال جداً. هذا التكتيك ينكر على نظام إيران الثوري الفرصة لتحريف اللوم بخصوص أوضاع البلاد الاقتصادية، في الوقت الذي جرى فيه تعطيل قدرته على تمويل ونقل مواد ضرورية لبرامج الأسلحة النووية والصواريخ البالستية. لكنّ عدد الكيانات التي أُقصيت من القرار تعبّر أكثر من تلك التي وصلت إلى اللائحة. معظم الكيانات التي جرت الإشارة إليها هذا الأسبوع مثلاً، كانت قد سمّتها وزارة الخزانة الأميركية و/أو الاتحاد الأوروبي. إذاً كانت قد تعرّضت لأكثر التأثيرات التي أملت قرارات الأمم المتحدة أن تحقّقها، مثل العزلة الاقتصادية من جانب المؤسسات المالية الكبرى.
فكِّروا في خطوط إيران للشحن، "اريسل». أدانت الولايات المتحدة «اريسل» بدايةً في أيلول 2008 لتسهيلها نقل شحنة تمنعها الأمم المتحدة، ولتزوير وثائق واستخدام خطط خادعة لتغطية تورّطها في التجارة غير المشروعة. وكما قالت وزارة الخارجية وقتها، أدان «مجلس الأمن اريسل كشركة تورّطت في شحنات لمواد ممنوعة من الانتشار».
لكنّ ملاحقة التسميات الأميركية والأوروبية للكيانات مثل اريسل أو شركة البناء «خاتم الأنبياء»، التي يسيطر عليها الحرس الثوري، وتسميتها كلّها في قرار الأمم المتحدة، هما أمر مهمّ جداً لنظام العقوبات العالمي. في ظل وجود دول منتقدة مثل الصين، ماليزيا، سنغافورة وغيرها، المستعدة فقط لأن تفعل القليل لإطاعة قرارات مجلس الأمن، فإن تسمية كيانات مهمّة مثل اريسل وشركات الحرس الثوري في الأمم المتحدة تعني تطبيقاً أوسع للعقوبات.
للأسف، فإنّ القرارات المتعددة الأطراف ليست صعبة التحقيق وحسب، بل إنّها قد تؤدي إلى عملية صنع قرار فيها أدنى قاسم مشترك. إذاً، في الوقت الذي كان يجري فيه بناء توافق دولي لعمل قوي في الأمم المتحدة، تابعت بريطانيا، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة وغيرها اتخاذ إجراءات مالية أحادية وثنائية، تركّز على اريسل، والشركات التابعة للحرس الثوري، وأشخاص ومؤسسات أخرى تسهّل سلوك إيران غير الشرعي. مع العسكرة المتزايدة للنظام الإيراني، والانتهاكات الصارخة لميليشيا الباسيج، وهي فرع من الحرس الثوري، يبدو استهداف كيانات مقرّبة من الحرس الثوري أحادياً، في الوقت الذي يجري فيه بناء توافق دولي على القيام بذلك على مستوى الأمم المتحدة، استراتيجية فعّالة. هذا يعني أنّ لائحة الكيانات التي فرضت عليها عقوبات هذا الأسبوع ما هي إلّا تعزيز لعقوبات سابقة عوضاً عن واحدة جديدة كلياً.
وهذا جيد. لأنّه رغم كون لائحة الكيانات المعاقبة محدّدة، حرص المفاوضون الأميركيون وغيرهم على وجود إمكانات لإمرار أفعال إضافية عبر متن القرار. بطريقة أخرى، فإنّ القرار الجديد مهمّ جداً ليس بسبب الكيانات المحددة في ملاحقه، لكن لتأمين أساس يمكن أن تبنى عليه جهود إضافية لتعطيل نشاطات إيران غير الشرعية.
لاحظوا، على سبيل المثال، المرات العديدة التي «يطلب فيها القرار من كل الدول» فعل كلّ ما سبق أن ذكرناه، والتحقّق من لائحة الكيانات والأشخاص المعاقبين بطريقة محدّدة، كالطلب من أجل «ممارسة اليقظة» في ما يتعلق بالتحويلات التي يدخل فيها الحرس الثوري، والتي يمكن أن تسهم في «انتشار موادّ حسّاسة في النشاطات النووية، أو تطوير أنظمة تسليم سلاح نووي». بعبارات بسيطة، تعزّز هذه اللغة المتّبعة الدول والمؤسسات الدولية كي تتّخذ خطوات صارمة ضد الحرس الثوري.
عبر توسيع العقوبات ضد شركة الشحن الإيرانية، يدعو القرار «كل الدول إلى تفتيش كلّ شحنة من إيران وإليها، ضمن أراضيها، ومن ضمنها المرافئ البحرية والمطارات، إذا كانت الدولة المعنية تملك معلومات تعطي أسساً منطقية بأنّ الشحنة تتضمن موادّ ممنوعاً تخرينها، بيعها، نقلها أو تصديرها» بواسطة هذا القرار أو قرارات سابقة عن مجلس الأمن. التعارض بين الخصوصية في لائحة الكيانات المعاقبة، والمستوى المنخفض نسبياً لعبارة «أسساً منطقية» هما مثال حيّ على الغموض المقصود، الذي يمكن أن يكون قوياً في أيدي الدول التي تريد أن تقسو على طهران.
بطريقة مماثلة، «يطلب» القرار من كلّ الدول الأعضاء أن تقدّم إلى الأمم المتحدة «كلّ المعلومات المتوافرة» عن «عمليات النقل أو النشاطات من جانب قسم الشحن في الطيران الإيراني أو السفن التي تملكها اريسل أو تشغلها لحساب شركات أخرى»، ويمكن أن تكون على علاقة بالتهرّب من العقوبات. «يدعو» القرار الدول إلى «اتخاذ إجراءات مناسبة»، وهي عبارة غامضة وقويّة في الوقت نفسه، كي تمنع المصارف الإيرانية من فتح فروع لها، أو شركات تابعة لها، أو مكاتب تمثيل، أو شراكات، أو علاقات بالمراسلة مع مصارف ضمن سلطتها، وتمنع المؤسسات المالية في أراضيها أو تحت سلطتها من فتح مكاتب أو حسابات لها في إيران.
بالفعل، فإنّ القرار «يرحّب» بالتوجيه الذي أصدرته فرقة العمل المالية، وهي منظمة تكنوقراط متعددة الأطراف تضع المعايير الدولية لمحاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. والتوجيه الذي أصدرته المنظمة يساعد الدول على تطبيق التزاماتها المالية وفق قرارين سابقين هما 1737 (الصادر عام 2006) و1803 (الصادر عام 2008). ويركّز خصوصاً على تنبيه المنظمة لـ«ممارسة الحذر في ما يتعلق بالتحويلات المالية التي تشارك فيها مصارف إيرانية، ومنها المصرف المركزي الإيراني، لتفادي أن تسهم هذه التحويلات في انتشار مواد نووية محظورة، أو في تطوير أنظمة أسلحة نووية». وهكذا، فإنّه رغم أنّ المصرف المركزي الإيراني ليس معاقباً بطريقة محدّدة، فإنّه دخل في اللعبة على نطاق واسع.
في شباط، وضعت المنظمة إيران على لائحتها السوداء، معترفةً بأنّه في استمرارها في تطوير أسلحة نووية، حملتها ضد الديموقراطية، ارتباطاتها الإرهابية، فإنّ طهران استمرت في أداء مالي مخادع هدف إلى جمع، نقل، إخفاء والوصول إلى الأموال عالمياً. بالتوازي مع نداء دول مجموعة العشرين لحماية النظام المالي العالمي من الانتهاكات، تميّز اللائحة الدول التي تطبّق آليات ناقصة لـ«مناهضة تبييض الأموال ومحاربة تمويل الإرهاب». نالت إيران «تنويهاً» خاصاً على اللائحة السوداء، فهي كانت الدولة الوحيدة التي استحق أداؤها المالي غير الشرعي نداءً من أجل اتخاذ آليات دولية لمحاربته.

هذا القرار الجديد محدّد جداً وغامض بطريقة مقصودة وهنا تكمن قوّته

على عكس الحكمة التقليدية، فإنّ إيران حسّاسة تجاه هذه الأفعال. بعد أحد تحذيرات المنظمة، على سبيل المثال، أرسلت إيران وفداً للتوسّط لدى المنظمة رغم أنها ليست عضواً فيها. لكنّ المنظمة رفضت ادعاءات إيران بأنّ تغييرات تشريعية حدّدت قصورها المالي، فقالت إنّ الآليات الجديدة «بخيلة» وفيها «ثُغَرٌ كبيرة». بالفعل، فإنّ المنظمة وضعت إيران على اللائحة السوداء رغم أنّها تعترف «بالخطوات الأخيرة» التي قام بها النظام للتعامل معها. هكذا يبدو أنّ المنظمة تريد أن توصل رسالة مفادها أنّها لن تخلط الالتزام العام بالتقدم الملحوظ. وبطريقة مشابهة، رغم أنّ إيران طلبت مساعدة تقنية من مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة لتأسيس مركز تدريب من أجل وحدتها الاستخبارية المالية الناشئة، فإنّ المنظمة ركّزت على «فشل النظام في معالجة الثُّغر الكبيرة والمستمرة» في جهودها لمناهضة تبييض الأموال ومحاربة تمويل الإرهاب.
النتيجة هي زيادة كبيرة في كلفة القيام بأعمال لمصلحة النظام الإيراني. الشركات الأوروبية المتعددة الجنسية تنهي علاقاتها المالية مع إيران، وهي تتبع بذلك المصارف الدولية الكبرى في تضييق الخناق على نظام إيران المالي. قد تنال الشركات الصينية والماليزية العقود المتوافرة، لكنّ العديد من التكنولوجيات التي تحتاج إليها إيران من أجل صناعاتها النفطية ومشتقّاتها، ومن أجل برامج الصواريخ والنووي موجودة فقط في الغرب.
هذه العقوبات لن تحلّ وحدها الأزمة المتعلقة ببرنامج إيران النووي. لكن إذا جرى تطبيقها وفرضها بذكاء، يمكن أن تكون أساسية في منع إيران من الحصول على القنبلة. وهذا شيء جيد جداً...
* عن «فورين بوليسي»، مجلة أسّسها صموئيل هانتنغتون


نتائج عكسيةروبرت درايفوس*
بعد ثلاث جولات من العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، التي أقرّتها الأمم المتحدة بضغط من الرئيس جورج بوش الابن وإدارته وسفيره جون بولتون، يوحي تصويت مجلس الأمن لفرض جولة رابعة من العقوبات أنّ الرئيس باراك أوباما لا فكرة لديه عمّا يجب فعله في الملف الإيراني.
سأعطيه فكرة صغيرة: العقوبات ليست الحلّ.
ستسمعون الكثيرين من منتقدي إيران، وخصوصاً من المحافظين الجدد وإدارة أوباما نفسها، ولا سيما وزارة الخارجية، يقولون إنّ ما حصل هو نصر كبير. ستسمعون بالتحديد أوباما ووزارة الخارجية يناديان بأنّ جهود الرئيس الرائعة لكسب أصوات روسيا والصين من أجل التصويت مع العقوبات هي التي حققت كلّ هذا الاختلاف. سيخبرونكم أنّ أوباما أبدع لعزل إيران وإقناع موسكو وبكين للموافقة على العقوبات الجديدة، فيما روسيا والصين نجحتا في التوصل إلى أن تكون العقوبات المفروضة من مجلس الأمن غير مجدية بالمرّة. وبطبيعة الحال، كان الرئيس بوش قد فعل الأمر عينه، ثلاث مرات: فرغم مقاربة بوش التي تشبه طريقة عمل الكاوبوي في ما يتعلق بالهيمنة الاحادية والحروب التي لم يُتحقق منها في الخارج، فإنّه استطاع أيضاً ضمان مساندة روسيا والصين للتصويت في المرات الثلاث الماضية في ما يتعلق بعقوبات مجلس الأمن على إيران بين 2006 و2008.
يقول بيان، يمدح صاحبه، صادر عن مكتب وزارة الخارجية في الأمم المتحدة، أي متجر سوزان رايس، إنّ الأمم المتحدة «تبقى منفتحة تجاه الحوار» مع إيران. لكنّ البيان يعدد ما لا يقل عن 14 عقوبة جديدة على إيران يفرضها القرار 1929. في الحقيقة، لا تساوي أيّ من هذه العقوبات شيئاً. ولا واحدة منها «معطلة»، ولا واحدة تستهدف صادرات النفط والغاز الإيرانيين، ولا واحدة منها ستفعل شيئاً لإقناع أو إجبار أو إخافة طهران كي تغيّر سياستها في ما يتعلق ببرنامجها النووي (الحقيقة أنّ العقوبات معتدلة وبلا معنى، بسبب إصرار روسيا والصين على ألّا يكون لها تأثير على الشعب الإيراني).
إذاً، وفق وزارة الخارجية، تحظر العقوبات في القرار 1929 الاستثمارات الخارجية في الصواريخ والمسائل النووية، وتحظر وصول إيران إلى مجموعة من الأسلحة التقليدية. كذلك تمنع حصولها على تكنولوجيا الصواريخ البالستية، وتمنح الدول فرصة تفتيش السفن المحملة بالبضائع إلى إيران. وهي تستهدف شركة النقل الإيرانية «إيريسل» وخطوطها الجوية لمزيد من «الحذر»، وتتضمن تدابير عدّة تتعلق بالتمويل، من ضمنها نداء إلى كلّ الدول لـ«منع علاقات مصرفية جديدة على أراضيها، ومن ضمنها فتح فروع جديدة لمصارف إيرانية، والمشاريع المشتركة والعلاقات المصرفية عن بعد، إذا كان هناك شك محتمل في ارتباطها بالانتشار النووي». رداً على ذلك، من المتوقع أن تدّعي إيران أنّها غاضبة جداً، لكن في الحقيقة، فإنّ طهران تعرف جيداً أنّ العقوبات هي مجرد تصريح سياسي. ومما لا شك فيه أنّ إيران غير سعيدة لكون روسيا والصين لم تعملا على منع العقوبات عبر استخدام حق الفيتو ضد القرار 1929، لكنّهم لن يحققوا هدفهم.
توجّه الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى الصين في زيارة عالية المستوى لشنغهاي. والتقت إيران الأسبوع الماضي في تركيا مع الأتراك والروس. لا ننكر أنّ هناك بعض التوتر في العلاقة بين إيران وحلفائها الآسيويين، فهي منزعجة من موسكو وبكين لمساندتهما العقوبات، وقاطعت اجتماع منظمة شانغهاي للتعاون، وهي اتفاقية تجمع روسيا والصين ودولاً عدّة من آسيا الوسطى وتتمتع فيها إيران بمنصب عضو «مراقب». رغم ذلك، لن تترك القوّتان الآسيويّتان الكبيرتان الولايات المتحدة تفرض عقوبات جديدة قاسية على إيران، والإيرانيون يعرفون ذلك.

العقوبات ستجعل من الصعب على إيران القيام بأي خطوات تصالحية دون أن تبدو كأنّها تنصاع للضغط الدولي

في قمة «التعاون وبناء الثقة» في تركيا، يوم الثلاثاء، التزم قادة إيران، تركيا وروسيا، ومنهم أحمدي نجاد وبوتين، بما سمّته صحيفة «نيويورك تايمز» «عرضاً للقوة الإقليمية بدا أنّه محسوب لاختبار الأمم المتحدة قبل يوم من النقاش المدعوم أميركياً في مجلس الأمن». خلال الاجتماع، تشاور أحمدي نجاد وبوتين على انفراد، وقال بوتين علناً إنّ تصرّف مجلس الأمن «يجب ألّا يضع قيادة إيران وشعبها في مصاعب». صوّتت البرازيل وتركيا ضد القرار 1929. وكانت البرازيل وتركيا قد التزمتا منذ فترة بجهد دبلوماسي رائع لإقناع إيران باتفاق تشرين الأول 2009 الذي أبرمته مع الولايات المتحدة في جنيف، ولكن مع اختلاف قليل. الولايات المتحدة غاضبة من الدولتين لأنّهما فعلتا ذلك، لأنّها رأت أنّ هذا الجهد (وهذا صحيح) موجّه من قبل القوّتين لإبطاء جنون الاندفاع نحو العقوبات. لن يؤثر تصويت البرازيل وتركيا على مركز أيّ من الدولتين في قلب هيلاري كلينتون. وفي إهانة مقصودة للبرازيل وتركيا، قالت الولايات المتحدة للوكالة الدولية للطاقة الذرية إنّ الجهود الدبلوماسية كانت فكرة سيّئة. وفق صحيفة «لوس أنجلس تايمز»، «أخبرت الولايات المتحدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأربعاء، أنّ الجهود البرازيلية والتركية لحلّ الأزمة الخاصة ببرنامج إيران النووي فشلت في طمأنة القلق الدولي».
يدّعي المحافظون الجدد بالطبع أنّهم سعيدون. يدّعون لأنّ أكثر المحافظين الجدد خبثاً، مثل بولتون، ناقشوا لفترة طويلة أنّ العقوبات غير مجدية وبدون معنى، وأنّها لن تردع إيران. وأصدرت المجموعة المناهضة لإيران، الخاصة بالمحافظين الجدد «متحدون ضد إيران نووية»، تصريحاً بعد لحظات من صويت مجلس الأمن، مرحّبة بالقرار، لكن مطالبة بالمزيد: «في إمرار جولة رابعة من العقوبات، وجّهت الأمم المتحدة رسالة واضحة إلى إيران مفادها أنّ مسعى الوصول إلى برنامج أسلحة نووية غير شرعية يعني عزلة اقتصادية دولية. لكن في الوقت الذي يمثّل فيه القرار رسالة واضحة ورمزاً مهماً لمعارضة المجتمع الدولي لسياسة إيران الحالية، لن يكون هذا كافياً لإيقاف سعي إيران وراء الأسلحة النووية. المطلوب أعمال إضافية على شاكلة عقوبات ذات معنى أكبر».
وبالفعل، هناك المزيد من العقوبات على الطريق، لكن السؤال هو هل ستكون «مجدية»؟ تنوي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استخدام قرار مجلس الأمن كنقطة انطلاق لفرض عقوبات احادية على إيران، من ضمنها عقوبات مالية تدعمها وزارة الخزانة الأميركية، ويمكن أن تستهدف المصرف المركزي الإيراني. والكونغرس، في انتفاء حكمته اللامتناهي، من المرجّح أن يمرّر قانوناً يضع ضغطاً كبيراً على البيت الأبيض لتقييد احتياط إيران من الوقود المستورد والمنتجات المشتقة من النفط المكرر.
ربما جاءت ردة الفعل الأكثر مدعاة للحزن على العقوبات المستفزّة وغير المجدية من منظمة «جاي ستريت» التي من المفترض أنّها مساندة للسلام، ومعارضة للوبي «آيباك» الذي هلّل للقرار: «ترحّب جاي ستريت بإمرار عقوبات متعددة الأطراف ومعززة وواسعة على إيران في مجلس الأمن اليوم... اليوم، تسمع حكومة إيران رسالة واضحة من المجتمع الدولي أنّ هناك نتيجة حقيقية للتشويش المستمر والتأخير والعناد في ما يتعلق ببرنامجها النووي، كذلك فإنّ هناك مكاسب حقيقية إذا استجابت استجابة كاملة للقلق الدولي».
الحقيقة أنّ القرار سيجعل من الصعب إيجاد خرق دبلوماسي في البرنامج النووي الإيراني. وذلك لأنه سيجعل من الصعب على قيادة إيران العنيدة القيام بأي خطوات تصالحية دون أن تبدو كأنّها تنصاع للضغط الدولي.
بالنسبة إلى أوباما الذي حاول فتح باب للحوار مع إيران، فإنّ القرار 1929 هو رمز لفشله. وبما أنّه استُبعد الحل العسكري، فإنّ الخيار هو بين الدبلوماسية واحتواء إيران ما ـــــ بعد ـــــ نووية. في ظل هذا الخيار، تصبح العقوبات غير ذات صلة، وتصعّب من مهمة الدبلوماسية. بالنسبة إلى الإدارة، أفضل ما يمكن قوله إنّ العقوبات هي جهد لكسب الوقت، لتجنّب مجانين الكونغرس الذي يطالبون بأفعال كالحصار البحري لإيران، ومخابيل المحافظين الجدد الذين يريدون قصف إيران، وقصفها، قصفها، قصفها. للأسف، أيّها الرئيس، ما حصل يشجّع هؤلاء وحسب.
*عن «ذا نايشن»، مجلة يسارية أسبوعية