حسام كنفاني«نحن مع المصالحة بشرط ألا يكون الثمن فلسطين والقدس»، هذا كان رأي القيادي في حركة «حماس» محمود الزهار، غداة إعلان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن المبادرة الجديدة لحل الأزمة الداخلية الفلسطينية. كلام الزهار، ومعه موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس في ما يخص التوقيع على الورقة المصرية، يعطي إشارات عن المصير الذي ستواجهه المبادرة التركية، حتى وإن كان أردوغان حاصلاً على «التفويض من حركة حماس».
الحسابات الداخلية الفلسطينية قد تكون هامشيّة في المعادلة الإقليمية الجديدة التي كرّسها الصعود التركي على المسرح العربي والإسلامي بعد جريمة «أسطول الحرية» وما تلاها من مواقف تركية ألهبت الجماهير العربية وأحرجت الأنظمة. ومن البديهي القول إن هذه الأنظمة، ولا سيما الراعية لملف المصالحة الفلسطينية، ليست في وارد الدخول في مزيد من الإحراج وتسهيل مهمة أردوغان وحكومته لتحقيق اختراق في الأزمة الداخلية الفلسطينية يجرّد بعض الدول العربية من ملفات تبقيها على قيد الحياة السياسية الإقليمية.
الحديث هنا بالدرجة الأولى عن مصر، التي خسرت على مدى السنوات الماضية كل أوراق قوّتها في المنطقة، وجعلت من ملف المصالحة وإمساكها بمعبر رفح جسر عبورها إلى بقايا الدور الإقليمي الذي تريده. الإحراج الذي سببته مجزرة سفينة «مرمرة» التركيّة للقاهرة كان كافياً لدفع الرئيس المصري حسني مبارك إلى «فتح جزئي» لمعبر رفح. ومن المؤكّد أنه ليس في وارد الوقوف أمام مزيد من الإحراج إذا نجحت أنقرة في مسعاها الفلسطيني، الذي ستواجهه من دون شك عقبات مصريّة كبيرة.
السعودية أيضاً، وإن بدرجة أقل، سيكون لها دور في الاصطفاف خلف «الاحتكار المصري» لملف المصالحة. والرياض، وإن كانت مستاءة من الإدارة المصرية لهذا الملف وتنظر بعين الريبة إلى دور مصري ما في إسقاط اتفاق مكة، إلا أنها أيضاً ليست في وارد فتح الباب العربي على مصراعيه أمام المارد التركي الجديد. متابعة الفضائية والصحف التي تموّلها المملكة كفيلة بإعطاء صورة عن موقف الرياض من الدور التركي المستجد.
حتى سوريا قد لا تكون في وارد التنازل عن دورها في الملف الفلسطيني لحليفها التركي، مهما بلغت درجة هذا الحلف، ولا سيما أنها تُعتبر طرفاً أساسيّاً ثانياً لا يمكن تهميشه لإتمام المصالحة. وهي إن كانت مستعدة لتسهيل الدور التركي، إلا أن ذلك لن يكون على حساب إخفاء القرار السوري في الملف وارتباطاته المباشرة بالعلاقات العربية ــــ العربية، وخصوصاً العلاقة مع مصر.
معطيات تضاف إليها الحسابات الفلسطينية المعقدة في الملف الداخلي، وخصوصاً بالنسبة إلى حركة «فتح» التي من غير الوارد ذهابها إلى المصالحة من موقف ضعف. ضعف متعدّد الجوانب، يرتبط أولاً بفشلها الداخلي، سواء على مستوى الحركة التي تنخرها الخلافات والتيارات، أو على مستوى نجاعة الخيارات السياسيّة للسلطة الفلسطينية، ولا سيما في الملف التفاوضي الغارق في الفشل.
في المقابل، من المؤكّد أن السلطة، ومن ورائها حركة «فتح»، لا تنظر بعين الرضى إلى مستجدّات الوضع في قطاع غزة لجهة التوجه الدولي لتخفيف الحصار على قطاع غزّة. ورغم الطابع الإنساني الترحيبي الذي يحاول مسؤولو السلطة إضفاءه على هذا التوجه، إلا أنهم يرون في الأمر انتصاراً لحركة «حماس» وخياراتها، وهو ما دفع أبو مازن إلى التمسّك بشرط التوقيع على الورقة المصريّة.
«حماس»، من جهتها، تدرك أنها حالياً الرابح الأكبر من جريمة البحر الإسرائيلية. وهي لا شك في الطريق إلى استثمار هذا الربح. استثمار كان محمود الزهار أول من عبّر عنه في حديثه لصحيفة «الوطن» السورية، حين ربط بين المصالحة والتفريط بفلسطين أو القدس. موقف يغمز من قناة مفاوضات التسوية ويمثّل شرطاً مسبقاً يتخطى الورقة المصرية بما يحمل من معان تشير ضمناً إلى أن «لا مصالحة في ظل المفاوضات».
إضافة إلى ذلك، فالحركة أساساً تنظر إلى الورقة المصرية على أنها منتهية الصلاحية، ولا بد من مفاوضات على أسس جديدة لرسم صيغة محدّثة للمصالحة تأخذ في الاعتبار الدور المتعاظم لـ«حماس» على الساحة الفلسطينية، إضافة إلى ملاحظاتها وهواجسها ومشروعها السياسي. وهي ترفض مسبقاً الصيغ المعروضة لجهة أخذ الملاحظات بعين الاعتبار من دون إدراجها في الورقة.
معطيات لا تشير إلى أن ميزان الأزمة الفلسطينية يميل إلى كفة المصالحة، في ظل الحسابات الداخلية والإقليمية، من دون الحديث عن الحسابات الأميركية والإسرائيلية، التي من المؤكد أنها ليست في وارد تكريس «الزعامة التركية» من البوابة الفلسطينية.