سياستنا تجارة خاسرة
«أنا لست بعربيٍّ... أنا فينيقيّ». هي عبارة اعتاد عدد لا بأس به من اللبنانيين تردادها بين الحين والآخر. هي عبارة اعتدت تردادها في كل مرة كان يبلغ فيها التقاعس العربي ذروته المعهودة. لم أكن بذلك أتنكّر لنسبي العربي «الأصيل» أكثر ممّا كنت أفاخر بحضارة عريقة لمع نجمها. هي نعمة حقّاً هذه الحضارة، أنتشي بإنجازاتها بين الحين والآخر لعلّها بذلك تنتشلني ولو لبرهة، من وادٍ موحش تنبح حوله الكلاب الضارية بالحرية.
فهل تتحوّل هذه النعمة إلى نقمة؟
«اللبناني تاجر ابن تاجر». عبارة اعتدت أيضاً سماعها... ولا شك أنّ حبّ اللبناني للتجارة، أضف إلى ذلك حنكته، يعودان بالدرجة الأولى إلى الدم الفينيقي الذي يجري في عروقه. لكن هذه التجارة دخلت الحياة السياسية وتغلغلت فيها. فالسياسيّون هم لبنانيون في نهاية المطاف، ويحق لهم كباقي اللبنانيين ممارسة حقّهم الطبيعي في المتاجرة... حتى بأرواح الناس، ليصدق القول إنّ «التجارة لا دين لها». لقد تملّكت التجارة أصحاب القرار وأصابتهم بالجشع، فأصبحت تصاريحهم وتحالفاتهم مليئة بالتناقض من المنظور السياسي لا الاقتصادي، ذلك أنّ أسعار السلع كما نعلم تتقلّب بحسب العرض والطلب. لكنها مهما درّت من ربح وافر، فهي خاسرة على المدى الطويل. لأنهم من حيث يدرون أو لا يدرون، لا يتاجرون، بل يرهنون الوطن والشعب «لأجندة» الخارج. فهل بوسعهم استرجاعه قبل فوات الأوان؟ حبّذا...
لا السياسة بقيت سياسة... ولا التجارة بقيت تجارة! سياستنا تجارة... تجارة حقاً خاسرة!
محمد بيضون

■ ■ ■

عندما يمزح النائب

أيّها المواطن، لا تُذكّرني بهمومك المعيشيّة لأنّ تكرارك يُزعجني، ولا تتكلّم عن قضايا الفساد والمحسوبيّات التي تدّعي رؤيتها يوميّاً، فهذه أمور لن تفهمها وهي لا تعنيك إطلاقاً. اتركْها لي سأحلّها بمعرفتي! ما عدْت أحتمل إزعاجك، فاكفني ـــــ أيّها المواطن ـــــ شرّ حشريّتك في قضايا لا تخُصك بل تخصّني أنا والوطن! «تفرّجْ» على الأحداث، وابقَ ساكتاً حتّى لو استفزّتك، لأنّ تمرّدك سيُفقدك ماء وجهك في الشارع، وستُتّهم بأنّك مُتقلّب المزاج، وبأنّك تأخّرتَ كي تعترض، وهذا سيُدخلك في مُشاحنات كلاميّة ويُعرّضك لانتقادات أنت بغنى عنها. أيّها الموطن العزيز على قلبي، لقد كنتُ مثلك مُواطناً عاديّاً، فالهموم أعرفها لأنني عايشتها قبلَك وأدكتُ أنّها «فالج لا تعالج». عليك أن ترضى بالأمر الواقع، وتنسى وجودي حتّى أعيش لحظات المجد والسعادة طيلة فترة نيابتي.
مصطفى كلاكش