السائق والشارة الدينيّة
أجمل العلاقات وأرقاها تلك التي تجمع العبد بخالقه، حينها تتلوّن الزهور وهي تسمع النداء الخفي الذي يرتّل الصلاة متلهفاً إلى رحمة الرب، والطامح إلى عفوه وغفرانه وبركاته... وكم هو جميل منظر الحشود وهي تزور بيوت الله مؤدية رسالة الرقي ومتضرّعة إلى الخالق من أجل حياة أفضل ونهاية سعيدة... ولعل المنظر الذي يبهج القلب حقاً هو إصرار الشباب «مستقبل الغد» على التحلّي بالأسس الدينية الجميلة والخيّرة... ولكن!
ولكنّ القلب ينفطر ألماً حين ترى بعض الشباب، هؤلاء الفتية الذين لا تسعهم الدنيا بأسرها وهم يجوبون الطرقات بسياراتهم الفخمة وغير الفخمة وأصوات الموسيقى تصدح منها، فتحسّ بها خنجراً يطرق باب قلبك ويشوّه كل ملامحه الطرية... ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل ترى بعض الفتية يقودون سياراتهم بسرعة جنونية والشعارات الدينية التي يعلّقونها داخلها تتوه في زحمة التهوّر والسرعة والاستهتار، فتتأوّه وتصرخ بوجع خلّصوني وانزعوني من بين يدي هذا... الشاب الذي لا يعرف أين تودي به السرعة والجنون! شعارات تحمل في مضمونها رسائل ومعاني شتى... ورسوماً تخفي بين خطوطها نفوس البشر... هذا الوصف تطالعه عيناك كل يوم على السيارات المارّة أمامك، التي تشكل عالماً آخر من الكتابات والرسوم على الزجاج وعلى هيكل السيارة من الأمام والخلف ومن الجوانب أيضاً... الكتابة على السيارات تجاوزت الممارسات الفردية لتصبح ظاهرة ملحوظة في الشارع اللبناني، وخاصة بين الشباب الذين يتعمدون كتابة كلمات ورسوم غريبة على سياراتهم.
وأيضاً تلفّك مشاعر الأسى والأسف والوجع حين تشتبك الألسن وتجحظ العيون وتصبح الشتائم سيدة الموقف، وإذا بتلك الشارات التي ترمز إلى كل الأديان تتمنى لو تعبر المسافات وتذهب بسلام إلى خالقها، لأن من يدل على نفسه وانتمائه بواسطتها لا ينتمي في الحقيقة إلى أي دين. فالأديان وُجدت لتزيد الإنسان إنسانية وتجعل منه مخلوقاً راقياً يستحق نعم الله... ولكن من المؤلم حقاً أن تزداد الشعارات وتتعدّد الألوان ويضيع الالتزام الديني والإنساني الحقيقي، ليجد الدين نفسه غريباً لا يرضى بمثل هذه الممارسات الفتّاكة المدمّرة.
حبّذا لو يدرك الشباب وبعض السائقين المستهترين بالأسس النبيلة والقيم الدينية الصحيحة أن ما يقومون به من حركات وتصرفات مشينة وألفاظ بذيئة وهم يضعون «شارات دينية» في سياراتهم يخدش الروح ويحزن القلب ويضع العقل في موقف الحائر من كل هذه الأخطاء الجسيمة.
الدكتور إلياس ميشال الشويري
(رئيس الجمعية اللبنانية للسلامة العامة)