خالد صاغيةذات يوم، أحبّ وليد جنبلاط أن يمزح، فأخبر طرفة. روى رئيس اللقاء الديموقراطي عن لسان أحد المسؤولين الأميركيين قصّة متخيّلة تجسّد الفارق، كما يراه الأميركيون، بين الرئيس السوري بشار الأسد ووالده الراحل حافظ الأسد. قال المسؤول الأميركي آنذاك: لو جئنا يوماً ما إلى الرئيس حافظ الأسد، وقلنا له إنّ آصف شوكت مطلوب للعدالة الدوليّة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لنظر إلينا الرئيس الراحل وقال: من هو آصف شوكت؟ لم أسمع بهذا الاسم!
هذه المزحة السمجة رُويتْ آنذاك نتيجة استغراب الأميركيين وحلفائهم رفضَ القيادة السوريّة اتّهامها باغتيال الرئيس رفيق الحريري، رغم طمأنات كثيرة جرى العمل عليها كي لا يشعر رأس النظام بأيّ تهديد. كلّ ما كان مطلوباً هو أن يقبل الرئيس السوري بالتضحية ببعض ضبّاطه، فيحاكَموا باعتبارهم منفّذي جريمة الاغتيال (والمخطّطين لها ربّما من دون علم الرئيس السوري نفسه)، وتنتهي المسألة عند هذا الحدّ. نهاية سعيدة للأطراف كافّة. قيادات 14 آذار ترى اتّهامها السياسي لسوريا قد بات حقيقةً. النظام السوري يخرج من عزلته بعد تسليمه «المجرمين». آل الحريري يروون غليلهم.
لأسباب كثيرة، لم ينجح هذا السيناريو. لا الرئيس السوري قبل الاتهام، وما مِن ضبّاط سوريّين جرت التضحية بهم. قيادات 14 آذار تراجعت عن اتّهامها. النظام السوري خرج من عزلته بلا «جميلة» المحكمة الدولية. آل الحريري أوفدوا ابنهم البار لينام في سرير مَن اعتقدوا ذات يوم أنّه قاتل والده.
الغريب أنّنا نواجه بعد هذه المسرحيّة التراجي ـــــ كوميديّة سيناريو مشابهاً. مرّة أخرى، تُرسَل الطمأنات إلى رأس الهرم، السيّد حسن نصر اللّه هذه المرّة. ما من اتّهام مباشر له، ولا لحزب اللّه. المطلوب فقط قبول الأمين العام بالتضحية بعناصر من حزب اللّه سيقال إنّهم غير منضبطين. ولإضفاء مزيد من الصدقيّة على الرواية الجديدة، لا بأس من ذكر اسم عماد مغنية ما دام قد اغتيل هو الآخر. ومرّة أخرى، ثمّة استغراب لرفض قيادة الحزب هذه «التضحية».
التشابه بين السيناريويْن مثير للاشتباه والشفقة في آن واحد. لكن في الحالين، يبدو أنّ الباحثين عن «الحقيقة» في لبنان باتوا مفتونين بنظريّات ما بعد الحداثة حيث لا حقيقة ولا من يحزنون. أو، بالأحرى، ثمّة جريمة بحقائق كثيرة، تماماً كما وصف كمال الصليبي لبنان، ذات مرّة، بأنّه بيت بمنازل كثيرة.