لبنان كوكب الأرض
تعقيباً على التحقيقات التي لا تحصى، والتي نشرت في الآونة الأخيرة في جريدتكم الغراء عن موضوع العنصرية المستشرية في لبنان، وخاصّة تجاه العاملات والعمّال الأجانب،
قرأت بفخر هذا الصيف ملصقات وزارة السياحة اللبنانية التي تعرّف السائح بلبنان وتصوّره لهم بأنه وجهة سياحية من الدرجة الأولى. فالملصقات من حيث النوعية والمضمون توازي تلك التي نراها في بلدان العالم السياحية المتطورة. صدّقت ما قرأت، فقررت تمضية الصيف بأكمله هذه السنة في لبنان لأعرّف زوجتي وأولادي الثلاثة إلى بلدهم، بعدما كنت قد شوّقتهم إليه خلال السنين العشرة الماضية في الغربة، لدرجة أنني أرهقتهم بأقاصيصي عن بلد الأرز والحرف وشرعة حقوق الإنسان وجبران وكلية الحقوق في بيروت وشريعة حمورابي وأليسار وهنيبعل.
قدمنا إلى لبنان منذ بضعة أيام، وقررنا التوجّه إلى منطقة الهري قرب شكا لتمضية ليلة في فندق باهظ الثمن للتمتع بمياه شاطئ الحرف. وصلنا إلى الفندق ساعة الظهر، فقوبلنا بابتسامة يسهل على موظفة الاستقبال توزيعها على الزبائن نتيجة إتقان اللبنانيين فن استقبال الزائر (كما شرحتُ لعائلتي). رمينا أمتعتنا بسرعة في الغرفة، وهرعنا إلى الشاطئ. هناك، هالنا منظر عاد بنا مئات السنين إلى الوراء حينما ازدهرت أسواق النخاسين، حيث إن العاملات الأجنبيات اللواتي كن يعتنين بأطفال نزلاء الفندق في المسبح أمرن بارتداء مريول خاص للتعريف بهن كخادمات. كذلك مُنعت الخادمات من الاستحمام في مياه البحر الشاسع. وبينما نحن نتأمل المنظر بدهشة المصعوق بأفواه «مشدوقة»، أتى «أبو الصفارة»، آمر مخيم الاعتقال، ليأمر زوجتي السمراء بارتداء مريول. عندها قفلنا راجعين خائبين، والخجل يعتريني من أن «بلد الشرائع» الذي يبدو لي أنه قد فاته قطار التطوّر، لم يكتب لنفسه شرعة حقوق وحريات لمواطنيه أسوة بدول العالم المتحضر.
جورج كرم