خالد صاغيةيحقّ لأيّ لبنانيّ، لا بل من واجب أيّ لبنانيّ، يعاني منذ خمسة أعوام من التوتّر الشديد الذي يسود البلاد، أن يسأل سؤالاً بسيطاً: لماذا يوجد 8 ويوجد 14 آذار؟ أو لماذا يوجد خلاف كبير يبرد ثمّ يسخن بين حزب اللّه وتيّار المستقبل؟
يحقّ لهذا اللبنانيّ الذي يسأل هذا السؤال البديهي ألا يلجأ إلى تحليلات شخصيّة وألا يستمع إلى تنظيرات استراتيجيّة. يحقّ له أن يأخذ على محمل الجدّ كلام المسؤولين عن هذين التيّارين اللذين يكادان يختزلان البلاد كلّها. وإن فعل ذلك، فسيجد أنّ فريق 14 آذار، أو على الأقلّ القسم المؤثّر فيه، كسر الجرّة مع حزب اللّه حين رفضت قيادة الحزب الوقوف في وجه النظام السوري وقيادته. بهذه الحجّة وبهذه الحجّة وحدها، رُمي حزب اللّه بكلّ أشكال الاتّهامات، وتمكّن متّهموه من حماية أنفسهم من تهمة الهجوم على المقاومة في لبنان. فـ14 آذار لا علاقة لها بحرب تمّوز، وهي بالتأكيد لا تتمنّى حرباً إسرائيلية تنهي حزب اللّه، وهي تؤيّد مقاومة إسرائيل، لكن قيل لنا إنّ الداخل اللبناني لا يستطيع تحمّل حزب بهذا الحجم يقف إلى جانب القيادة السوريّة، فيما يتّهم أكثر من نصف اللبنانيّين هذه القيادة تحديداً باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
كان هذا سابقاً على معزوفة «احتكار الدولة للعنف» وضرورة نزع سلاح حزب اللّه أو دمجه بالجيش اللبناني، وكذلك كان سابقاً على البحث في الاستراتيجيا الدفاعيّة، وسابقاً طبعاً على التمييز بين «ثقافة الوصل» و«ثقافة الفصل»، وبين «حبّ الحياة» وكرهها.
أمّا اليوم، فقد أنعم اللّه على الرئيس سعد الحريري بما يسمّيه «العلاقة الشخصية الممتازة مع الرئيس بشار الأسد». إذاً، كان يُفترض، بحسب اللبناني الساذج أعلاه، أن يبطل سبب الخلاف الجوهريّ بين «المستقبل» وحزب اللّه. لكن، بدلاً من ذلك، بات مأمولاً من القيادة السوريّة، بحسب الرواية الجديدة لقوى 14 آذار، أن تؤدّي دورها في تحجيم حزب اللّه، لا بل الضغط عليه من أجل أن يقبل باتّهام بعض عناصره «غير المنضبطين» باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
نهاية بائسة لبائعي أوهام الحريّة والسيادة والاستقلال.