لم يحدث قط في تاريخ الفكر في الإسلام أن أشاد أحد بسؤدد العقل كما أشاد به ابن حزم. ولكن لم يحدث قط في تاريخ الفكر في الإسلام أن أقال أحد العقل كما أقاله ابن حزم. هذه المفارقة هي الأكثر تمييزاً لما قد يجوز لنا أن نسمِّيَه بمشروع الانقلاب الحزمي الذي بقي بالفعل مجرد مشروع معلَّق في الفضاء العقلي الإسلامي لم يقيَّض له أن يتأسس في مذهب
جورج طرابيشي *
إن جميع مصنِّفي التراجم ومن تصدّى من المحْدَثين لدراسة ابن حزم ينوِّهون بأنه كان شافعياً قبل أن يتحول إلى المذهب الظاهري. والواقع أن ابن حزم أخذ عن الشافعي مرتين: مرة عن الشافعي نفسه، وأخرى عن داود الأصبهاني الذي كان هو نفسه شافعياً قبل أن يبادر إلى إرساء اللبنات الأولى للمذهب الظاهري الذي سيعيد ابن حزم تأسيسه في ما يشبه أن يكون ــــ حسب مفردات ابن خلدون ــــ نشأة مستأنفة.
وكما في كل انقلاب، كان لا بد لابن حزم من أن ينطلق من نقطة الصفر ولكن من دون أن يتنكر للاستمرارية التي تربطه لا محالة بالمنقلَب عليه، ولو من خلال كونها استمرارية ضدية.
ولعل هذه الحاجة إلى التوفيق المستحيل بين نقطة صفر مطلقة وبين استمرارية نسبية ــــ لأن الضدية هي علاقة أساسية من علاقات النسبة ــــ هي التي تحكمت بالمفارقة الحزمية الكبرى: تسييد العقل وإقالته في آن معاً.
فمن خلال الرجوع إلى ما يسميه ابن حزم نفسه «أوائل العقل» ستتوافر لمشروعه الانقلابي نقطة بداية أولى مطلقة. ولكن من خلال إقالة العقل، أو استتباعه للنص استتباعاً مطلقاً أيضاً، سَيَفي بشرط الاستمرارية الضدية الذي من دونه يكفُّ الانقلاب ــــ وهنا المعرفي ــــ عن أن يكون انقلاباً.
وهذا التموضع على مستويين، البدء من نقطة الصفر والاستمرار عن طريق الضدية، هو ما يفسر الازدواجية النظرية الجذرية التي يصدر عنها ابن حزم في كل مشروعه الانقلابي. فمن النادر ألا يبدأ كتاباً من كتبه إلا انطلاقاً مما يسميه على سبيل الترادف «أوائل العقل» و«بديهة العقل» و«حجة العقل» و«قوة العقل» و«حكم العقل» و«برهان العقل»، وهي تعابير تتردد بكثرة لافتة للنظر في مقدمة كتابه الأصولي شبه الموسوعي الإحكام في أصول الأحكام.

ابن حزم لم ينطلق من «كونية العقل» إلا ليخلع صفة الكونية على رؤيته الدينية

وللوهلة الأولى، أي عند نقطة الصفر، يبدو ابن حزم وكأنه رائد المذهب العقلي الأكثر جذرية في الإسلام. هكذا يفتتح كتابه الإحكام في أصول الأحكام بباب يعنونه بنفسه «في إثبات حجج العقول»، وفيه يعرض نظرية في المعرفة ذات منزع عقلي خالص، إذ تنكر كل مصدر آخر للمعرفة البدئية سوى العقل، وتسفِّه كل نظريات المعرفة الأخرى التي تردُّها إلى الإلهام أو الإمام أو الخبر أو التقليد، وهي النظريات المتداولة كما هو معلوم في الحقل البياني العربي، السنِّي والشيعي على حد سواء.
يقول على لسان نفسه: «قال أبو محمد: قال قوم: لا يُعلم شيء إلا بالإلهام، وقال آخرون: لا يُعلم شيء إلا بقول الإمام، وهو عندهم رجل بعينه إلا أنه منذ مئة عام وسبعين عاماً معدوم المكان، متلف العين، ضالة من الضوال. وقال آخرون: لا يُعلم شيء إلا بالخبر، وقال آخرون: لا يُعلم شيء إلا بالتقليد. واحتجوا في إبطال حجة العقل بأن قالوا: قد يُرى الإنسان يعتقد بشيء، ويجادل عنه، ولا يشك في أنه حق، ثم يلوح له غير ذلك؛ فلو كانت حجج العقول صادقة لما تغيرت أدلتها».
وإذ يطعن ابن حزم في جميع النظريات المعرفية المبطلة لـ«حجج العقول» هذه، دامغاً إياها بأنها «تمويه كاذب»، يخلص إلى تنصيب العقل نقطةَ بدءٍ أولى مطلقة، قائلاً بالحرف الواحد: «إن صحة ما أوجبه العقل عرفناه بلا واسطة وبلا زمان، ولم يكن بين أول أوقات فهمنا وبين معرفتنا بذلك مهلة البتة... وقد يقع في النفس وساوس كثيرة لا يجوز أن تكون حقاً، وأشياء متضادة يكذِّب بعضها بعضاً، فلا بد من حاكم يميِّز الحق منها من الباطل، وليس ذلك إلا العقل الذي لا تتعارض دلائله» (الإحكام، ج1، ص19ــــ20).
ولا يكتفي ابن حزم بالإعلان عن أن «حجة العقل» هي «المفرِّقة بين الحق والباطل» (ص21)، بل يضيف في باب لاحق من الكتاب نفسه أنه «لا طريق إلى العلم إلا من وجهين: أحدهما ما أوجبته بديهة العقل وأوائل الحس، والثاني مقدمات راجعة إلى بديهة العقل وأوائل الحس» (ص64).
وقد يبدو هنا وكأن ابن حزم يقرن مذهبه العقلي بمذهب حسِّي، وذلك من خلال علاقة المساواة التي يقيمها عن طريق واو العطف بين «بديهة العقل» و«أوائل الحس». ولكنه في نص تالٍ، وهو التقريب لحد المنطق، يستدرك على نفسه فينفي علاقة المساواة ويجعل إمرة الحس للعقل أو لتوسطه على حد تعبيره، بقوله إن «ما يعرفه الإنسان بحسه» لا يعرفه إلا «بتوسط العقل» .
هل نستنتج من ذلك أن ابن حزم كان يصدر عن مذهب عقلي خالص؟
هذا ما يذهب إليه محمد عابد الجابري الذي يستشهد مرتين على التوالي في تكوين العقل العربي وفي بنية العقل العربي بنص ابن حزم القائل إنه «لا طريق إلى العلم إلا من وجهين: بديهة العقل وأوائل الحس» ليؤكد أن «المنطلق عند ابن حزم هو حجة العقل». وليس فقط أي عقل كان، بل تحديداً «العقل الكوني» بالمعنى الذي أرساه أرسطو، أي حسب تعبير ابن حزم نفسه «العقل الذي لا يختلف فيه ذو عقل». ومن ثم لا يجد صاحب مشروع نقد العقل العربي حرجاً ولا يبدي تردداً في أن يدرج ابن حزم في عداد «المدرسة العقلانية النقدية» ــــ بطبعتها المغربية! ــــ وفي أن يتبنى ظاهريته أيديولوجياً وإبستمولوجياً معاً بوصفها «مشروعاً فكرياً فلسفيَّ الأبعاد يطمح إلى إعادة تأسيس «البيان» وإعادة ترتيب العلاقات بينه وبين «البرهان»... [من منطلق] ضرورة احترام مبادئ العقل والتزامها وضرورة تعميم المنطق وتعريبه وتبيئته»، مما ينهض دليلاً واضحاً ليس فقط على إيمانه [= ابن حزم] بـ«كونية العقل»، بل أيضاً على طموحه إلى جعله السلطة المرجعية الوحيدة في مختلف مجالات المعرفة».
وبصرف النظر عن هاجس الانتصار لمدرسة عقلانية برهانية مغربية مزعومة ــــ وهو الهاجس الذي أوفيناه على ما نعتقد نصيبه من التشريح النقدي في كتابنا وحدة العقل العربي الإسلامي ــــ فلنا أن نلاحظ أن الإصرار المسبق على الزجِّ بابن حزم في عداد هذه المدرسة إنما تحكمه قراءة غالطة ومغلِّطة للظاهرية الحزمية. فهي قراءة تقف عند محطة انطلاق ابن حزم في مشروعه الانقلابي: البدء من نقطة الصفر، ولا تتابعه إلى محطة وصوله: الاستمرارية الضدية مع الشافعية المنقلَب عليها. فابن حزم لم ينطلق لفظاً وشكلاً من «كونية العقل» إلا ليخلع، محتوى ومضموناً، صفة الكونية على رؤيته الدينية الشديدة الخصوصية. والظاهرية ليست أصلاً «مشروعاً فكرياً فلسفيَّ الأبعاد» بقدر ما هي استعادة للشافعية باتجاهٍ أكثر غلواً في النصِّية مما ذهب إليه الشافعي نفسه. بل أكثر من ذلك: فلئن يكن الشافعي ترك للعقل، من خلال مبدأ القياس، فرجةً يتسلل منها إلى النص، فلن يكون لابن حزم مِن همٍّ يبلغ حد الوسواس كما سنرى سوى سدِّ تلك الفرجة وإعلان بطلان القياس وكفِّ يد العقل إزاء سلطة النص التي لا يجوز أن تعلو عليها سلطة أخرى.
والواقع أن صائغ دعوى «ظاهرية ابن حزم الحبلى والمثقلة بكل مضامين العقلانية النقدية» قد غيَّب تغييباً تاماً عن وعي قارئه كل النصوص التي لا تقع تحت عدٍّ، والتي أعلن ابن حزم من خلالها عن استتباع العقل للنص، وعن حتمية سكوته متى نَطَق النص، وعن حصر وظيفته بفهم النص والالتزام بالمنصوص عليه دونما اعتبار لدرجته من العقلانية أو اللاعقلانية. فشروط المعقولية يستمدُّها العقل من النص لا من نفسه. فليس من معقول إلا معقول النص حتى وإن يكن من منظور العقل لامعقولاً. ذلك أن إمرة العقل لا تعود إليه، بل إلى النص. وليس من وظيفة للعقل غير أن يعمل في خدمة النص وفهم النص. وأقصى نصاب له أن يكون مرآة مضيئة للنص. ولكن كما في كل مرآة فإن العقل يستمدُّ نوره لا من نفسه، بل من النص. ولذا ينبغي التحديد بأنه مرآة عاكسة لا تضيء النص إلا بقدر ما تردُّ إليه النور المنبعث منه إليها. وبصيغة تشبيهية أخرى، لنقل إن العقل لا يملك إزاء النص من الحرية هامشاً أوسع من الهامش المتاح لإبرة البوصلة في التوجه دوماً نحو الشمال. والشمال بالنسبة إلى العقل هو النص. وفي سياق علاقة تبعية العقل المطلقة هذه للنص، فإن آخر ما يمكن العقل أن يدَّعيه لنفسه هو الاستقلال بالعقلانية، وكم بالأحرى بـ«العقلانية النقدية» كما يتقوَّل مصنِّف تكوين العقل العربي على الظاهرة الحزمية. ولسوف نرى أن أحد أحجار الزاوية التي تقوم عليها عمارة النصية الحزمية الإدانةُ الدامغة لكل مسعى إلى اتخاذ موقفٍ «رأييٍّ» من النص، فكم بالأحرى إذا ادّعى مثل هذا الموقف أنه «نقدي»!
والآن لندع ابن حزم يحدِّد بنفسه ماهية العقل ووظيفته.
ففي الباب الافتتاحي نفسه الذي يعنونه «في إثبات حجج العقول» يعرِّف العقل تحديداً حصرياً بقوله: «إنما العقل الفهم عن الله لأوامره» (الإحكام، ج1، ص31). وفي باب لاحق يقول، ودوماً بالصيغة الحصرية: «إنما العقل مُفْهِم عن الله تعالى مراده، ومميِّزٌ للأشياء التي قد رتَّبها الباري تعالى على ما هي عليه فقط» (ج1، ص67). وفي نصٍّ تالٍ، وفي معرض الرد على منتقديه الذين لاحظوا أن «أصحاب الظاهر يبطلون حجج العقول»، يوضح أن «حجج العقول» التي أوهم نفسه ــــ ومعه قارئه ــــ أنه ينطلق منها انطلاقه من نقطة الصفر ترتدُّ في التحليل الأول والأخير إلى «الفهم عن الله» . هكذا يقول على لسان نفسه: «قال أبو محمد: «كذبوا، بل نحن [= أهل الظاهر] المثبتون لحجج العقول على الحقيقة وهم المبطلون لها حقاً، لأن العقل يشهد أنه لا يحرِّم دون الله تعالى، ولا يوجب دون الله تعالى شريعة، وأنه إنما يفهم ما خاطب الله تعالى به حامله، ويعرف الأشياء على ما خلقها الله تعالى عليه فقط. وهم يحرِّمون بعقولهم ويشرِّعون الشرائع بعقولهم، بغير نص من الله تعالى، ولا من رسوله (ص)، ولا إجماع من الأمة، فهذا هو إبطال حجج العقول على الحقيقة» (الإحكام، ج7، ص478).
والواقع أن مقولة «حجة العقول» و«حجج العقول»، التي تتكرر بقلم ابن حزم عشرات المرات، تكاد لا تعني سوى شيء واحد، وهو أن العقل محجوج للنص، وليس له بالتالي أن يقرر شيئاً، إباحةً أو حظراً، من ذاته، وهذا ليس فقط بعد ورود النص، بل حتى قبل وروده كما في الشواهد الآتية:
ــــ «ليس في العقل ما يوجب تحريم شيء مما في العالم وتحليل آخر، ولا إيجاب عمل وترك إيجاب آخر» .
ــــ «العقل لا يحرِّم شيئاً ولا يوجبه، والعقل عرَضٌ من الأعراض محمول في النفس، ومن المحال أن تحكم الأعراض وتوجِب وتشرِّع» .
ــــ «ليس في العقل تحريم شيء مما جاء فيها [الشريعة] تحريمه ولا إيجاب شيء مما جاء فيها إيجابه».
ــــ «ليس [للأشياء] حكم في العقل أصلاً لا بحظر ولا إباحة، وإن كل ذلك موقوف على ما ترد به الشريعة، وهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره... وهذا يبطل أن يكون للعقل محل في حظر أو إباحة، أو تحسين أو تقبيح... والشريعة لا تحسِّن ما حسَّنت العقول ولا تقبِّح ما قبَّحت... وأنكرنا أن يكون للعقل رتبة في تحريم شيء أو تحليله أو تحسينه أو تقبيحه... وبَطُل بذلك قول من قال: إن الأشياء قبل ورود الشرع على الحظر أو الإباحة... وإذ بطل هذا القول فقد بطل أن يكون الشيء في العقل قبل ورود الشرع له حكم في العقل بحظر أو إباحة» (الإحكام، ج1، ص52-57).
هكذا، ورغم تكرار كلام ابن حزم على «حجج العقول»، فإنه لا يبيح حجة العقل في تحليل أو تحريم ولا في تحسين أو تقبيح، ولا حتى في اجتهاد أو استحسان أو تعليل كما سنرى لاحقاً.
وكذلك، ورغم تكرار كلامه على «أوائل العقل»، فإنه لا يعترف للعقل بأية أولوية: فهو مكفوف اليد إلى حين ورود الشرع. ومتى ورد الشرع، فإنه لا يعود للعقل أي دور في اجتهاد أو استنباط أو قياس أو تعليل، بل ينحصر دوره كله في «معرفة الأشياء على ما هي عليه» (الأحكام، ج1، ص8). ورغم تكرار ابن حزم هذه العبارة الأخيرة في مواضع شتى من كتبه، فإنه لا ينبغي أن يفهم منها أن العقل الذي يتحدث عنه هو العقل المعرفي بالمعنى الوضعي الحديث للكلمة. ذلك أن العقل المعرفي، كما تمخضت عنه قطيعة الحداثة، هو عقل معماري Architectonique. عقل لا يكتفي بتسجيل الوقائع على ما هي عليه، أي في حالتها الخام، بل ينظِّمها ويجرِّدها في علاقات ذهنية ومعادلات رياضية، ويبنيها ويعيد بناءها من خلال إحداثيات افتراضية، هذا إن لم يتخيل انطلاقاً منها وقائع قابلة للتوظيف الفعلي حتى وإن لم يكن لها وجود مادي. ومعماريته هذه تنسحب من الوقائع عليه: فهو يبني نفسه من خلال بنائها. أما العقل الذي يحصر ابن حزم دوره بمعرفة الأشياء ــــ أو «الأمور» حسب تعبير آخر له (الإحكام، ج8، ص581) ــــ على ما هي عليه، فهو عقل انطباعي تنحصر كل فاعليته بـ«الفهم» السالب، وتكاد كل نزعة تدخُّلية من جانبه تعَدُّ كفراً صريحاً، كما يصرح ابن حزم بذلك في أكثر من موضع في معرض حملته على أهل القياس والرأي والاستحسان. ولعلنا نكون أكثر وفاءً للغائية المباطنة لكل المشروع الحزمي فيما لو عرَّفنا العقل كما يداوره بأنه «معرفة النصوص على ما هي عليه» ما دامت هذه النصوص صادرة عن الله وما دامت وظيفة العقل الأولى هي «الفهم عن الله».
ألا نكون بعد هذا كله أقرب إلى حقيقة الظاهرية الحزمية فيما لو جعلنا عنوان الباب الافتتاحي لكتاب الإحكام ليس «في إثبات حجج العقول»، بل «في إبطال حجج العقول»؟
فالعقل لا حجة له إلا أن يكون أوّلَ. والحال أن الأولوية المطلقة عند ابن حزم هي للنص. وبصفتها هذه، فإنها تقتضي تأسيس العقل في ثانوية مطلقة. وصحيح أنه قد يتأتى لابن حزم أن يتحدث عن «أدلة عقلية»، ولكن ليضيف حالاً: «هي كلها واقعة تحت النص وغير خارجة عنه أصلاً» (الإحكام، ج5، ص99). وصحيح أنه قد يتفق له أن يقول: «إن الحواس والعقل أصلٌ لكل شيء، وبهما عرفنا صحة القرآن والربوبية والنبوَّة»، ولكن ليضيف حالاً أيضاً: «لولا النص لم يصح ما يدرك بالعقل والحواس» (الإحكام، ج2، ص99).

لامعقوليّة النص

لا يكتفي ابن حزم بالإعلان عن أن العقل يستمد معقوليته لا من ذاته، بل من النص الذي لا يصح له إدراك بدونه. بل يذهب إلى أبعد من ذلك ليعلن أن النص نفسه قد لا تكون له أي معقولية بمقاييس العقل، وأن هذه اللامعقولية تظل مع ذلك ملزمة للعقل لأنه لا خيار له سوى أن يجعل من لامعقول النص معقوله. والمحاكمة «العقلية» التي يجريها ابن حزم من هذا المنظور مذهلة للعقل حقاً، وهذه بعض نماذجها.
فانطلاقاً من قاعدة تقول: «لا علم لنا إلا ما علمنا الله» (الإحكام، ج8، ص465)، ومن أخرى تنص على أنه «لا حسن إلا ما أمر الله تعالى به، ولا قبيح إلا ما نهى الله تعالى عنه» (ج4، ص477)، لا يتردد ابن حزم في الجزم بأن نصاب النص من المعقولية، وبالتالي من الإلزام للعقل، لا يتغير لو أن الله أمرنا بما نهى عنه ونهانا عما أمرنا به. وهذا ليس فقط في الأوامر والنواهي التي تبقى في التحليل الأخير ذات طابع عرضي كالأمر بالاغتسال إلى المرافق أو النهي عن لحم الخنزير، بل كذلك حتى في الأوامر والنواهي ذات الطابع الجوهري مثل الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك. فابن حزم لا يذهب فقط إلى أن الله كان يمكن ألا يأمر بالاغتسال إلى المرافق وألا ينهى عن لحم الخنزير، بل يغلو أيضاً إلى حد القول بأن الله لو كان أمَرَنا بالشرك ونهانا عن التوحيد لكان ينبغي أن نكون مشركين لا موحِّدين. هكذا ينبري ابن حزم في باب «الكلام في النسخ»، وفي معرض الجدال مع بعض أصحابه من أهل الظاهر أنفسهم ممن قال قائلهم إن «كل ما عُلم بالعقل فلا يجوز أن يُنسخ مثل التوحيد وشبهه»، فيقول: «هذا فاسد من القول لأنه مجمِل لما لا يجوز مع ما يجوز، ولكن يُسأل قائل هذا القول فيقال: ما أردت بقولك: لا يجوز نسخ التوحيد؟ فإن كنت تريد أنه بعد أن أعلمنا الله تعالى أنه لا يُنسخ هذا الدين أبداً ولا يجوز تبديله... فنعم، هذا قول صحيح... وإن كنت تريد أنه تعالى غير قادر على نسخ التوحيد، أو أنه تعالى قادر على نسخه والأمر بالتثنية أو التثليث، إلا أنه لو فعل ذلك لكان ظلماً وعبثاً، فاعلم أنك مخطئ ومفترٍ على الله، لأنك معجز له متحكم عليه، وموقِع له تحت رتب عقلك وقوانينه... وهذا كلام يؤول إلى الكفر المجرد، مع عظيم ما فيه من الجهل والجنون. بل نقول: إن الله عز وجل قادر على أن ينسخ التوحيد، وعلى أن يأمر بالتثنية والتثليث وعبادة الأوثان، وأنه تعالى لو فعل ذلك لكان حكمة وعدلاً وحقاً، ولكان التوحيد كفراً وظلماً وعبثاً... وليس اعتقادنا التوحيد حقاً ولا حكمة بذاته، من دون أن يكون لله فيه أمر، ولكن إنما صار حقاً وعدلاً وحكمة لأن الله تعالى أمر به ورضيه وسمّاه حقاً وعدلاً وحكمة فقط. فهذا دين الله عز وجل الذي نصَّ عليه بأنه يفعل ما يشاء وأنه «لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» (الأنبياء: 23)، وأنه لو أراد أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء، وهذا هو القول الذي دلَّت العقول على صحته وبطلان ما عداه لأن العقل يشهد أن الله تعالى خلقه... وأنه تعالى خلق العقول على ما هي عليه... وأنه لو شاء أن يخلق العقول على غير ما هي عليه، وأن يرتِّب الأمور فيها على خلاف ما رتَّبها لفَعَله، ولما تعذَّر عليه ذلك، ولكان حينئذ هو الحق والعدل والحكمة، وما عداه الظلم والجور والعبث» (الإحكام، ج4، ص475ــــ476. والتسويد مناهكذا يتجرد العقل والمعقول من كل قوامية ذاتية ويتأسسان في تبعية مطلقة للأمر والنهي الإلهيين. وهذان بدورهما لا يخضعان لأي آمر من معقولية يحدد العقل معاييرها. فصحيح أن المأمور به هو المعقول، والمنهي عنه هو اللامعقول، ولكن ما ذلك لأن المعقول معقول واللامعقول لامعقول بمقاييس العقل، بل لأنهما كذلك بمقاييس النص. والحال أن النص كان يمكن أن يأمر بما نهى عنه، وأن ينهى عما أمر به. وفي هذه الحال يكون اللامعقول المنهيُّ عنه قد صار هو المعقول المأمور به، كما يكون المعقول المأمور به قد أمسى هو اللامعقول المنهيَّ عنه.
وعلى عكس مبدأ الهوية الأرسطي، الذي يوحي الجابري لقارئه بأن ابن حزم تقيَّد به، فإن مذهب الظاهرية لا يتردد في أن يضحِّي بمبدأ الهوية على مذبح مبدأ الضدية. فعكس العقل كان يمكن أن يكون هو العقل، وعكس المعقول كان يمكن أن يكون هو المعقول. ومبدأ الضدية هذا لا يسري على العقل والمعقول وحدهما، بل كذلك على النص والمنصوص عليه. فقد كان من الممكن أن يكون المأمور به بالنص هو الشرك لا التوحيد، وعبادة الأوثان لا عبادة الله. وفي هذه الحال كان الدين سيكون هو الشرك لا التوحيد، وعبادة الأوثان لا عبادة الله. وبما أن النص هنا هو في المقام الأول نص القرآن، فهذا معناه أن عكس القرآن كان سيكون هو القرآن، وكان عكس القرآن الذي ليس بين أيدينا إلا بالفرض سيكون هو المعقول، بينما سيكون القرآن الذي بين أيدينا هو بالفعل اللامعقولمن هنا كان التمويه الكبير على القارئ حينما يقال له، بلسان مؤلف تكوين العقل العربي، إن ابن حزم كان نصيراً كبيراً للعقل وللمعقول. صحيح أن الجابري يستشهد في هذا الصدد بنص لابن حزم يقول فيه: «كل ما قاله الله تعالى فحقٌّ ليس منه شيء منافياً للمعقول». ولكنه يسكت بالمقابل سكوتاً تاماً عن النص الذي وجدنا ابن حزم يقول فيه إن الإنسان لا يجوز له أن يوقع الله «تحت رتب وقوانين عقله»، وإن الله كان يمكن أن «يخلق العقول على غير ما هي عليه». وبالتالي إن يكن ما قاله الله ليس فيه شيء منافٍ لمعقول العقول، فما ذلك إلا لأنه خلق العقول على نحو لا يمكنها معه إلا أن تعتبر ما قاله الله هو عين المعقول. وقد كان يمكن الله لا أن يخلقها على خلاف ما خلقها فحسب، بل كان يمكنه أيضاً أن يقول خلاف ما قاله. وفي هذه الحال أيضاً، ما كان للعقول المرتَّبة على خلاف ما هي مرتَّبة عليه إلا أن تعتبر ما قد يقوله الله في القرآن الافتراضي هو عين المعقول، ولو كان معاكساً معاكسة الضد للضد لما قاله في القرآن الفعلي. وليس من قبيل الصدفة أن يكون مؤلف تكوين العقل العربي قد عقد، في معرض التوهيم على القارئ بانتماء ابن حزم «الجذري» إلى المذهب العقلاني، صلةَ رحمٍ وثيقة بينه وبين أرسطو العصر الحديث: هيغل. وذلك عندما يقول إن «العقل [عند ابن حزم] لا يناقض القرآن، كما أن القرآن لا يناقض العقل... وبعبارة هيغلية: كل ما هو قرآني فهو معقول، وكل ما هو معقول فهو قرآني» . ولكن بما أن مبدأ المعقولية، معقولية العقل ومعقولية النص القرآني معاً، لا يرجع إليهما، بل إلى الله ومشيئته حصراً ــــ وبهذا المعنى يوظف ابن حزم الآية 23 من سورة الأنبياء «لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» ــــ فإن المعادلة الحزمية المصوغة وفق النمط الهيغلي لا تستقيم ما لم يُستلحق بها هذا الاستدراك: علماً بأن «عكس المعقول كان يمكن أن يكون هو المعقول، وعكس القرآن كان يمكن أن يكون هو القرآن لو شاء الله»! وعلى ضوء هذا الاستلحاق، ما كان لابن حزم أن يُنسب إلى المذهب العقلي، أهيغلياً كان أم غير هيغلي، بل إلى مذهب إيمانيٍّ يعتقد بعرضية العقل، لا بجوهريته، بوصفه مخلوقاً للفهم عن الله أوامرَه ونواهيه التي بها وحدها يتحدد نصاب المعقولية من اللامعقولية. وهذا ليس بالرجوع إلى العقل بل إلى خالقه الذي لو شاء لقَلَب الأدوار وأحلَّ النقيض محل النقيض ونقل المعقولية إلى قطب اللامعقولية، والعكس بالعكس، من دون أن يكون للعقل من دور آخر سوى المصادقة على هذا الانقلاب والتسليم بمعقولية ما كان غير معقول ولامعقولية ما كان معقولاً.
وكل ما قلناه هنا عن العقل الاعتقادي ينطبق ــــ وهذا أشد إيغالاً في نفي المعقولية ــــ على العقل الأخلاقي.
ذلك أنه وُجد على الدوام في تاريخ الفكر الديني واللاهوتي من يفصل بين العقل والإيمان ويرى أنه لا الأول ملزم للثاني ولا الثاني مقيَّد بالأول: فليس بين الاثنين قنطرة، بل هوة. بل وُجد في تاريخ المسيحية من يقول: إنني أؤمن لأن ذلك غير معقول Credo Quia Absurdum . وبالمقابل، ورغم الارتباط الصميمي بين الدين والأخلاق، فقد وُجد على الدوام أيضاً من يذهب إلى أن الأخلاق ليست كلها دينية، بل منها أيضاً ما هو اجتماعي من صنع الإنسان في مساره الطويل من الهمجية إلى الحضارة. فحتى قبل أن يأتي موسى بالوصايا العشر، كانت شعوب «وثنية» عديدة قد حظرت في قوانينها وأعرافها القتل والسرقة والزنى، الخ. والحال أن ابن حزم، باستتباعه الأخلاق كما العقل للنص، قد أسقط من اعتباره كل التطور الأخلاقي «الوضعي» الذي حققته البشرية في مسارها التاريخي، وربط الأخلاق حصراً بأوامر الله إيجاباً وبنواهيه سلباً. ولكنه لم يكتفِ بأن يعلن ــــ كما رأينا ــــ «أنه لا حَسن إلا ما أمر الله تعالى به، ولا قبيح إلا ما نهى الله تعالى عنه»، وأن «هذا الذي لا يجوز غيره» (الإحكام، ج4، ص377)، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير: فكما نفى عن العقل معقوليته المباطنة، كذلك نفاها عن الأخلاق. وبنفيه المعقولية عنها، كان أكثر مصادمة للحسِّ السليم منه في نفيه إياها عن العقل. فمسألة معقولية العقل ــــ أتعود إليه أم إلى سلطة تعلو عليه؟ ــــ تبقى في التحليل الأخير مسألة فلسفية أو لاهوتية تستفزُّ الذهن ولكنها لا تجرح الحسَّ السليم. أما إنكار المعقولية المباطنة للأخلاق فهو بمثابة تنكُّر لكل المسار التحضُّري للبشرية عبر التاريخ. وليس أدل على أن الأخلاق لا ترتبط دوماً بنص مقدس من أنه قد توجد، من منظور أمة النص المقدس، أمم كافرة، ولكنها ليست بالضرورة همجية. وذلك هو مثال الحضارة اليونانية، والحضارة الرومانية من بعدها قبل تنصُّرها. والحال أن ربط ابن حزم الأخلاق البشرية بأوامر النص ونواهيه، وبها وحدها، قاده إلى شذوذ في التفكير وفي المحاكمة العقلية أكثر استفزازاً للحس السليم من استفزازه له عندما قال إن الله لو كان أمرنا بالشرك وعبادة الأوثان لكان ذلك «حكمة وعدلاً وحقاً».
وحتى لا نتيه، ومعنا القارئ، أكثر من ذلك في سماء المجرد، فلنتوقف عند هذه النصوص الأربعة التي لا نجد أقل ما نَصِفها به سوى أنها مذهلة:
ففي نص أول، وبعد إعادة التوكيد على «أننا لا نعلم إلا ما علَّمنا الله»، يضيف ابن حزم قوله: «ولسنا معترضين على ربنا تعالى ولا على نبيِّنا (ص)... ولا ننكر شرعهما الشرائعَ علينا... ولو أمرانا بقتل آبائنا وأمهاتنا وأبنائنا لسارعنا إلى ذلك مبادرين» (الإحكام، ج3، ص272. والتسويد منا).
وفي الفصل الذي يعقده ابن حزم من الإحكام في أصول الأحكام لنفي تعارض النصوص - وهو النفي الذي ستكون لنا إليه عودة - لا يتردد في أن يجري على مفهومي اليسر والعسر القرآنيين - بالإحالة إلى الآية 185 من سورة البقرة: "يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" - مبدأ النسبية الذي يُجريه على الأخلاق برمَّتها، نافياً عنهما بدورهما القوامية الذاتية ومستتبعاً إياهما للنص: «إن كل أمر من الله تعالى لنا فهو يسر، وهو رفع للحرج، ولا رفع حرج أعمّ من شيء أدى إلى الجنة ونجَّى من جهنم، ولو أنه قتل الأنفس والأبناء والآباء» (ج2، ص176، والتسويد منا).
وفي نص ثالث نراه يذهب إلى أبعد من «تيسير» قتل الأبناء والآباء وإيجابه فيما لو ورد فيه نص، فيوجب أيضاً التمثيل بهم تقطيعاً وصلباً وسبي نسائهم وذراريهم ومصادرة أموالهم واسترقاقهم بالرجوع إلى حكم النص في الكفَّار. والعجيب أن هذا الإغراق منه في ركوب مركب الشذوذ ومصادمة الحس السليم والعقل الأخلاقي في نصابه الأكثر بدائية يأتي في سياق تأويله لآية «وديعة» لا تطالب المؤمنين بأكثر من القيام بالقسط من دون محاباة لأحد، وهي الآية 135 من سورة النساء: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ". ففي معرض «الكلام في النسخ» والرد على بعض أصحابه من أهل الظاهر ممن قالوا «قولاً فاسداً - حسب توصيفه - بعدم جواز النسخ في «كل ما عُلم بالعقل» - ومن قبيله شكر المنعِم - يُنكر ابن حزم عليهم مرجوعيتهم هذه إلى العقل بدلاً من حكم الله، ويضرب كمثال على جواز نسخ شكر المنعم إيجاب الله على المؤمنين قتل آبائهم، وهم المنعمِون عليهم، إذا بقوا على كفرهم، قائلاً في ذلك: «أوجب الله تعالى القيام عليهم بمرِّ الحق، وإن أدى إلى صلبهم وقتلهم، وقطع أيديهم وأرجلهم وأعضائهم، وضربهم بالسياط، وشدخهم بالحجارة، وهتك أستارهم، وسبي نسائهم وذراريهم، وبيع أملاكهم، وبيعهم مماليك وأخذ أموالهم، وإن كانوا آباءنا المحسنين إلينا، إذا كفروا، فأين شكر المنعم وبرُّ الأب على الإطلاق؟» (الإحكام، ج3، ص478).

يجزم بأن نصاب النص من المعقولية لا يتغير لو أن الله أمرنا بما نهى عنه ونهانا عما أمرنا به

الهوية على مذبح مبدأ الضدية. فعكس العقل ولا يكتفي ابن حزم باعتبار قتل الآباء «الكفَّار» وصلبهم وتقطيعهم وسبي نسائهم وذراريهم فرضاً إلزامياً من فروض العقل الأخلاقي المنصوص عليه قرآنياً حسب تأويله، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، فيعتبر أن النص، والنص وحده، هو ما يميِّز المعقول الأخلاقي من اللامعقول الأخلاقي. فليس الفعل بحد ذاته هو ما يحدد نصابه من الأخلاق، بل حكم النص. وتماماً كما أن اللامعقول كان يمكن أن يكون هو المعقول الملزم للعقل في حال ورود حكم النص بعكس ما ورد به، كما في حال أمر النص بالشرك لا بالتوحيد، كذلك يذهب ابن حزم إلى أن المعقولية في الأخلاق لا تعود إلى الأخلاق في ذاتها - فهي مثلها مثل العقل عديمة القوامية الذاتية - بل إلى النص: فلو جاء النص بعكس ما جاء به لصار الأخلاقي هو اللاأخلاقي، واللاأخلاقي هو الأخلاقي. ذلك أن الخير ليس ما هو خير بذاته، ولا الشر ما هو شر بذاته. بل الخير ما أمر الله به، والشر ما نهى عنه. ولو أمر بما نهى عنه ونهى عمَّا أمر به، لكان ما نرى أنه هو الخير بمقاييس عقلنا الأخلاقي هو الشر، ولكان ما نرى أنه الشر هو الخير. فالله أحلَّ مثلاً - وذلك هو النص الرابع - «ذبح صغار الحيوان لمنافعنا». ولكن لو أن الله أمر ونهى بالعكس، «فأحلَّ هذا [= أي ذبح صغارنا] وحرَّم ذلك [= أي ذبح صغار الحيوان]، لكان عدلاً وحكمة» (الإحكام، ج8، ص586).
عند هذا النص المرعب نتوقف: فلم يسبق قط في تاريخ الفكر البشري - ولنقرَّ لابن حزم بهذه الأسبقية - أن رُهِن نصاب المعقولية واللامعقولية في الأخلاق - أو الحلال والحرام بالتعبير الديني - بجزافية النص كما فعل ابن حزم. أفنغالي إذا قلنا إن الرائد المزعوم لـ«العقلانية النقدية»، بطبعتها «المغربية» المزعومة أيضاً، هو محض متعبِّد عصابي في معبد وثنية النص؟
* من الفصل السادس لكتاب «من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث» الذي يصدر للكاتب قريباً عن «دار الساقي» بالتعاون مع «رابطة العقلانيين العرب»، ويختتم به المؤلّف مشروعه في «نقد نقدِ العقل العربي» الذي صدرت له فيه أربعة أجزاء.