السيّد والعمامة
كان صديقي ينتظر أن يحرّك السيّد يده إلى جبهته ليعدّل عمامته التي حرّكتها حبيبات العرق عن جبهته. كانت حركة يده سريعة، وكانت العمامة المطيعة تعود سريعاً لتستقر فوق جبهته المتعبة. قلّما لاحظ أحد هذه الحركة الفريدة، لكنها كانت تسلّي صديقي خلال استماعه إلى خطابات السيد ومحاضراته، وكان يحصي عدد المرات التي أعاد فيها السيد عمامته خلال المحاضرة.
كأن العمامة كانت تريد الهرب من تعبه. وكأنه كان يريد لكلّ العمائم أن لا تستريح وأن تتعب وتجتهد وتعرف معنى العرق حتى لا يبقى سؤال بدون جواب أو موضوع بدون أسئلة.
ليالي الأسئلة والأجوبة في مسجد الرضا كانت تشهد أكثر محاولات هروب العمامة. كانت تلك الليالي تشهد أكثر مداولات السيّد حيوية، وبالتالي كانت تكثر محاولات اصطياد الكلام الذي يوتّر العلاقة بين السيد والعمائم الكبرى. لربما لذلك كانت العمامة تحاول الهروب.
هربت العمامة ذات ليلة، ومدّتها ابنتي في قصتي بساطاً يطير بها مع السيّد إلى غيوم تختبئ فيها العصافير من الطائرات والصيادين والمفرقعات والمبتهجين بالرصاص والصحون الباثّة واللاقطة...
صديقة ابنتي اليتيمة تقول إن العمامة هربت ليلة وأتتها لتكون مخدة... في الليل، أخبرتها قصة طويلة جعلتها تنام بعد ليال طويلة من دون نوم منذ أن فقدت والدها. في الصباح التالي، أعادت هي العمامة في المبرة إلى السيّد مع قبلة برائحة الفلّ والياسمين.
صديقة ابنتي أسرّت أنها تعرف أسراراً أخرى عن هروب العمامة. طالما هربت ليُخرج منها السيد مستقبلاً لفقير، ومصالحة لزوجين. ومرة أخرج منها رصاصة لمقاوم.
بين عمامة التعب، وتعب العمامة، نعرف كيف يصنع الإنسان المؤمن المعجزة، تماماً كما يصنع العصمة، وكيف أن هذه الصناعة هي أفضل من عمائم لا تخطئ لأنها لا تجرّب ولا تتعب ولا تهرب، بل تظن أنها تيجان ثابتة لا تحسن أن تصبح بساطاً أو مخدّة عند الحاجة.
نزار يحيى