خالد صاغيةبعد حادثة صرف الإعلاميّة أوكتافيا نصر من «سي. أن. أن»، لإبدائها إعجابها بالسيّد محمّد حسين فضل اللّه على موقعها على «تويتر»، ها هي السفيرة البريطانيّة في لبنان، فرانسيس غاي، تضطرّ للاعتذار والإعراب عن أسفها «لأيّ إهانة» ربما سبّبتها إشادتها بفضل اللّه، على مدوّنتها الرسميّة. وكانت غاي قد وصفت فضل اللّه بـ«الرجل الشريف»، وأنّه «أكثر سياسي لبناني سعدت بلقائه»، مضيفةً: «عندما تزوره، يمكنك التأكد من حدوث نقاش فعلي وجدل في جو من الاحترام، والوثوق من أنّك ستغادر شاعراً بأنّك أصبحت شخصاً أفضل».
وقد سارعت الحكومة البريطانية إلى سحب ما كتبته سفيرتها في لبنان على مدوّنتها، لكونها قد عبّرت عن رأي خاص، كأنّ المدوّنات تعبّر عادةً عن آراء عامّة.
فما هو سبب هذا السُّعار الغربي الرسمي ضدّ كلّ من امتدح السيّد فضل اللّه، حتّى بعد موته؟ هل يكفي القول إنّ الرجل كان معادياً للسياسات الأميركيّة في الشرق الأوسط؟ هل يكفي موقفه من إسرائيل؟ لا يبدو ذلك مقنعاً. فهذه من الأمور التي يتسامح الغرب معها عادةً، فلا يضطرّ إلى خدش شعور ليبراليّيه وخذلان ليبراليّي العالم الثالث، الكارهين لثقافاتهم والداعين إلى التغرّب الكامل والفوري.
الواقع أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة في حربها على الإرهاب كانت قد قسّمت المسلمين إلى نوعين: مَن معنا ومَن ضدّنا. لكنّ التقسيم هذا لم يُروَّج له على أُسس سياسيّة، بل ثقافيّة. فـ«مَن معنا» ليسوا حلفاءنا السياسيين، بل هم المسلمون «الحديثون»، والمؤيّدون للقيم الإنسانيّة. أمّا «مَن ضدّنا»، فهم المسلمون الأصوليّون، الـ«ما قبل حداثيّين»، جلّادو المرأة وأعداء القيم الإنسانيّة. لا يمكن جوهر الحرب على الإرهاب أن يستقيم من دون هذه القسمة الثقافيّة، من دون التأكيد أنّ المعركة الأميركيّة في المنطقة ليست مع أعدائها السياسيّين، بل مع أعداء الحضارة الإنسانيّة.
«خطورة» رجل دين كفضل اللّه تكمن في أنّه يزعزع هذه الأسس. فمِن تحت عباءته خرجت المقاومة الإسلاميّة، ومن تحت عباءته أيضاً خرجت الفتاوى التي تنصف المرأة، وترفع من شأن العلم، وتصالح الإسلام مع العيش في الزمن الحديث. وبالمناسبة، ليس مجرّد صدفة أن تكون فرانسيس غاي وأوكتافيا نصر، امرأتين.
ببساطة، لا مكان لمسلم كمحمّد حسين فضل اللّه في العالم الأميركيّ الجديد.