خالد صاغيةشارف مونديال 2010 على نهايته. أربع مباريات تفصلنا عن المشهد الأخير. يمكن القول إنّ موضوع العنصريّة هو الذي طغى على هذه الدورة، إذ لا يمكن إرجاع اختيار جنوب أفريقيا لاستضافة المونديال إلى حسابات رياضيّة تتعلّق بالكرة الأفريقيّة وحسب. ثمّة تواطؤ على إبراز صورة هذا البلد الخارج من نظام الفصل العنصري. كذلك جرى المونديال في وقت تواجه فيه الأندية الأوروبية مشكلات كبيرة تتعلّق بألوان اللاعبين وأصولهم غير البيضاء. وقد مثّلت أزمة المنتخب الفرنسي ذروة هذه المشكلة، بعد الشكّ في أنّ استبعاد لاعبين جرى لأسباب عرقيّة، وبعدما انكشفت العلاقة بين سوء التنسيق داخل الفريق وعدم التجانس العرقي بين أفراده. وفي المقابل، برز المنتخب الألماني كفسيفساء مضادة. لا عرق ولا لون يقف في وجه الماكينة الألمانيّة الصلبة حتّى الملل. كاد كلّ لاعب داخل الفريق يكون من أصل مختلف: تركي، بولوني، عربي، برازيلي...
لم يكن ممكناً تجاهل تنامي العنصريّة، أو على الأقلّ بروزها على السطح بطريقة شفّافة تطيح أشكالها الأكثر عمقاً. لذلك، لم ترفع الفِرق هذه المرّة لافتات داعية للسلام مثلاً، بل رفعت لافتات ضدّ العنصريّة.
لكنّ المونديال إذ يستعدّ للحظة الوداع، سيترك لنا في لبنان موسماً مفتوحاً، إذ لم يكتفِ بعض اللبنانيّين برفع الأعلام النازيّة، أو تعليق صور هتلر على زجاج السيّارات، بل تبرّع أحد السياسيّين بإعطاء رأيه في المونديال قائلاً: «أنا أشجّع البرازيل بسبب لعبهم الجميل. لكنّني سياسيّاً أشجّع ألمانيا، لأنّ الألمان قتلوا اليهود. أحرقوهم في غرف الغاز».
وأطلق السياسيّ ضحكة الواثق من نفسه. ضحكة تلاقي تصريحات سياسيّ آخر من مشجّعي الأرجنتين. عنصريّته لم تصب اليهود هذه المرّة، فاختصاصه هو الفلسطينيّون: «موضوع اندماج اللاجئ في مجتمعه مطلب إسرائيلي أميركي... ألا يسمّى إعطاء الحقوق والتملّك والعمل والضمان للّاجئين اندماجاً؟... كيف نقنعهم لاحقاً بالعودة إلى أرضهم بعد أن نكون قد وفّرنا لهم رفاهية العيش؟».
لكنّ مواجهة الفلسطينيّين لم تمنعه من شمل الجنوبيّين بعطفه. فهؤلاء، بحسبه، «يملكون ثوبَيْن: عسكرياً ومدنياً. بعد حرب تموز، لبسوا الثوب المدني، ولكن العسكري لا يزال في الخزانة».
أمّا الواقع، فهو أنّ قمصاناً وسخة كثيرة موجودة في الخزانة، خزانة يوميّاتنا اللبنانيّة. وهي تحتاج إلى أكثر من مونديال لغسلها.