حسان الزيندخل لبنان اللعبة الاستخبارية. ليست الحرب الأمنية جديدة، ولا هذه هي المرّة الأولى التي يطأ فيها لبنان أرض اللعبة الاستخبارية، لكن المرّة الوضع أصعب.
من الآن فصاعداً كل شيء، كل كلمة، في السياسة خصوصاً، وفي القضاء والأمن، مفتوح على الاستخبارات. لا مكان بعد للسذاجة. رعب آخر يُضاف إلى أسباب الهستيريا الجماعية وعوارضها. هذا مطلوب أيضاً، وسيُشخّص كعارض جانبي، ربما قياساً بالمآسي الأخرى.
المسرح جاهز، والعديد، العديد، من الاستخبارات قد بات يعمل وينشط انطلاقاً من السفارات ومن أماكن أخرى. وبدلاً من التأشيرات والهجرة تُعطى أوهام أخرى. والأجهزة الأمنية اللبنانية لا تضع هذا في سلّم أولويّاتها. وإن كنّا، كمواطنين، لا نعرف أولويّاتها، يُقال إنها تفكيك شبكات التجسس الإسرائيلية.
لكن، حتى هذه عرضة للعب الاستخباري. وبتنا لا نعرف إذا كان اللعب السياسي، على الكلام وفي عقول اللبنانيين، جزءاً من اللعب الاستخباري، أو يحاوره ويجاوره، أو ماذا؟
آخر المحطّات، حتى الساعة، موقوف «ألفا». واللعب السياسي بدأ من لحظة القبض عليه واتهامه.
ليس صدفة أن «تفجر» قنبلته في هذه اللحظة، في أجواء انتظار القرار الاتهامي من المحكمة الدوليّة. فالأجهزة الأمنيّة الرسمية وحزب الله منذ بدء التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري وحتى قبل، وليس منذ بدء الحديث عن اتهام عناصر في حزب الله بالاغتيال، يضعون «الاتصالات» ضمن أهداف عملهم. وتعاون حزب الله مع استخبارات الجيش اللبناني في موضوع الاتصالات وموقوف «ألفا» ذو دلالات مهمّة، تبدأ من السؤال لماذا لم يتعاون حزب الله، صاحب الدور في الأمر، مع «فرع المعلومات» الذي سبق أن مُنح «شرف» كشف شبكات التجسس؟ لعل الجواب هو لأن «فرع المعلومات» محسوب على جهة المحكمة الدولية ومُتّهم بتكوين ملف يستند إلى «اتصالات» يُحرج حزب الله ويتهم عناصر منه بالاغتيال.
حزب الله ليس ممَّن يقفون في وجه الاتهام، سواء أكان سياسيّاً أم استخباريّاً أم قضائيّاً، مكتّفاً مطلقاً الكلام السياسي. الاتهام السياسي صار خلفنا، من الماضي، ومن المستويات البسيطة في اللعبة. فالاعتقاد، المبني على معلومات، هو أن حزب الله في صدد إحراج استخباري لأي قرار اتهامي في حق عناصر منه يقوم على الاتصالات وعلى غير الاتصالات. والحرب مفتوحة وهذه مقدّمة، ما يجعل تأخّر صدور القرار الاتهامي وارداً. وإذا ما حصل ذلك، تتوافر فرصة أخرى لحزب الله لكشف أوراق إضافية مما في جعبته. ويُتوقع أن يكون ما يُكشف عنه في الأيام المقبلة مرتبطاً بهذا الملف وليس بملف سعي إسرائيل إلى جمع معلومات عن حزب الله وقيادته، علماً بأن كل شيء وارد والأمور والملفات متداخلة ينفذ كلّ منها على الآخر.
هذا بحد ذاته يستدعي أن تعود السياسة جوقة المحكمة الدولية والحرب الاستخبارية. وقد بدأت الحفلة، ونزل إلى الساحة مؤيدون لاتهام حزب الله وحلفاء حزب الله.
بدأ الجدُّ إذاً. والمرجّح أن تُدفع إلى الواجهة كل أجواء 7 أيار 2008 وأسبابها. فالرأس المطلوب ما زال هو هو: حزب الله. على الجميع قياس خطواته، بل إعادة النظر في حجم قدمه. حزب الله هو المقاومة، وواهم كل من يهوّن على نفسه بأن اتهام عناصر من حزب الله وليس حزب الله كافٍ لسحب الصاعق من العبوة. الواهم هذا لا تتوافر فيه شروط اللعبة، أو هو يشارك في إغراق البلد في المستنقع الاستخباري والأمني المتفجّر.
حتى الساعة ما زال سعد الحريري غامضاً في شأن القرار الاتهامي، وكأنه لم يحسب أبعاده نهائياً، وإلى أين يمكن أن يؤدي. لم يقرّر بعد أو هو ينتظر الحادث ليكون له حديث. معذور، إذ ما زال عند تعهّد معرفة الحقيقة. لكن، هو نفسه ابن صاحب الشعار: «لا أحد أكبر من وطنه». وليس مبالغة القول إن لبنان كوطن في كف والمحكمة الدولية وما يصدر عنها في الكف الأخرى. وعلى سعد الحريري وزن ما في الكفين... وحماية الوطن والمحكمة.