إعداد وترجمة ديما شريفلم تعبأ الصحف الأميركية كثيراً بخطاب الرئيس باراك أوباما حول العراق لأنّها كانت تعرف مضمونه العادي مسبقاً، وتحوّل الانتباه كلّه إلى مدينة نيويورك التي كانت على موعد مع تصويت هام جداً. إذ قررت لجنة الحفاظ على المباني التاريخية إعطاء الإذن بهدم مبنى لبناء مركز إسلامي مكانه. المشكلة أنّ المبنى الذي سيضم مسجداً، يبعد مئتي متر عمّا كان برج التجارة العالمي. اعتبر الجمهوريون وكل أقطاب اليمين الأميركي أنّ ذلك يمثّل إهانة لأهالي الضحايا. وفي المقابل، رأى الديموقراطيون أنّ بناء المسجد يمثل مظهراً من مظاهر التسامح الديني الأميركي ودليلاً على الحرية الدينية التي يمنحها الدستور وسط تهديد يميني برفع دعاوى لإيقاف المشروع.

دفاعاً عن القيم



جو كوناسون *
لم يكشف أخيراً أي جدال صريح القيم الفارغة للحق الأميركي أكثر مما فعل الجهد الرامي إلى منع بناء مركز اجتماعي في مانهاتن لأنّه يتضمن مسجداً. الحجج التي يسوقها المعارضون لذلك، تتنوّع من قلق معلن لحساسيات أهالي ضحايا أحداث 11 أيلول إلى صرخة معركة بدائية ضد الإسلام كدين. لكن ما يشترك فيه هؤلاء جميعاً هو تجاهل بكل ما للكلمة من معنى، للقيم المؤسسة لأمتنا.
الحوافز الدافعة لانتهاك الحقوق التي يمنحها التعديل الأوّل في الدستور الأميركي للمسلمين لأنّهم مسلمون، هو خاطئ خطأً صارخاً ومتطرفاً لدرجة أنّه يتحدى الغضب. حتى الآن، لم يسعَ أي شخص في مركز مسؤول لإنكار أي حرية دينية أساسية لأي مجموعة لا تخرق ممارساتها بأي شكل القانون. رغم الخلافات حول حدود الحرية الدينية، تشاركت الأمة في توافق على وجود حرية للجميع بدون استثناء.
غينغريتش: حين تسمح السعودية ببناء كنيسة أو كنيس، يمكن بناء مسجد
باختصار، الحرية الممنوحة من الدستور، لمن يؤمنون بأي دين أو من لا يؤمنون بدين ما، تعود لجميع الناس. لا يمنح المسيحيون الحرية للمسلمين، الهندوس أو اليهود، ولا يمكن سحبها من مجموعة من جانب أخرى. وبالتأكيد، لا يمكن إلغاؤها بواسطة غوغائية بائسة. لكننا نرى اليوم، رئيس مجلس النواب السابق ومرشحة جمهورية إلى منصب نائبة رئاسة الجمهورية سابقاً ومن الممكن أن يترشحا مجدداً إلى منصب الرئاسة في الانتخابات المقبلة، يقودان حملة ضد «مسجد 11 أيلول». ورغم أنّ المبنى سيشيد على أرض خاصة، فإنّ نيوت غينغريتش وسارة بايلين مصران على أنّ الدولة يجب أن تمنع بناء المسجد هناك.
وفق السيدة بايلين، يمثل هذا المشروع «طعنة» مهددة في «قلب» كلّ أميركي، وهذا كل ما قالته فعلاً. فملاحظات حاكمة ألاسكا السابقة تجافي معظم الوقت الصواب أو المنطق. هذه المرة، أمّن خطابها مرحاً كبيراً لدرجة تجاهل مضمون خطابها بسبب استخدامها كلمة غير موجودة في اللغة الإنكليزية، وطلبت من المسلمين «المحبين للسلام» رفض بناء المسجد.
ووراء إحالاتها إلى التفهم، قالت السيدة بايلين لكل المسلمين في أميركا إنّ دينهم، صروحه ورموزه، تهين مواطنيهم الأميركيين. كانت تقول إنّ الإسلام لا يشارك الأديان الأخرى بموقع المساواة. كانت تحذر المجموعات المسلمة ضد التأكيد على هذه الحقوق. على نحو مميز، ذهب السيد غينغريتش بعيداً مستخدماً لغة عدائية وتلميحات خاطئة. دون أي دليل، قال إنّ المسلمين المعتدلين المسؤولين عن بناء المركز الاجتماعي هم «معادون لحضارتنا». عوض أن يبنوا المركز حيث يعيشون في نيويورك، حثهم غينغريتش على محاولة بناء كنيسة أو كنيس يهودي في «المملكة العربية السعودية».
عبر تلفظه بهذه الكلمات، أثبت أنّ ما لاحظه الليبراليون والمعتدلون عن اليمين المتدين هو حقيقي. أي إنّ هناك تشابهاً مخيفاً بين المتطرفين المحليين والمتطرفين الأجانب الذين اعتدوا علينا. قال السيد غينغريتش إنّه فقط حين يسمح السعوديون بالحرية الدينية الكاملة للمسيحيين واليهود، يمكننا أن نحذو حذوهم مع المسلمين. لذا فهو يوصي بتدمير قانون الحقوق الأساسية وتقليد تصرفات المستبدين الأجانب.
يجب على النقاش الدائر حول المسجد أن يبدد أي فكرة بأنّ هؤلاء «المحافظين» هم أكبر المدافعين عن الدستور كما يدّعون دائماً. هؤلاء السياسيّون، مع العصابات التي يؤثّرون عليها، يعرّضون للخطر أقدس التقاليد الأميركية بتهوّر.
* عن «نيويورك أوبزرفر»، مجلة أسبوعية

نصب التسامح



كان من المزعج أن نقرأ ونسمع النقد اللاذع والتعصب الصريح في ما يتعلق ببناء مسجد يبعد حوالى مئتي متر عن مكان حصول اعتداءات 11 أيلول الإرهابية. ولذلك كان تصويت لجنة الحفاظ على المباني التاريخية في مدينة نيويورك بإجماع تسعة أصوات يوم الثلاثاء مهماً، حين أعادت تأكيد أحد أهم مبادئ الديموقراطية الأساسية: التسامح الديني.
عوضاً عن الاستسلام للأصوات الغاضبة، وعدد منها وليست كلها لسياسيين جمهوريين يروّجون لأنفسهم، مهد أعضاء اللجنة الطريق أمام بناء المسجد والمركز الإسلامي. لم يكن ذلك فقط العمل الصحيح، بل كان العمل الوحيد الذي يجب القيام به.
لم تكن اعتداءات 11 أيلول حدثاً دينياً. كانت قتلاً جماعياً. الرد الأميركي لم يكن حرباً ضد الإسلام كما قال الرئيس أوباما والرئيس بوش من قبله.
لم يكن مفاجئاً أن ينتفض منظرون جمهوريون من أمثال نيوت غينغريتش وسارة بايلين ضد المسجد. وجد مرشح الكونغرس في ولاية كارولاينا الشمالية فرصة جيدة كي ينال الاهتمام، وغذّى الآراء المسبقة عن الإسلام. نحن نتوقع هذا النوع من التصرف من الجمهوريين. لقد استخدموا سياسة الخوف بلا خجل منذ 11 أيلول.
لم تكن اعتداءات 11 أيلول حدثاً دينياً، بل كانت قتلاً جماعياً
بعض عائلات ضحايا الاعتداءات، الذين يستحقون احترامنا وتعاطفنا، غير مرتاحين تجاه بناء المسجد. لكن سنسيء إلى ذكرى أحبائهم حين نذعن للخوف نفسه الذي أراد الإرهابيون أن يخلقوه، وبالتالي سنتخلى عن مبادئ الحرية والتسامح.
لم يكن هناك أي عذر لتصرّف «عصبة مناهضة التشهير» التي انضمت بسرعة إلى مناهضي المسجد. قالت المجموعة إنّه يجب ألا يبنى «في ظل» برج التجارة العالمي لأنّ هذا «سيسبب لبعض الضحايا ألماً أكبر». كان من المحزن أن نرى نوعاً من عقلنة التعصب من جانب مجموعة كانت ولا تزال تحارب التمييز في كلّ أشكاله، وخصوصاً خلال الأيام السوداء لمنظمة «كو كلوكس كلان» [كانت تدعو بتفوق البيض على السود وتقتل هؤلاء الأخيرين].
كان عمدة مدينة نيويورك مايكل بلومبرغ مصيباً في خطابه في جزيرة غوفرنرز على مرأى من تمثال الحرية. فقد اعتبر أنّ بناء المسجد «مهم لأنّه اختبار في مبدأ فصل الكنيسة عن الدولة وهو الأهم الذي قد نراه في حياتنا، ومن المهم جداً أن نتعاطى معه تعاطياً صحيحاً». يجب أن تشجع الخطط لبناء المركز الذي سيكلف 100 مليون دولار كل من يريد للمسلمين وغير المسلمين في أميركا أن يجدوا أرضية مشتركة.
أوضح العمدة بلومبرغ في خطابه أنّه في الولايات المتحدة وفي «أكثر مدينة حرّة في العالمط، لدى مالكي أي مبنى الحرية في استخدام ملكيتهم كبيت عبادة. وقال إنّه «لا حق لدى الحكومة لإنكار هذا الحق». نحن نوافق على تقديره بأنّه سيكون من السهل رفض الدعاوى القضائية التي تهدد بناء المسجد. لقد أعطت اللجنة موافقتها أيضاً على بناء مركز إسلامي.
لم يتوقف هذا المرشح الجمهوري لمنصب حاكم ولاية نيويورك ريك لازيو عن تحويل تصويت اللجنة إلى جزء من حملته الانتخابية. فقد قال إنّ الموضوع «ليس متعلقاً بالدين، بل بهذا المسجد بالذات».
السيد لازيو مخطئ جداً. لدينا فضول لنعرف أين في الدستور القوة التي تمنح الحكومة إنكار حق أي كان في بناء «هذا المسجد بالذات» أو كنيسة أو كنيس أو أي بيت آخر للعبادة.
(افتتاحية صحيفة «نيويورك تايمز» في 4 آب 2010)

تصويت مع الحرية الدينية



صوّتت لجنة الحفاظ على المباني التاريخية في مدينة نيويورك بالإجماع، الثلاثاء، لمنع إعطاء أحد المباني من القرن التاسع عشر، والذي يقع في المنطقة المسماة «الأراضي صفراً»، أي تلك التي وقعت عليها اعتداءات 11 أيلول، صفة تاريخية. وبذلك، يفسح المجال أمام هدم المبنى وبناء مبنى آخر من 15 طبقة يكون مركزاً اجتماعياً إسلامياً بعيداً حوالى مئتي متر عن المكان الذي كان فيه برج التجارة العالمي. تصرف اللجنة الصحيح هو نصر للمعتدلين في حكومة المدينة، ومن أجل هدف أميركي أساسي، هو الحرية الدينية.
معظم الاعتراضات اتخذت من 11 أيلول عذراً لإهانة دين الإسلام كله
«بيت قرطبة» الذي سيكلف بناؤه مئة مليون دولار، يأخذ اسمه من مدينة إسبانية في القرون الوسطى حيث عاش المسلمون، اليهود، والمسيحيون بسلام لـ800 عام. يعِد مطوّرو المشروع أن يتصرفوا بهذه الروحية عبر جمعهم الناس بسلام وتعاون في مركز سيضم مسرحاً يتّسع لـ500 مقعد، صالة للعرض الفني، مسبحاً، ومكاناً لعرض المنتجات. سيتضمن أيضاً مسجداً. أثار ذلك اعتراضاً ليس فقط في نيويورك، ولكن في كل البلاد.
نحن نفهم الحساسيات والمشاعر التي رافقت كل قرار اتخذ في مانهاتن منذ اعتداءات 11 أيلول 2001. لكن معظم الاعتراضات اتخذت من الأفعال الجرمية التي ارتكبها 19 مسلماً متطرفاً في ذلك اليوم عذراً لشتم دين الإسلام كله وإهانته. الإذعان لهذا النوع من التعصب سيكون الاستسلام للمتطرفين الذين يردون إنهاء ما بدأه الخاطفون يومها.
رغم الغوغائية، وجد المشروع مساندة في الأماكن الضرورية. فمجلس المجتمع المحلي أعطى موافقته في أيار بتصويت 29 شخصاً بالموافقة مقابل صوت واحد رافض، مع امتناع 10 عن التصويت. مجلس المدينة لديه الحق في قلب القرارات المتعلقة بالقضايا التاريخية، لكن رئيس المجلس أوضح أنّه لا يخطط للقيام بذلك أبداً. عمدة المدينة مايكل بلومبرغ (وهو مستقل) لم يذعن قط. وكذلك مدعي عام الولاية اندرو كومو (وهو ديموقراطي)، رفض نداءات عدّة للتحقيق في مصادر تمويل المجموعة التي ستبني «بيت قرطبة».
حيّا العمدة بلومبرغ تصويت لجنة القرارات التاريخية بخطاب في جزيرة غوفرنرز كرّم فيه نضال المدينة من أجل التسامح الديني، الذي يعود إلى منتصف عام 1650. كما قال إنّ تصويت اللجنة كان مبنياً فقط على القيمة التاريخية للمبنى الذي سيهدم. وأضاف السيد بلومبرغ متسائلاً «هل يجب على الحكومة أن تحاول سحب الحق من المواطنين ببناء بيت للعبادة على أراض خاصة وفق دينهم الخاص؟ هذا قد يحدث في دولة أخرى لكن يجب ألا نسمح بحصوله هنا». كم هو على حق.
(افتتاحية صحيفة «واشنطن بوست» في 4 آب 2010)