إعداد وترجمة ديما شريفبعد عشرة أشهر على التجميد الجزئي لبناء المستوطنات في الضفة الغربية، انتهت المهلة منتصف ليل الأحد الماضي. وكما توقع الجميع، لم تمدّد إسرائيل هذا التجميد لمحاولة إنقاذ عملية السلام والمفاوضات التي لم يمر شهر بعد على استئنافها. أما السلطة الفلسطينية التي هدّدت بالويل والثبور، فقررت «التشاور» مع العرب للاستمرار في المحادثات أو إيقافها، ولم يفكر حتى الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته محمود عباس في إلغاء أي اجتماعات مقبلة مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. أما واشنطن، فلا تزال تبحث عن وسيلة لإبقاء المفاوضات في غرفة الإنعاش كي لا تعلن فشلها المتوقع في تحقيق السلام الذي تنشده، كما كرّرت مراراً.

الأخطاء المتكرّرة



ستيفان والت *
أنا متأكّد أنّ معظمكم «مصدوم جداً» لسماعه أنّ الحكومة الإسرائيلية رفضت المناشدات الأميركية لتمديد ما سمّي تجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية. لننسَ أنّه لم يكن تجميداً حقيقياً (لم تتوقّف مشاريع كان قد جرى البدء بها، وطُرد المزيد من الفلسطينيّين من القدس الشرقية، إلخ...)، لكن كان للتوقف الجزئي قيمة رمزية ما. عبر رفض تمديده، أظهرت حكومة نتنياهو أنّها تهتم بالاستمرار في عملية استيطان بدأت منذ 43 عاماً، أكثر مما تهتم بتحقيق صفقة سلام نهائية.
في هذا الظرف، سيحاول فريق أوباما المختص بالشرق الأوسط أن يبتكر مناورات تبقي المفاوضات على قيد الحياة، لحفظ ماء الوجه. الترجمة الفعلية لذلك هي أنّهم يحتاجون إلى ورقة تين لتغطية مقدار الفشل الذي ألحقوه بهذه القضية. ولأنّ ممارسة ضغط جدي على إسرائيل هي لعنة (وخصوصاً في سنة انتخابات)، سيضطرون إلى إقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعدم الانسحاب من المفاوضات في الوقت الذي يستأنف فيه البناء. وهكذا يستطيع عباس أن يشاهد الجرافات تحيل «الدولة القابلة للحياة» أمراً مستحيلاً، فيما تستمر المحادثات، وتستمر. قد ينجحون في إبقاء المسرحية مستمرة، لكن سيكون ذلك نجاحاً لا يغيّر شيئاً.
يجب التركيز على فكرتين أساسيّتين فيما نشاهد هذه الكارثة الدبلوماسية.
هناك أولاً الأسطورة الكبرى في دبلوماسية الشرق الأوسط، أي الكليشيه الذي يقول إنّه «لا يمكن أن تكون الولايات المتحدة راغبة في ذلك أكثر من الأطراف المعنيين». يجري اللجوء إلى هذا العذر، المستخدم لتبرير عدم التحرك، كلما فشلت الولايات المتحدة في ممارسة النفوذ الكبير الذي تملكه، وهذا في منتهى السخف. لا يوجد سبب يمنع الولايات المتحدة من تحبيذ التسوية أكثر من إسرائيل أو الفلسطينيين، وخصوصاً إذا كان الطرفان غارقين في سياسات مختلة أو أحلام ليكودية قديمة، لدرجة يجب معها دفعهما بقوة إلى تحقيق صفقة.
لسوء الحظ، لا يتمحور هذا الصراع حولهم فقط، بل يطاولنا نحن أيضاً. وحين تكون المصالح الأميركية في خطر، يمكننا أن نرغب في حلّ كما يرغبون، أو ربما أكثر.
السبب وراء ذلك بسيط: نظراً إلى «العلاقة المميزة» بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإنّ استمرار الصراع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني هو مشكلة أمن قومي خطيرة بالنسبة إلى واشنطن. المزاوجة بين الدعم غير المشروط لإسرائيل واستمرار التوسع الإسرائيلي الاستيطاني غير الشرعي، تقوّض صورة أميركا في دول عدّة وتناقض القيم الأميركية الأساسية. وهو أيضاً من الأمور التي ألهمت مجموعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة، وتسهّل التجنيد الجهادي. وكما قال الجنرال ديفيد بترايوس منذ شهور، فهذا الأمر يجعل مهماتنا في مناطق كالعراق وأفغانستان أكثر صعوبة. هذا الموقف، باختصار، ليس جيداً للولايات المتحدة.
سيحاول فريق أوباما ابتكار مناورات تبقي المفاوضات على قيد الحياة لحفظ ماء الوجه
ما دامت هذه العلاقة المميزة مستمرة، فإنّ إنهاء الصراع يصبح بالتالي من أولويات الأمن القومي للولايات المتحدة. أنهوا الاحتلال وسوّوا الصراع، ولن تسبّب العلاقة المميزة هذا القدر من المشاكل. لو تجاهل المفاوضون الأميركيون السياسات المحلية ووضعوا المصالح الأميركية أولاً، فهذا يعني أنّهم يستخدمون كلّ العصي والجزر المتوافر لديهم لدفع الطرفين إلى صفقة مبدئية يعرف الجميع خطوطها العريضة منذ عقود أو أكثر. وإذا رفضت إسرائيل إنهاء الاحتلال وتوقيع اتفاق عادل، يستطيع القادة الأميركيون الابتعاد تدريجياً عن «العلاقة المميزة» الحالية، باتجاه أمر ما أكثر تماشياً مع المصالح الأميركية. فيجب ألا ننسى من هي القوة العظمى هنا.
الفكرة الثانية هي أنّ بعض منتقدي سياسة أوباما قد يظنون أنّ المشكلة هي في كونه وفريقه «مناصرين لإسرائيل» كثيراً. هذا ليس صحيحاً تماماً. عبر إجبار عباس على القيام بتنازلات متكررة دون مقابل، هم يقوّضون شرعيته الهشة لدرجة يصبح معها غير قادر على تسويق أيّ اتفاق قد يجبرونه على توقيعه. وعبر السماح لنتنياهو بتحدي كلّ الطلبات الأميركية المتكررة دون دفع أي غرامة، شجعوا الإسرائيليين على الاعتقاد أنّه لا يوجد أيّ ثمن للموقف المتشدد. لكن هذه المقاربة ليست «مناصرة لإسرائيل»، لأنّ أوباما ومستشاريه يسهمون في جعل حلّ الدولتين مستحيلاً، وبالتالي يجعلون من الصعب تجنب الوصول إلى حلّ الدولة الواحدة. يعرف الإسرائيليون الأذكياء أنّ هذا طريق محفوف بالمخاطر، وقال الرئيس أوباما ما يشبه ذلك في خطابه أمام الأمم المتحدة الأسبوع الماضي. لكن تعاطي الإدارة مع هذه القضية جعل حلّ الدولة الواحدة أكثر احتمالاً للحصول، ما يهدد مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية.
إذاً، لو كنت الرئيس أوباما (ويمكنكم جميعاً أن تكونوا سعداء لأنّني لست في مكانه)، فسأدعو كل فريق الشرق الأوسط إلى المكتب البيضاوي لحديث صغير. هذا ما كنت سأقوله:
«لقد وعدت الشعب الأميركي، والعالم، بأنّنا سنحقق «دولتين من أجل شعبين» خلال ولايتي الأولى. حين كنت في القاهرة منذ أكثر من عام، قلت إنّ هذا الهدف يقع في صلب «مصالح أميركا، إسرائيل، الفلسطينيين والعالم». ولقد عنيت ذلك. لقد وثقت بكل واحد منكم ليساعدني على تحقيق هذا الهدف، وأخذت بنصيحتكم لأكثر من عشرين شهراً. دعوني أكُن واضحاً: هذا الأمر لا ينفع، ولست ممّن يقنعون بالفشل. ولن أكافئ الفشل. لذلك أنا أقول لكل شخص منكم الآن: إذا لم تكونوا قادرين على مساعدتي على تحقيق هذا الاتفاق خلال عام واحد، فسأطرد كل واحد منكم، وأُحضر بعض الوجوه الجديدة إلى هنا».
تظنّون أنّ هذا وهمي جداً؟ بالطبع إنّه كذلك، لأنّ القوى السياسية نفسها التي تجعل من المستحيل على أوباما أن يقوم بالأمر الصحيح، ستصعّب عليه المهمة لتعيين فريق أفضل. لكن هذا ليس متخيّلاً أكثر من الاعتقاد بأنّ الولايات المتحدة تستطيع الاستمرار في تكرار الأخطاء نفسها للحصول على نتائج مختلفة.
* عن مجلة «فورين بوليسي»

أكثر ممّا تستطيع إسرائيل منحه



ريتشارد كوهينمجال عدم كفاءة الإدارة هو قضية مستوطنات الضفة الغربية. وهناك خطأ في التسمية. فبينما هناك مستوطنات تقع فعلاً داخل الضفة الغربية مثل مستوطنة أرييل، فإنّ عدداً آخر موجود بطريقة لا لبس فيها في أجزاء من القدس. كلّها، وفق القانون الدولي، غير شرعية. لكن بعضها، بغض النظر عن الشرعية، ستبقى. حتى في الشرق الأوسط، يستطيع التفكير السليم في أن يؤدّي دوراً. لن تتخلى إسرائيل عن المستوطنات الموجودة في منطقة القدس.
قضية المستوطنات معقدة، لكنّها ليست بلا حلّ. وما يحصل اليوم له أهمية كبرى. فالمستوطنات هي الطريقة التي استقر عبرها الصهاينة في إسرائيل. والجزء الذي يهمّ بعض القوميين واليهود الأرثوذكس من إسرائيل ليس تل أبيب على الساحل، التي يشبّهها البعض بمدينة ميامي، لكن ما يهمّهم هو أجزاء السامرة ويهودا في الضفة الغربية، أي قلب إسرائيل التوراتية. ويرى عدد مهمّ من الإسرائيليين، وإن كانوا ليسوا أغلبية، أنّ للمستوطنات أهمية دينية وايديولوجية كبيرة.
عباس أو نتنياهو سيفقد صدقيّته ولا يمكن أيّاً منهما تحمّل ذلك
في المقابل، فإنّ الفلسطيني العادي يعدّ المستوطنات شوكة في عينه. بناء كلّ واحدة منها يعني سلخ قطعة جديدة من الأرض وإعطاءها للعدو دون أن تصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية. هو تذكير بالعجز، وعدم القدرة على التحكم في الحياة والقدر، وتذكير بتاريخ مؤذٍ لم يكن يوجد فيه غير الهزيمة. يريد الفلسطينيون أن يربحوا ولو مرةً واحدة على سبيل التغيير.
نظراً إلى الطبيعة العاطفية لقضية المستوطنات، لم يكن منطقياً بالنسبة إلى الإدارة، وتحديداً الرئيس أوباما بنفسه، الترويج لتجميد كامل للبناء شرطاً مسبّقاً للمحادثات. استجابت حكومة بنيامين نتنياهو تحت الضغط الشديد، لكن فقط لتجميد مدته عشرة أشهر. بالنسبة إلى نتنياهو، كان هذا تنازلاً عظيماً. فهو يقود تحالفاً يمينياً ينظر إلى المستوطنات نظرة جدية. كان لنتنياهو أحد خيارين: الموافقة على شروط أوباما وقبول انهيار حكومته، أو إنهاء التجميد. يوم الأحد الماضي، مع انتهاء مهلة العشرة أشهر، اختار الخيار الثاني.
سنرى إذا كان انتهاء مهلة التجميد سيعني انتهاء محادثات السلام. لم ينهِ الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حتى الآن، المفاوضات. سيتشاور مع نظرائه القادة العرب. في هذا الوقت، يجب على أوباما أن يتشاور مع شخص يعرف المنطقة، ويستمع إليه (أو لها). المشكلة هي أنّ العديد من الخبراء أخبروه أنّ تركيزه على المستوطنات هو الطريقة السيئة للعمل. ووصولاً إلى الأسبوع المنصرم، وبعد الاجتماعات العديدة في الأمم المتحدة، كان واضحاً أنّ نتنياهو لن يطلب من حكومته تمديد تجميد الاستيطان. لكن رغم ذلك، لم ينتبه البيت الأبيض لهذا التحذير، وكرّر الرئيس مناشدته من أجل التجميد. «موقفنا من هذه القضية واضح»، قال الرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأضاف «نحن نعتقد أنّه يجب تمديد التجميد». لكن ذلك لم يتم.
من البداية، كان موقف أوباما متشدّداً تجاه المستوطنات، رافضاً التمييز بين شقة في القدس ومعسكر على تلة عميقاً داخل الضفة الغربية. كان يبدو أيضاً أنه لم يفهم أهميتها الدينية، الثقافية، والتاريخية لبعض اليهود. كان ردّ فعل بعض الإسرائيليين اليمينيين هو الأسلوب نفسه المفتقد العاطفة. أحد مسؤولي المستوطنات، ويدعى غيرشون ميسيكا، سمى أوباما باسمه الأوسط، حسين، وهي محاولة شتيمة صبيانية.
كانت مقاربة أوباما للمشكلة الإسرائيلية ـــــ الفلسطينية ذات نتائج عكسية. إما على الفلسطينيين التراجع عن إصرارهم على تجميد البناء في كل المستوطنات (وهو مطلب أوباما)، وإما على نتنياهو التراجع عن تعهده أنّ أيّ تجميد سيكون مؤقتاً. عباس أو نتنياهو سيفقد صدقيته ولا يمكن أيّاً منهما تحمل ذلك. ليسا مجرّد مفاوضَين، بل هما مسؤولا دولتين.
على أوباما أيضاً أن يحافظ على صدقيته. فهو، بسذاجة، طلب من إسرائيل ما لا تستطيع منحه إياه. كان ذلك خياراً دبلوماسياً سيئاً، حتى لو لم نعتمد على ميتيرنيخ أو كيسينجر بل على خبير البايسبول وسؤاله عن فريق الميتز غير الكفؤ. الإجابة حتى الآن هي: لا.
* عن صحيفة «واشنطن بوست»