خالد صاغيةقبل خمسة أعوام، دخلت البلاد منطقة الخطر. كانت أعين العالم كلّه شاخصة على ثورة الأرز كنموذج للتغيير الذي تنشده الإدارة الأميركية للمنطقة. وهو نموذج لم يكن بعيداً أصلاً عن تطلّعات قسم لا بأس به من الشعب اللبناني. تطلّب الأمر جهداً كبيراً، حتى فرض القسم الآخر نفسه، حتّى لا تحجب وجهه الأغلفة الملوّنة للمجلات الغربية. وفي ظلّ هجمة مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كانت تراه كوندوليزا رايس في أحلامها، كان الرهان على حكمة الزعماء اللبنانيين، من مؤيّدي مشروع رايس ومعارضيه، كي لا ينجرّوا إلى التماهي المطلق مع المشاريع الخارجية، فيتحوّلوا مجرّد أداة، ويحوّلوا البلاد إلى مجرّد مختبر.
اليوم، مع تراجع الزخم الأميركي في المنطقة، باتت الآية معكوسة. أصبح الرهان على حكمة القوى الخارجية الممثّلة بمعادلة س ـــــ س كي تلجم تهوّر الزعماء اللبنانيين الذين بات الرهان على حكمتهم ضرباً من الجنون.
فعلى ما يبدو، ورغم الكلام الكثير على عدم وجود مصلحة لأي طرف في اشتعال الفتنة، ثمّة استسهال مشترك في توفير الظروف الموضوعية اللازمة لاندلاع فتنة كهذه.
فمن ناحية، هناك من لا يزال مصراً على عدم الاعتراف بالشغف الطائفي الذي يمثّل المحرّك الأساسي للانتماءات والعواطف السياسية. ويتجلّى عدم الاعتراف هذا في اعتبار بعض المسؤولين في حزب اللّه أن إخلاصهم في العمل المقاوم ضد إسرائيل قد يشفع لهم في حال اندلاع فتنة سنية ـــــ شيعية، ولعلّ الشعار المبتذل لتفكير كهذا ساد خلال أحداث ٧ أيار حين رأت وسائل الإعلام التابعة للحزب أنّ ما يجري هو «استعادة بيروت لوجهها العروبي». وفي السياق نفسه، ثمّة من يستعيد سذاجة يسارية، فيرى أنّ الفتنة، حتى لو وقعت، فإنها سرعان ما ستتحوّل إلى نوع من الصراع الطبقي!
أما من الناحية الأخرى، فثمة من لا يزال يرى أن حقه في معرفة قتلة الرئيس رفيق الحريري، واحترام اللبنانيين لهذا الحق، سيشفع له في البقاء متفرّجاً حتى صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية. وبسذاجة مطلقة، ثمة من يطالب بتفحّص الأدلّة التي ستقدّمها المحكمة، غير مدرك أنّه قبل أن يتفحّص أي شيء، ستكون المشاعر الطائفية قد تفحصت كل شيء عنه.
من أجل رئاسة الحكومة، قضى سعد الحريري ليلة هانئة في ضيافة بشار الأسد، واعتذر عن اتهام سوريا بقتل والده. يستحق السلم الأهلي موقفاً مسؤولاً حتّى لا نضطرّ إلى أن يعتذر بعضنا من بعض بعد خراب البصرة.