خالد صاغيةفي مقابلته التلفزيونيّة الأخيرة، حذّر النائب سليمان فرنجيّة من صدور قرار عن المحكمة الدوليّة يتّهم أفراداً من حزب اللّه باغتيال الرئيس رفيق الحريري، مشيراً إلى أنّ قراراً كهذا هو بمثابة إعلان حرب. في المقابل، أعلن، أمس، رئيس حزب الكتائب، أمين الجميّل، أنّه «إذا كان الخيار بين المحكمة ـــــ ولو حصلت بعض الإشكالات على الأرض ـــــ واللامحكمة، فأنا مع المحكمة»، مضيفاً إنّه يؤكّد موقفه هذا «مهما تكُن تداعيات القرار الظنّي».
يكاد هذان الموقفان يختصران الموقف اللبناني من المحكمة الدولية. فالخيار الحقيقي الوحيد المطروح أمام اللبنانيّين اليوم هو الآتي: إمّا المحكمة والفتنة، وإمّا اللامحكمة واللافتنة. أمّا الموقف المبدئيّ القائل بالمزاوجة بين المحكمة والسلم الأهليّ، كما يعبّر عنه سمير جعجع مثلاً، فلا مكان له في عالم السياسة وعلى أرض الواقع. قد تكون هذه الحقيقة جارحة وموجعة، وهي كذلك فعلاً، لكنّها الحقيقة الواقعة اليوم، الآن وهنا.
باستطاعة البعض التذاكي، كما يفعل بعض نوّاب المستقبل حين يتساءلون: ومن قال إنّ المحكمة ستتّهم أفراداً من حزب اللّه؟ وباستطاعة آخرين أن يقلّلوا من هول المأساة، مذكّرين بأنّ الكثير من القرارات الاتّهاميّة لم تصمد أمام المحاكم الدوليّة وجرى التراجع عنها في سياق المحاكمات. لكنّ الجميع يعرف أنّ الجميع بات يعرف أنّ أصابع الاتّهام ستُوجَّه نحو عناصر من حزب اللّه، وأنّ دولاً تتدخّل لتأجيل صدور القرار، وأنّ المدّعي العام الدولي دانيال بلمار لا يعيش في جزيرة «العدالة» المعزولة.
الواقع أنّه لو كان القرار الاتّهاميّ حكماً مبرماً، لربّما جازت المجازفة في شأنه. فمن حقّ شعب أن يقرّر خوض حرب من أجل الدفاع عن مفهوم العدالة على أرض وطنه. لكنّ المأساة الحقيقيّة هي أنّ القضاة والعدالة الدوليّة باستطاعتهم أن ينتظروا سنوات كي يتأكّدوا من صحّة اتّهاماتهم، وأن يأخذوا وقتهم في المرافعات أمام قوس المحكمة، لكنّ لبنان 2010 لا يستطيع أن ينتظر. لأنّ لبنان 2010 يقع على الضفّة الشرقيّة للبحر الأبيض المتوسّط، في تلك المنطقة التي غزاها الجيش الأميركي يوماً باسم «حرب عادلة»، وسبّب غزوه انفجار ما يسمّى الفتنة السنّية ـــــ الشيعيّة.
عزيزي السيّد كاسيزي،
من حقّك أن تصرّح بأنّ أحكام العفو السابقة لم تساعد لبنان على العيش بسلام. ومن حقّك أن تصرّ على أن تأخذ العدالة مجراها، هذه المرّة، مهما كان الثمن. لكن، عليك أن تدرك جيّداً أنّ مقرّ المحكمة الدوليّة هو في لاهاي، أمّا قراراتها، فستنفجر في بيروت.