سوزان تلحوق *لو أني:
عراقية، يعني أنه سيكون لدي قضية واضحة لا لبس فيها وهي العمل على إعادة العراق بلداً عربياً أبياً، عراق الثقافة والتاريخ والإنسان، عراق العروبة والإبداع، عراق عصي على كل الطغاة، عراق كلما جرح ضمد الجراح وغيّر كل التوقعات والمعادلات، عراق يمثّل العمود الفقري للوطن العربي، عراق لا يستباح، وإذا استُبيح ضاع شرف الأرض. لو أني في أرض العراق لكنت عراقية!
فلسطينية، خارج فلسطين المحتلة أو داخلها سأعمل من دون توقف على العودة، على إعادة رسم الخطوط العريضة للقضية، على إعادة الاتفاق على أبجدية القضية، على إبراز المعالم المطمورة للقضية، على العودة إلى أولى سنوات الاغتصاب وعصر الذاكرة الجماعية لاستعادة إحساسنا في ذلك الوقت بطعم الوجع الهائل، بطعم الغضب لاستعادة إحساس آباء فلسطين وأمهاتها وشبابها آنذاك، جميعهم في ذروة الألم والدهشة والصدمة والضياع وعدم الوعي والوجع الوجع، وهم ينسلخون عن أرضهم وترابهم وهوائهم وأحلامهم وحقولهم وقمحهم، يجب التأمّل والتأمّل والصمت من أجل استعادة هذا الإحساس، ومن بعدها يصبح هناك أمل للعودة قبل التحرير والمقاومة وأي تفكير، فقضية فلسطين لم تعد في الوجدان، والزمن يمر وكل يوم نتخلى عن شبر آخر ونبتعد. وآثار القضية التي نحملها، هناك من يسهر ويعمل ليل نهار على إخفائها. فلم تعد لدينا أية ذاكرة، وحتى عندما نحاول أن ننهض مجدداً، فثمة ما قد مات في هذه القضية، إننا نفاوض ونحن أموات. إذا استعدنا شعورنا ونحن نترك فلسطين في 48 هذا هو كل ما نحتاجه لنتذكر، يجب أن نتذكر ومن ثم ستغيب وتندثر كل الخلافات. فالشعور آنذاك كان الأقوى فلنتذكر. لو أني فلسطينية فسأنبش الذاكرة وأحفر وأحفر كل الصخور المتراكمة عليها وأفتتها ليلمع من تحتها إحساس ذلك النهار يوم اقتحموا مقدساتنا واستباحوا أرضنا وعرضنا ونحن في بيوتنا. على العجزة والشباب والساسة والمقاومين جميعاً أن يتذكروا، سأجمع ذاكرتهم وأعيد نبض ذلك الوجع بالاغتصاب، وبعد النبض هناك أمل بالحياة، فلا تفاوض مع الحياة.
«لبنانية» كلمة متفق عليها لا تحمل في طياتها شيئاً
أمّا كوني لبنانية، فأنا درزية أو موحدة محسوبة على زعيم، وهل أستطيع أن أبرهن أني درزية مستقلة؟ في بلد مثل وطني نحن أرقام محسوبة في قطيع الزعيم، وإن رفضنا فنحن نبقى رقماً في هذا القطيع، لكن غير مجدٍ. وهذا يعني أن لا وظيفة ولا شيء من دون مباركة الزعيم. فتختار إما أن تهاجر أو ترضخ أو تموت. كوني لبنانية لا أستطيع أن أحلم حتى بقضية. فأية قضية هي مسألة وقت ومسألة تسوية، لا مسلمات في لبنان، إنه وطن مُلغى، إنه فكرة وطن أو أرض إقطاع، إنه الوحيد من بين أوطان العالم الذي يرفضك إذا ضحيت من أجله، ويحضنك إذا فاجأته من الخلف. إنه حالة شاذة لمفهوم الأوطان. فكل زعيم يعلنه وطناً له ويريد ضمه إلى ممتلكاته. إنه وطن ضعيف الشخصية فكيف سأثق به وأعيش فيه. لكن في هذه الظاهرة الغريبة، لبنان، هناك ما يشدك دائماً. ربما سحر هذه التركيبة لأناس لم يدركوا معنى الوطن أو لأناس ليسوا جاهزين لوطن. لو كنت لبنانية أو عفواً أعني لأني لبنانية، يعني إما أنا عميلة أو مارونية أو سنية أو شيعية أو درزية... أو أتفق على دوري مسبقاً وعلى أفقي ومنهجي وفائدتي، لأني لبنانية يعني أني أي شيء إلا إنسانة. فهنا نعامَل كأرقام تابعة لأهواء الزعماء الذين قسّموا حصصهم منذ سنين لكنهم لا يحبون الضجر، فاختاروا أن يلعبوا بنا ليضيعوا الوقت قبل ساعة الحق.
لبنانية كلمة متفق عليها لا تحمل في طياتها شيئاً، وإذا وجدتم أي شيء فأتمنى أن تقولوا لي، فأنا أبحث عن وطن بين الزعماء والجثث ورائحة الدم.
* شاعرة ورئيسة جمعيّة «فعل أمر»